بين مؤيدٍ لقرار الحكومة المفاجئ بنقل معامل القابون إلى منطقة عدرا الصناعية ومخالف لهذه الخطوة، بداعي تأثيرها السلبي على الصناعة، أثارت خلال الأيام الماضية ضجة كبيرة، وخاصة بعد رفض صناعيي القابون التوجه الجديد، الذي سبقه قبل أشهر قليلة دعوتهم لإعادة الترميم، وهو ماكان عبر المسارعة إلى تجهيز معاملهم، لتأتيهم المفاجأة من حيث لا يتوقعون بعد دفعهم ملايين الليرات لتأهيل مصانعهم، فما أسباب هذا التغير السريع؟ وهل الأجدى فعلياً نقل المعامل إلى منطقة صناعية منظمة بدل العشوائية في توزيع المعامل؟ أم الأفضل الإبقاء على الحال ذاته أقله ريثما تقوى شوكة الصناعة المحلية؟ وإذا كانت الحكومة راغبة في تسريع الإنتاج، فلماذا تهدم منشآت صناعية قائمة وخاصة أن عملية النقل ستؤخر إطلاق العملية الإنتاجية وخاصة مع رفض أغلبية الصناعيين هدم معاملهم، الذي اعتبروه مدمراً للصناعة المحلية، ويعطي رسائل سلبية للصناعيين في الداخل والخارج تحول دون عودتهم إلى العمل مجدداً؟
مليارات صرفت
يظهر على وجه صناعيي القابون أثناء زيارة المنطقة الصناعية علائم التعب والخوف على ضياع منشآتهم وخاصة بعدما أخذوا الضوء الأخضر بترميمها من الحكومة، فالمنطقة لا تبدو متعرضة لدمار كبير، فالمعامل قائمة ويمكن إعادة تأهيلها بمبالغ معينة يدفعها الصناعي من جيبه وليس على نفقة الحكومة، التي تكفلت بتأهيل البنية التحتية، وفعلاً جرت إزالة الأتربة وتركيب محولات كهربائية، سحبت فور إعلان هدم المنطقة ومن ثم انتقال المعامل إلى عدرا الصناعية، وهنا يستغرب الصناعي محمد الدبش، الذي يعد من أكثر الصناعيين المتضررين بشهادة مسؤولي الحكومة أنفسهم، من اتخاذ هذه الخطوة، وخاصة أنه سارع إلى تأهيل معامله الثلاثة التي دخلت في الخدمة بعد إنفاق ملايين الليرات على تجهيزها، بناء على دعوة الحكومة للصناعيين للعودة وتأهيل معاملهم، فيقول: يشغل معاملي الثلاثة 225 عاملاً بينهم 75 من ذوي الشهداء، وقد تكلفت مبالغ طائلة لتجهيزها منذ فترة قريبة، ورغم تضرري الكبير لكن المشكلة ليست شخصية وإنما تخص 850 منشأة مهددة بالهدم وصناعييها بالتشرد، علماً أن أغلب الصناعات تعد معمرة وتشغل ورشات صغيرة يتجاوز عددها الآلاف، وهذه ستنتهي بصورة كلية وسيشرد أصحابها.
تجارب سيئة
ولفت إلى أن الغاية من الهدم تحويل المنطقة إلى تجارية حديثة لكن تجارب محافظة دمشق مع المخططات التنظيمية لا تبشر بالخير، بدليل واقع تنفيذ منطقة الرازي وماروتا ستي، فلماذا لا يباشرون بإنهاء ما بدؤوه قبل البدء في هدم منطقة جديدة لكسب مصداقية وثقة الصناعيين؟ مشيراً إلى أن اتخاذ هذا القرار سيؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة بالصناعة، التي يفترض تقديم التسهيلات للصناعيين للإسراع في تشغيل معاملهم وليس هدمها، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية ليست لدى الجهات الحكومية وإنما لدى غرفة صناعة دمشق التي قبلت منذ البداية هذا الطرح، فلو أنها مانعت لما حصل ما حصل.
تلاعب
عاطف طيفور عضو لجنة غرفة الصناعة المسؤولة عن القابون أكد أن حوالي 80% من الصناعيين باشروا الترميم بعد السماح لهم بتأهيل منشآتهم، علماً أن تكلفة البناء تقع على عاتق الصناعيين وليس الحكومة، التي خصصت 3 مليارات ليرة لتأهيل البنية التحتية، صرفت من المحافظة عبر إزالة جزء كبير من الركام والأتربة، مع تركيب 8 مولدات كهربائية سحبت فور إعلان نبأ الهدم، الذي جاء بناء على تلاعب في تقرير اللجنة المعدة من المحافظة والبلدية فيما يخص تقدير الأضرار، جرى تقديرها بحوالي 75% مع وجود عدد قليل من المعامل القائمة، وهذا الكلام غير دقيق، مؤكداً أن رئيس البلدية فور إصدار الإعلان أنذر كل صناعي يرمم وينتج بإغلاق معمله بالشمع الأحمر، وهذا أمر مخالف أيضاً.
ولفت إلى أن المنطقة منظمة منذ الخمسينيات وأعيد تنظيمها في السبعينيات ولا حاجة لتنظيمها، فهي طابو أخضر وتراخيصها صناعية وإدارية، مطالباً بإلغاء القرار من أساسه وتشكيل لجنة فنية محايدة تعيد تقييم الأضرار.
