بوادر إيجابية شهدها الاقتصاد المحلي في عام 2017 وخاصة خلال نصفه الثاني، لدرجة دفعت وزير الاقتصاد في أكثر من مناسبة إلى إبداء تفاؤله بالمرحلة القادمة، معتبراً أن العام الحالي يمثل بداية التعافي الاقتصادي وخاصة مع ظهور مؤشرات جيدة لتحسن حركة الصادرات وعودة المنتجات السورية إلى أسواقها التقليدية وكسب أسواق جديدة وخاصة بعد كسر الحصار الاقتصادي المفروض على سورية في شراكة حقيقية تجسدت لأول مرة بشكلها الفعلي في معرض دمشق الدولي، بين القطاع الخاص والعام، وهذه خطوة إيجابية تحسب لوزارة الاقتصاد، ولكن هل هذا انجازها الوحيد، وهل استطاعت فعلاً الاضطلاع بالمهام المطلوبة منها للنهوض بالاقتصاد المحلي وانتشاله من واقعه وخاصة بعد تسلم وزيرها الحالي د.سامر الخليل ناصيتها، الذي أعلن عن خطته لتطوير أداء الوزارة وتحسين كفاءة موظفيها بشكل ينعكس في النهاية على العمل التجاري والاقتصادي عموماً، فهل استطاع تحقيق ذلك وخاصة أننا لم نعد نسمع الكثير من الشكوى من التجار والمستوردين للحصول على إجازات الاستيراد، وهل إقامة المعارض فقط تعد المقياس الوحيد لنجاح الوزارة في مهامها، أم أن إخفاقها في معالجة ملفات هامة أيضاً كتفعيل هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة الوليدة يعطي مؤشراً أخراً على أداءها.
خطوات مبشرة تركت انطباعات جيدة وأخرى أثارت تساؤلات حول المشروع الاقتصادي الذي رسمته وتسير وفقه الوزارة عام 2017.
فمن النجاح في إعداد وإنجاز معرض دمشق الدولي، والذي أدى المطلوب منه على أكثر من صعيد إعلامي وإنتاجي وسياسي، إلى التعثر في بعض الخطوات كموضوع السماح باستيراد الأقمشة كمواد أولية للصناعة من عدمه والحبر الكثير الذي سال عنه والجهات الكثيرة التي تدخلت فيه، عدا عن كيفية التعامل معه من قبل الجهات المعنية في الوزارة، كان هناك بونٌ شاسع، ويبقى للظروف الصعبة التي تعمل فيها الوزارة الحصة الأكبر من التساؤلات، ولكنها ليست شماعة نعلق عليها بعض ما حدث، وسنحاول المرور فيما يأتي على بعض هذه الخطوات بما لها وما عليها.

كسر العزلة الاقتصادية

نجحت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من خلال تنظيم معرض دمشق الدولي 59 ومعارض أخرى خارجية في كسر حصار اقتصادي فرض على سورية فترة طويلة حكومة وشعباً، فاتسمت مدة الإنجاز السريعة بتضافر الجهود بين جميع الجهات، تخطيط إدارة ممنهج وتنفيذ سريع من قبل الهيئات والمؤسسات التابعة للوزارة، عدد الدول المشاركة وعدد الزائرين الكبير والنتائج الإيجابية التي تبعت المعرض وتخللته، كلّله إعلان رئاسة مجلس الوزراء المبكر عن موعد دورة معرض دمشق الدولي للعام القادم.

مبالغة إعلامية!

