الإثنين 2012-06-11 20:29:53 |
يحكى أن |
النار في بلاد الشام 1.. وقائع الاستعداد لـ"ساعة الصفر" على حدود لبنان وتركيا |
تشهد سوريا والمنطقة، هذه الأيام، استعدادات لمرحلة يمكن وصفها بالحاسمة. المشهد الدولي، كما الإقليمي، يعكسان حدّة المعركة المقبلة، ليس على سوريا فقط، بل على كل بلاد الشام، ومنها الى بقية الدول العربية والمنطقة. الدول الخليجية تعيش حالة استنفار قصوى جراء تلقيها معلومات عن احتمال تعرضها لهجمات عنيفة في سياق ما يجري الآن في سوريا. مردّ الاستنفار أن حكّام هذه الدول يعرفون ماذا فعلوا وماذا هم فاعلون، ولا سيما بعدما أظهروا أنهم أمام معركة وجودية. فيما التقارير الميدانية، كما الإعلامية، تشير الى ارتفاع ملحوظ في أعداد المقاتلين العرب الذين يفدون من دول الخليج للقتال ضد الحكومة السورية وعلى أراضيها. فيما تركيا تقف وحدها، الآن، لتواجه السؤال الاستراتيجي: هل نتورط في لعبة الدم الشاملة في سوريا ونستعد لدفع الأثمان؟
وحيث تبرز صعوبات كبيرة أمام كل الأطراف لتوقع حل سياسي ما، فإن الجميع لا يحتاج الى وقت طويل ليكشف عن الاستعدادات العملانية المكثفة من أجل جولة جديدة من العنف هدفها تعديل واقع الأرض، ما يسمح بتعديل موازين القوى بغية استخدام ذلك في مفاوضات جديدة مرشحة في وقت لاحق.
مهمة كوفي أنان انتهت. السبب الرئيسي يكمن في أنه لا توافق على دعمها. بل جاء إقرارها فرصة لخصوم الحكم السوري، من معارضة وقوى خارجية، من أجل التقاط الأنفاس بعد الموجة الأخيرة من الجهود الدبلوماسية والمواجهات الميدانية التي انتهت لمصلحة النظام. وقد جهد هؤلاء على خط توحيد قوى المعارضة، وهو أمر بدا صعباً لأسباب كثيرة. فتمت الاستعاضة عنه بالعمل على جعل جميع قوى المعارضة تعمل في سياق واحد. بينما تتولى الجهات الخارجية، من تركيا ودول الخليج الى أوروبا والولايات المتحدة، وإسرائيل أيضاً، العمل على البرامج العملية. ومع فشل محاولات استقطاب مجموعات دبلوماسية أو عسكرية من فريق النظام الى الطرف الآخر، كانت الحملة المقابلة بطرد جميع الدبلوماسيين السوريين، وبتوجيه ضربات أمنية ــــ عسكرية مدروسة لعدد من الضباط في الجيش السوري بغية إشعارهم بالخطر المحدق بهم نتيجة عدم تمردهم على النظام، بالتزامن مع موجة شائعات مكثفة هدفها، كما جرت العادة، إشاعة مناخات من انعدام الثقة والشك، وصولاً الى قرار منع النظام من الرد، ولو إعلامياً، من خلال العمل على منع البث الفضائي لقنوات سورية، وكذلك الاستعداد لتشويش يقصد منه حتى تعطيل البث داخل سوريا.
أمنياً، يجري العمل بسرعة كبيرة على خلق مناطق الدعم المطلوبة للمجموعات السورية المسلحة. الحدود التركية تحولت في الأسابيع الماضية الى ثكن عسكرية ومراكز تدريب. معارضون سوريون يتحدثون عن تولي الضباط الأتراك تدريب مقاتلين سوريين على أسلحة متطورة مضادة للدروع والطائرات، ويتولّون القيام بعمليات ذات طابع إداري لتنسيق عمل المجموعات العسكرية وتدريب بعضها على آليات التواصل الحديثة. بينما رفعت دول خليجية من وتيرة الدعم المالي الى حدود غير مسبوقة، وتمويل عمليات شراء أسلحة متنوعة، أو توفير مداخيل شهرية تؤمن استقطاب المزيد من المقاتلين وتجنيد شباب سوريين يعيشون خارج سوريا مثل تركيا والعراق ولبنان، الى جانب الاستمرار في الحملة الإعلامية المفتوحة حتى إشعار آخر.
