|
|
|
|
أن يكون البائع فنانا فهذا يرتقي بالمهنة ويقدم الخدمات للفنانين.. يوسف السيسي نموذجا |
لم يكن صاحب محل الآلات الموسيقية في سوق الصالحية الدمشقي مجرد بائع عادي يسعى وراء الربح المادي بل هو فنان درس الموسيقا وعزف مع العديد من الفرق المصرية ولديه خبرة واسعة بآلات الموسيقية فضلا عن أنه يصمم وينفذ ويصنع بعض هذه الآلات وقطع الاكسسوار اللازمة لها.
ويحكي الفنان الشاب يوسف السيسي في مقابلة مع سانا عن بداياته في العام ألفين عندما كان محله صغيرا ويقتصر على بيع الدربكات المشغولة بالصدف والتي كان يحضرها من مصر.. وشيئا فشيئا صار العازفون وطلاب الموسيقا يوصونه باحضار آلات موسيقية خلال سفراته ما لفت نظره إلى أن بلدنا يفتقر إلى آلات الايقاع الغربية فكان أول من أدخلها الى سورية لقناعته بأن الايقاع هو أساس الموسيقا الذي يحمل الوزن ويمسك الأغنية.
وقال انه منذ العام 2001 كرس اهتمامه بضرورة أن تصبح الآلات الايقاعية متوفرة للراغبين في سورية كالبيركاشن والكونغا والتنبالس والروتو والأفريكانو وآلات الايقاع اللاتينية إضافة إلى الآلات الايقاعية الشرقية كالرق والدف والدربكة.. فعمل على استيراد بعضها وتصنيع بعضها الاخر حتى صار بامكانه تصدير منتجاته إلى مختلف دول العالم.
وأضاف السيسي المولود في دمشق عام 1977 انه يعمل باستمتاع ويتفنن بطريقة عرض الآلات في محله وخصوصا أنه بالأصل فنان ومحله متعلق بالموسيقا والفن.. وهو لا يفكر بالتجارة قدر ما يفكر بخدمة الموسيقيين هواة او محترفين او طلابا بخلاف المحلات الاخرى التي يديرها تجار لا يهمهم سوى الربح.
ويطمح أن يحضر المزيد من الآلات لكي يستفيد منها الجميع فاهتمامه أكبر من أن يتاجر ويربح.. وعندما اشتري قطعة بعشرات آلاف الليرات وأضعها في المحل على امل ان ياتي بالصدفة من يشتريها فهي مغامرة مني تشعرني بالمتعة لكون الزبون حصل على قطعة نادرة لن يجدها في أي محل اخر.. فأنا أغامر وأستورد ماركات عالمية ولا أبالغ اذا قلت أن أحد العازفين المعروفين دمعت عيناه عندما رأى مجموعة البركاشن آلات الايقاع وقد أصبحت متوفرة لدينا في سورية مثلا الستيكات وهي العيدان التي يتم الضرب بها على الدرامز توجد في المحلات الاخرى بقياس واحد ولا يعنيهم اذا كانت ثقيلة الوزن ومتعبة لليد الضعيفة فعملت على استيراد ستيكات تناسب كل الأيدي صغيرة أو كبيرة.. قوية أو ضعيفة فيد الانثى ليست كيد الاجل.. ومن هنا أهتم بالتفاصيل التي تناسب كل شخص.
وبرأي السيسي فان ادخال هذه الآلات إلى سورية ساهم بنسبة كبيرة في تطوير قدرات العازفين وتوسيع خيالهم وفتح افاق جديدة أمامهم من خلال اطلاعهم على ثقافات الشعوب ما ساعدهم على النجاح مشيرا إلى أن زبائنه هم من نوع خاص ولديهم وعي وادراك لأهمية القطعة ومعظمهم من المحترفين وخصوصا خريجي المعهد العالي للموسيقا فهم عندما يدخلون المحل يفهمون القيمة الفنية للقطع الموجودة فيه ويفرقون بين القطع التجارية الموجودة في السوق وبين القطع المدروسة الموجودة لديه.
ونجح صاحب محل ميوزيك ستيج في تطوير آلة الرق وهي آلة ايقاع شرقية شائعة في الوطن العربي كانت تصنع من جلد السمك أو جلد الماعز ولكن تأمين مثل هذه الجلود أصبح صعبا ونادرا في الوقت الحالي كما انها غالية الثمن ان وجدت فوضع لها السيسي جلدة عملية من نوع خاص تعطي الصوت المطلوب.. كما يقوم بتصنيع الساغات الخاصة بالرق تصنيعا يدويا في ورشته الصغيرة الملاصقة للمحل اذ يقوم العامل بدق الشريط النحاسي ثم نأخذ منه ما نريد على شكل دوائر بواسطة المكبس ونراعي السماكة لأنها تلعب دورا في جودة الصوت ثم أقوم بالتعامل مع كل قطعة على حدة لكي تصبح أطرافها الحادة ناعمة الملمس ولا تؤذي يد العازف.. وتدخلت حتى في الطلاء الذي اختار لونه واختار نوعيته ثم أقوم بعملية البخ فصار لأول مرة عندنا رق أبيض أو أحمر أو بني أو كحلي أو تركواز.. بعد أن كان يقتصر على اللون الكلاسيكي.. حتى اني أدخلت الستراس على عدد من آلات الرق فلاقت اعجابا من العازفين.
