عرفت ديار الشام ـ سورية الطبيعية ـ عدداً طيباً من الفنانين الشعبيين الذين كرسوا فن المونولوج للأغراض السياسية، ووقفوا في جلّ ما نظموه وغنوه، ضد الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي، وضد السياسيين والمتآمرين المتعاونين مع الاستعمارين المذكورين. أبرز هؤلاء الفنانين: سلامة الأغواني في سورية.
ازدهر المونولوج السياسي والاجتماعي في القطر منذ أوائل الثلاثينيات بفضل الشاعر الشعبي "سلامة الأغواني" الذي نظم وغنى في كل أغراضه، وتمكن خلال فترة قصيرة من التأثير على الجماهير التي كانت تتلقف وتحفظ كل ما يغني وينظم لأنه استطاع التعبير عن عواطف الناس ومشاعرهم وعدائهم للمستعمر.
عمل سلامة الأغواني في بداية حياته سائقاً على خط دمشق ـ بيروت ودمشق ـ الزبداني قبل أن يغدو موظفاً خبيراً لدى وزارة الأشغال العامة.
وسلامة الأغواني الذي لم يهادن الاستعمار الفرنسي يوماً واحداً غنى مونولوجه الشهير "يا جراد" ثم مونولوج "الجلاء" في أفراح وأعياد الجلاء، وهو بعد جلاء المستعمر لم يتوقف عن العطاء، بل تابع رسالته الفنية من خلال مونولوجاته الانتقادية والسياسية للعهد الوطني بعفوية نادرة فغنى مونولوج "شو سبب غلا هالأسعار" الذي انتقد فيه الوضع الاقتصادي ومونولوج "كيف ما مشيت" ومونولوج "المال" و"كذابين" التي انتقد فيها رجال السياسة وأصحاب الأموال، وغنى للعمال في عيد الأول من أيار مونولوج "ذكرى أيار" وللجيش العربي السوري مونولوج "أخي الجندي" وللجيش الشعبي مونولوج "الجيش الشعبي" ومونولوج آخر حيا فيه العمال وأمهات الجنود بعنوان "للعمال وأم الجندي" وعندما قامت الوحدة بين سورية ومصر غنى ابتهاجاً بالحدث الكبير مونولوجه الجميل "عيد الوحدة" ثم "ذكرى الوحدة" كذلك هزته ثورة العراق عام 1958 التي حادت عن طريق الوحدة، عندما استأثر "عبد الكريم قاسم" بالحكم، فهجاه بمونولوجه الشهير "مخطيء يا عبد الكريم" وتوجه للشعب بالعديد من مونولوجاته التي حثهم فيها على اتباع النظام فغنى مونولوج "اللي بتحب النظام". وعندما اندلعت ثورة آذار، غدا سلامة الأغواني صوتاً من أصوات الثورة فغنى عدداً كبيراً من مونولوجاته تأييداً للثورة منها: "نحن اليوم بعهد جديد" "يا ثورتنا الثورة" "الثورة خلقت حرية" "أحرار" وغيرها كثير، وقد خص الفلاحين بعد القرارات الاشتراكية التي نصت على توزيع الأراضي على الفلاحين بمونولوج "نداء للفلاحين" الجميل، وعندما تطاول المذيع "أحمد سعيد" على ثورة الثامن من آذار هجاه بمونولوجه الشهير "اسمع يا أحمد سعيد" كذلك لم ينج "الحبيب بورقيبه" من عقر لسانه عندما طالب العرب بالصلح والانفتاح على العصابات الصهيونية فهجاه بمونولوج "يركب أبو رقيبه جني"، وعندما زار وفد كبير من المغتربين العرب وطنهم الأم، غنى لهم ابتهاجاً مونولوج "مين قال عنكم مغتربين" والقائمة تكاد لا تنتهي، وهو في صراع دائم مع الأحداث في الوطن العربي، فكلما بزغ أمل هنا أو هناك انبرى الأغواني إلى نظم مونولوجاته التي كانت تجد طريقها سريعاً إلى الجماهير، فغنى ضد الرجعية العربية مونولوج "كذابين" ومونولوج "ما في شي مستحيل" وعن الثورة في مسقط مونولوج "يا عمان" وللبنان مونولوج "يا لبنان نحنا أخوان" وغيرها كثير.
وأمام هذا الدفق من مونولوجاته الانتقادية والسياسية اللاهبة والتقدمية، كرمته الثورة عندما اختارته نائباً ليمثل الفنانين في مجلس الشعب، فكان هذا التكريم تكريماً للفنانين والشعب الذي ردد مونولوجاته على مدى أكثر من ثلاثين عاماً.
اعتزل سلامة الأغواني الفن وأخذ يلازم الاستديو الإذاعي الصغير الذي أسسه منذ العام 1970، وكان ينصرف فيه إلى تنقية أعماله الفنية الأولى التي سجلها بصوته على اسطوانات شركتي بيضا فون وسودوا الوطنية، بتسجيلها ثانية على أشرطة إذاعية. ويحتفظ ابنه "روحي الأغواني" بمعظم إنتاجه، كما تحتفظ ابنته هي الأخرى بنسخ أصلية لبعض أغانيه.
توفى سلامة الأغواني في السادس من آب عام 1982 عن عمر يناهز الواحدة والسبعين، دون أن يترك لورثته ثروة ما، إلا أنه ترك لهم ما هو خير وأبقى... ترك تلك الأمجاد التي خلدها بمونولوجاته الشعبية التي تنضح بالوطنية والنقد الاجتماعي، والتي يزيد عددها على المئتي مونولوج