خطأ كبير
عضو غرفة صناعة دمشق وريفها الصناعي أيمن مولوي الذي يملك معملاً في المنطقة أيضاً أكد أن قرار محافظة دمشق بهدم معامل القابون بغية تحويل المنطقة إلى سكنية وتجارية يعتبر خطأ كبير يفترض تصحيحه، وخاصة في ظل وجود معامل تحتاج إلى أقل من شهر لتقلع مجدداً وتباشر بالإنتاج، وسبق لرئيس مجلس الوزراء أن زار المنطقة وطلب من الصناعيين الإسراع بترميم منشآتهم والعودة إلى الإنتاج بأقصى سرعة والعديد منهم رمم منشأته وأنفق الملايين على ذلك، وبعضهم بدأ بالإنتاج فعلياً، مشيراً إلى أن تجربة محافظة دمشق مع المخططات التنظيمية سيئة نوعاً ما، فهي «شاطرة» برسم المخططات فقط ثم تنساها 30 عاماً من دون تنفيذها، والتجارب حاضرة وشاهدة، كتنظيم شاغور بساتين وغيره وماروتا سيتي حتى الآن مازالت الأعمال فيها بسيطة جداً، لذا من الأجدى إبقاء هذه المنطقة على وضعها كمنطقة صناعية ضرورية للصناعات التي تخدم مدينة دمشق مع إضفاء تحسينات لتجميل مدخل مدينة دمشق.
دمشق ليست صناعية!
قرار تحويل منطقة القابون إلى منطقة تجارية بعد هدم معاملها اعترض عليه اتحاد الغرف الصناعية والتجارية مع إدلاء كل جهة بدلوها، في وقت تصر الجهات المعنية على رأيها بناء على ما أكده فيصل سرور عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، الذي أكد أن منطقة القابون خاضعة للتنظيم، ومدينة دمشق ليست مدينة صناعية، لذا لن يقبل بعد اليوم بإبقائها على هذا الوضع، مشيراً إلى أن أحد أسباب اتخاذ هذا القرار تأخر الصناعيين بترميم منشآتهم بعد السماح لهم بذلك.
تسهيلات ولا تلاعب
ورداً على ما يقوله الصناعيون بحصول عملية تلاعب في تقييم الأضرار، التي أكد أنها موثقة بالوثائق والصور، لذا ما يقال بعيد كلياً عن الواقع، فقد قسمت منطقة القابون إلى منطقتين «أ» جانب معمل كراش ونسبة الدمار قاربت 90% والمنطقة «ب» جانب الشركة العامة للكهرباء ونسبة الدمار قاربت 50%، لافتاً إلى الحكومة قدمت تسهيلات للصناعيين عبر إطلاق قروض بفوائد ميسرة بنسبة 6% أي أقل من الفائدة القانونية، مع تخصيص مباشر بحيث يحصل كل صناعي يهدم معمله في القابون على مقابل له في عدرا، مع الحفاظ على ملكية معمله.
وعن خسارة الصناعيين بعد السماح لهم بالترميم ثم العودة عن ذلك بقرار الهدم والترحيل، أكد قلة عدد الصناعيين الذين عادوا إلى منشآتهم وتم ترميمها، فمن أصل ألف معمل عاد 3 فقط وباشروا بالترميم، رافضاً فكرة أن نقل المعامل في عدرا يستلزم وقتاً طويلاً، حيث يستلزم إقامة مقاسم في تلك المنطقة التي تعد من أهم المناطق الصناعية في سورية ستة أشهر فقط بينما ترميم معامل القابون تستلزم عاماً تقريباً، فالبناء أسرع من الترميم حسب رأيه.
وعن أسباب تيقظ المحافظة فجأة أن مدينة دمشق لن تكون صناعية، أكد أن الأمر يعمل عليه منذ زمن، والمخططات التنظيمية جاهزة لمنطقة القابون وجوبر وبرزة لكن الأزمة كانت سبباً في التأخر في تنفيذها.
حفظ حقوق
وعن تحويل المنطقة إلى تجارية بناء على مصلحة أحد المستثمرين، أكد أن المنطقة ليست تجارية وإنما تنظيمية مثل كفرسوسة، حيث سيعمد إلى تنظيمها وإضافة بعد التعديلات على المخطط التنظيمي، وهنا نسأله عن البطء في التنفيذ في حال اتخذ قرار الهدم ليرد: طالما حقوق الصناعيين محفوظة وبالسعر الرائج لا مشكلة لديهم إذا حصل تأخير أم لا، مؤكداً عدم التراجع عن القرار، لكن مدينة دمشق لن تكون مدينة صناعية، وسيتم نقل جميع المعامل بما فيها معامل الدولة إلى المنطقة الصناعية في عدرا.
غرق في الاجتماعات!
وللإحاطة بجوانب الموضوع كافة توجهنا إلى وزارة الصناعة للوقوف على رأيها بهذه القضية، عبر لقاء وزير الصناعة، الذي فضل تأجيل الحديث يومين إضافيين لأسباب غير معروفة، مع أنه يفترض أن يكون أول المتحدثين على اعتبار أن الصناعة ومشاكل الصناعيين من أهم أولويات الوزارة، في حين يغرق معاونوه باجتماعات متواصلة منعت لقاءنا بأي منهم.