وينتج السيسي نحو مئتي رق كل ثلاثة أشهر وكل رق يحتاج إلى عشرين قطعة من الساغات.. وهذه الآلات ستكون صالحة للاستعمال بعد مرور عشرات السنين لأنها مصنعة يدويا بطريقة حرفية وبكل تواضع يقول إن احدى الشركات الكندية التي يتعامل معها حاولت تصنيع الساغات ففشلت فضلا عن أن تصنيعها سيكون بكلفة كبيرة تعادل سبعة أضعاف سعرها الذي يبيع فيه.
والمثير أن السيسي أقام في محله ورشة عمل عام 2008 جمع فيها نحو مئة عازف ممن يتعامل معهم كطلاب وهواة وزبائن وأصدقاء وشرح لهم كيف صنع جلدة بلون جلد السمك وتعطي صوت رنة جلد السمك ممكن تركيبها على الرق والدربكة وكيف صارت مطلوبة من كل الوطن العربي بكميات كبيرة.
وأضاف البائع الفنان أنه الوحيد في سورية الذي يصنع حقائب بجودة عالية تتناسب مع أشكال كل الآلات الموسيقية ماعدا الغيتار وذلك في ورشات خاصة به بعد أن يصممها بأشكال جميلة ويبيعها بأسعار منافسة وهذه الحقائب تحمل شعار المحل الخاص به ويتم تصديرها إلى مصر ومن هناك إلى دول عديدة في العالم كالمكسيك واليابان والبرتغال وأميركا واضطر إلى اتباع هذه الطريقة في التصدير بسبب مقاطعة المنتجات والشركات السورية.
وفي اطار تخديم كل ما يتعلق بالايقاع لراحة العازف اخترع السيسي ما سماه براكتيس طبلة تكتم صوت الطبلة إلى حد ما لأغراض التدريب اذ ألبس الطبلة نوعا من القماش الصناعي منعا للازعاج وصارت هذه القطعة معتمدة في المدارس والمعاهد الموسيقية في اميركا بعد أن أدخلها الى هناك فنان سوري عالمي اسمه عصام حوشان بالإضافة إلى مجموعة آلات وأدوات من تصميم السيسي.
ولدى سورية وفق السيسي آلات موسيقية متطورة لا توجد في أي دولة عربية فالآلات الموجودة في دار الأوبرا السورية وفي المعهد العالي للموسيقا لا نجدها في أي دولة عربية اخرى من حيث النوعية وهو واثق من كلامه لكونه عمل مع فرق مصرية وفنانين مصريين.. حتى الفول هارموني الذي لا يوجد سوى في بريطانيا نجده في سورية ما يجعل الفنانين الأجانب يستغربون كيف يكون في سورية هذا المستوى الفني ويستغربون ان الناس بسورية يقتنون الآلات التي تتعلق بنوع من الفن الراقي.
فسورية قبل الأزمة كانت قطعت أشواطا في كل المجالات وصار لدى الناس وعي كبير في مجال الموسيقا ومعظم الأهالي بدؤوا يهتمون بتنمية مواهب اطفالهم الموسيقية وأنا شخصيا أشجع أولادي على تعلم الموسيقا رغم أن أعمارهم صغيرة بين 4 و6 سنوات وهم حاليا يتعلمون العزف على الة الفلوت وعلى الدرامز بمعهد أوتار في المزرعة.
وحول تأثير الأزمة على عمله قال إن المبيعات تراجعت في العامين الماضيين بسبب فقدان وصعوبة تأمين الآلات ولكن حركة البيع والعمل في الورشة بدأا بالتحسن في الأشهر الأخيرة بعد فترة جمود وخصوصا بالنسبة لآلة الرق.
وردا على سؤال حول موقع المحل وتأثير المبيعات عليه يقول السيسي.. لكون المحل يقع في اخر دخلة ضيقة فهذا يثير فضول الزبون أكثر من محل واضح على الشارع الرئيسي.. ويجعله يشعر بمتعة الاكتشاف.. ولو كان في موقع ظاهر لزادت مبيعاته أكثر الا أنه سيفقد سحره.
ولا تتوقف ابداعات السيسي عند حد فقد عمل قبل سنوات جيبا طولانيا خاصا لوضع ستيكات الطبل ووزع أربعة آلاف قطعة مجانا على الكشافة في المحافظات السورية بالإضافة إلى مناشف وفناجين تحمل شعار المحل الخاص مشيرا ان اللوغو اعطى هوية للمحل وسيكون ابنه من بعده أو أي شخص اخر سيدير المحل معنيا بهذا الشعار.
|
sana |
|
الإثنين 2014-03-10 | 12:06:34 |
|
|
|
|
|
|
|