أما في لبنان، فقد انتقل العمل من مرحلة توفير المناخ السياسي والشعبي الداعم للمعارضين السوريين، الى مرحلة التحضير العملاني. وهي مرحلة تقدمت خطوات بعد نجاح السعودية من خلال مجموعات سلفية ومناصرين لتيار المستقبل، بينهم موظفون في السلكين المدني والعسكري للدولة اللبنانية، في تنفيذ جزء من خطة وضع اليد على مناطق واسعة من الشمال. ويمكن القول، الآن، إن السعودية نجحت في انتزاع حق الفيتو من خلال أنصارها على أي عمل سياسي أو أمني أو خلافه في مناطق الشمال. وهو فيتو ترجم تقييداً لحركة الجيش اللبناني، ومحاصرة عمله الأمني، وتهديد قيادته بأن مراقبة المعارضين السوريين ستعدّ عملاً عدائياً، وإخضاع قوى الأمن الداخلي لمزيد من النفوذ الذي يترجم بأشكال مختلفة، وصولاً الى جعل القيادات السياسية والاجتماعية تعيش تحت ضغط هذه المجموعات. وترافق ذلك، مع توسيع انتشار المجموعات المسلحة اللبنانية والسورية في مدينة طرابلس نفسها وفي مناطق واسعة من عكار، وفي خلق مناخ متوتر على خلفية مذهبية هدفه تعزيز العصبية في الشارع. .ولو تطلب الأمر معركة واسعة ومفتوحة.
أما في مناطق البقاع الشمالي، فإن الاختبارات العملانية مستمرة، سواء من خلال عمليات نقل العتاد الى جرود بلدة عرسال، حيث تحولت الى قواعد مفتوحة للمقاتلين السوريين ولمن يدعمهم من اللبنانيين، بعد توفير الغطاء السياسي وحتى الأمني. وقد جاءت الإشارة الأبرز في تصريحات رئيس بلدية عرسال، علي الحجيري، الذي دعا أبناء بلدته الى التسلح ومواجهة القوى الأمنية الرسمية، علماً بأن محاضر التحقيق التي أجريت مع موقوفين بتهمة نقل وتهريب أسلحة ومواد متفجرة عبر هذه المنطقة، دلّت على برنامج عمل متطور هناك. كما دلت المضبوطات على وجود خطة من شأنها تدمير قرى بأكملها وأحياء كبيرة في المدن.
في هذه الأثناء، تنشط مجموعات مقاتلة سورية على طول الخط الواصل بين مناطق من ريف دمشق وريف حمص وبين الحدود اللبنانية الشرقية، وتخوض معارك مع الأهالي هناك، تحت عنوان أن انتشاراً عسكرياً لحزب الله يقوم بتوفير عناصر الدعم للجيش السوري، علماً بأن المناطق التي تخضع لنفوذ حزب الله لم تشهد حتى الآن منعاً لنقل جرحى المعارضة السورية عبر هذه النقاط الحدودية الى مستشفيات في مناطق شمالية، وسط ارتفاع منسوب التحريض المذهبي في شريط من القرى المتداخلة داخل الأراضي السورية والتي تشهد تنوعاً طائفياً ومذهبياً بين قاطنيها.
يبدو أن هناك ساعة صفر لدى من بيده أمر هؤلاء. لكن في المقابل، هناك استعداد من جانب النظام لمواجهة حتمية … فما الذي سيحصل؟
|
|