ما سبق كان عن التظاهرة الكبيرة للمعرض الدولي فماذا عن بقية المعارض الخارجية وتحويلها إلى مراكز بيع مؤقتة ومن ثمّ دائمة لتسويق المنتجات السورية، وعن أي منتجات وما قيمتها المضافة وقدرتها التنافسية وهل كان بعضها يشكل نقصاً على السوق المحلية. بالتأكيد شيء من هذا حدث؟!.
هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات قامت بعدة معارض خلال العام بالتعاون مع اتحاد المصدرين وغرف الصناعة والتجارة، ما خلق حراكاً صناعياً وتجارياً داخلياً، ولكن عابه بعض التقصير في دعم المعارض الخاصة التي سعت إليها الشركات التي تعمل في مجال تنظيم المعارض والتي طلبت دعماً من هيئة تنمية الصادرات ولكن بعضها لم يصلها رد منذ ستة أشهر.

خيرٌ من ألا تأتي أبداً

كما أصدرت الوزارة هذا العام الدليل التطبيقي الإلكتروني الموحد لمنح إجازات وموافقات الاستيراد وفق البنود الجمركية الثمانية للتعرفة الجمركية المطبقة للعام 2017 وعممته على جميع الاتحادات التجارية والصناعية والزراعية والحرفية وغيرها لتصبح الآلية التنفيذية بموجب هذا الدليل واضحة لكل المعنيين سواء من الفعاليات الاقتصادية أو المستوردين وبما يغني المستوردين عن مراجعة أو سؤال الوزارة أو مديرياتها حول المادة التي يُرْغَبُ باستيرادها، وما سبق يعدّ خطوة إيجابية يجب أن تنجز منذ مدة طويلة ويحسب للوزارة أنّها أنجزته هذا العام وسهّلت عمل المصدرين والتجار، لكن وحسب منار الجلاد عضو مجلس غرفة تجارة دمشق والناطق الإعلامي باسمها فإنّ هذا الإجراء على أهميته هو إجراء طبيعي لأنّ التغييرات في المدة السابقة بالمسموح والممنوع من المواد المستوردة سببت إرباكاً في سوق العمل، وعلينا متابعة الأسواق الخارجية والانتباه بما هي مشغولة به لتطوير اقتصادها وما نحن مشغولون به أو في طور إعداده، لذلك طالب الجلاد بشفافية أكثر في عرض البيانات وإحصائيات التصدير، والسماح بالاستيراد على نطاق أوسع، وإعادة النظر في قيمة الرسوم الجمركية ومساواتها مع البلدان المجاورة، وبهذا الأمر نستطيع ايقاف التهريب الذي يضر بالصناعة والتجارة الوطنية ونحمي صناعتنا ونحافظ على إيرادات خزينة الدولة.

رؤية تحتاج عملاً وإمكانات

وبالنسبة للمناطق الحرة أكد د. سامر خليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية لـ»تشرين» أنّ الغاية من تقديم الوزارة رؤيتها لإعادة تنظيم عمل المناطق الحرة، والتي وضعتها على طاولة مجلس الوزراء، تقديم نمطٍ استثماريٍ جديدٍ مميزٍ، وتسعى من خلالها لإيجاد مناطق حرة خاصة ومناطق حرة اقتصادية تخصصية وحلّ مشاكل المناطق الحرة القائمة ومشاكل المستثمرين، وتشجيع النشاط الاستثماري الصناعي في المناطق الحرة.
وموضوع المناطق الحرة أمر مهم، ولكن هذه الرؤية تحتاج إمكانات كبيرة مادية واستثمارية وتشبيكاً أو تعاوناً مع الجهات المتشاركة بالعمل مع وزارة الاقتصاد وهذا ما ظهر في مطالبة الوزارة في رؤيتها بتعديل بعض القوانين الجمركية للتوافق مع هذه الرؤية، وحسب مصادر الجمارك هو أمر مستبعد حالياً لأنّ ما طلب تعديله شيء من القانون القديم وآخر من الجديد التي أعدّته الجمارك أيضاً وفق ما يناسب عملها.

المشروعات لا تنهض بتعيين الموظفين

وعن قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة أكد الخليل أنّه كان في الفترة الماضية قطاعاً متوقفاً والآن تتم إعادة الحياة له، وتم إحداث مرصد وطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتمّ الاتفاق مع المكتب الوطني للإحصاء مع بداية العام الجديد لتقديم مسح أو تعداد كامل لكل المشاريع المتوسطة في المناطق الآمنة وستكون قاعدة بيانات مهمة للعمل عليها، وبيّن أنّ الوزارة سعت وتسعى لتسهيل نفاد رواد الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة باتجاه التمويل وهي مسألة حساسة ومهمة وتدرس فرق عمل خاصة آلية تبسيط إجراء تراخيص المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ما يلفت الانتباه في عمل الهيئة والتي أخذت تسميتها الجديدة في عام 2016 أنّها إلى الآن لم تُفعّل عملها ولم تستفد طوال الفترة السابقة من المواءمة بين إجراء الإحصاء التي تصبو إليه في عام 2018 وبين تعويض النقص في كادرها البشري التي تعاني منه حسب إدارة الهيئة والتي أجرت المسابقات لهذا الغرض مؤخراً، ويبدو أنّها متأخرة في أجندة عملها أو أنّها تتعرض لصعوبات لم تحل على النحو الأمثل.
د.عبد السلام زيدان أ. في جامعة دمشق ومدير عدة مشروعات وناشط في مجال التدريب للأعمال الصغيرة والمتوسطة بيّن أنّ قطاع الأعمال الصغيرة مهم جداً وحامل للاقتصاد الوطني ويتسم بالمرونة ليقدم للمجتمع ما يحتاجه، والمشاريع الصغيرة أحد أهم أسباب صمود سورية في هذه الحرب، وما يحتاجه هذا القطاع ليس هيئة أو مؤسسة فقط أو تأطير ضمن قالب حكومي، بل يحتاج إلى اهتمام أكبر من ذلك وصلاحيات كبيرة وخبرات من بيئة العمل وليس فقط موظفين يُعيّنون بمسابقة ويدربون ليقوموا بدورهم بتدريب رواد الاعمال الصغيرة، ويأتي هنا دور الحكومة التي يجب عليها التشبيك بين «مؤسسات الدولة والجامعة والقطاع الخاص» لتفعيله وتقديم الدعم والتدريب العملي لهذه المشروعات وروادها في سوق العمل، ولدينا على الأرض تجارب ناجحة قدمتها الهيئات والمنظمات الدولية خلال ما يمر به بلدنا يمكن الاستفادة منها.

العلاقات الدولية

على مستوى قطاع الأعمال والعلاقات الاقتصادية الدولية حددت الوزارة من خلال نشاطاتها ومجالس وملتقيات رجال الأعمال أهم الدول التي ستعزز العلاقات التجارية والاستثمارية معها في الفترة القادمة، عدا عن العلاقات القائمة مع دول أخرى وطرحت أهم السلع السورية التي سيتم تبادلها، وهي تسعى إلى تفعيل لجان أعمال اللجان المشتركة.

إعادة هيكلة

كما أكد الخليل قيام الوزارة خلال العام بمجموعة من الأعمال على مستوى الوزارة، كإجراء مسابقة لرفد الوزارة بالكادر البشري اللازم من خلال مسابقتين أجرتهما، والمرسوم الذي يتمّ عرضه على اللجنة الاقتصادية لتحديد المهام الحالية لوزارة الاقتصاد والقادمة وإعادة هيكلة الوزارة أصبحت بمراحلها الأخيرة، كما تعمل على إنجاز ربط شبكي لها مع وزارة المالية والمصرف المركزي والجمارك وقد بدئ العمل في هذا الاتجاه بالفعل، وهنا تجب الإشارة لوزارة الاقتصاد بأنّ بعض الجهات التي أشارت إلى التشبيك معها قرارتها لا تنفذ في المصارف العامة ومكاتب الحوالات أو تحدث أخطاء في آلية تنفيذها.