السبت 2012-06-16 19:51:50 ثقافة ومنوعات
الأمة / الخطاب والمنهجية ( 10 ) اقـرأ ..

بقلم: حسن الهلالي سلامة : شاعر وكاتب وإعلامي فلسطيني
على هامش الحلقة (8) من يقود الجنس البشري ..؟!
في الحلقة (8) أدرجت معلومات بالأرقام نقلاً عن مصدر موثوق ، ولم أعلق إلا بأسطر قليلة في نهاية الحلقة .. لكنني أعود هنا لمسألة جهل الأمة ، وتفشي الأمية في الوقت الذي صارت فيه هذه الأمية عند معظم دول العالم مثل الأوبئة القديمة ، السل والجدري ، وتم القضاء عليها ، مازلنا لا نملك ثقافة القراءة ، فما بالك بكيفية القراءة واختيار ما نقرأ ، إلا من رحم ربي ، ولا نملك على أقل تقدير ثقافة الاطلاع على صحيفة يومية ، وأؤكد هنا أن كل أسرة لو اشترت صحيفة لهدف واحد هو وضعها على طاولة الطعام ، بدل النايلون مثلاً ، عند تناول الوجبات أو في الحدائق وقت ممارسة ثقافة الأكل ؛ لاستفاد منها الكبير والصغير بشكل غير مباشر ، وبدرجة مهمة، حتى وإن كان ذلك تطفلاً (!) فإنه مع الوقت واستمرار ثقافة الأكل قد يصبح عادة .. وبحكم عملي في الصحف اليومية لفترة طويلة ، قيل أن إدخال التقنية الجديدة من برامج وكمبيوترات على دورة العمل الصحافي سيشكل نقلة كبيرة تجاه خفض عدد الموظفين واستخدام الورق ، وأن الناس سيتحولون إلى الإعلام المرئي بنفس الدرجة ، وتخيل أصحاب الصحف أن عدد موظفيهم سينخفض إلى النصف على أقل تقدير ..!! لكن الحقيقة غير ذلك تماماً .. بقيت ثقافة قراءة الصحيفة الورقية .. وبقي الموظفون على حالهم .. وتم اختصار الوقت فقط يمعدل ساعة .. لأن إصدار الصحيفة يتطلب التقاط آخر الأخبار المبثوثة عبر الوكالات العالمية إياها ..!! نعم ، الذي يقود الجنس البشري هو الذي يجيد القراءة ..!! لنعد قليلاً إلى حقيقة كونية ، لقد بدأت الديانات بالكلمة .. وبدأت رسالة الإسلام بأمر القراءة ، بشكل جليّ ، وضمن حوار بين جبريل عليه السلام ونبينا الإنسان المصطفي ، بكلمة (اقرأ) .. وهي فعل أمر يحض على القراءة ، كمنهج كبير مختزل في الكلمة الأمر ، وكأنه مفتاح لعوالم المعرفة المترتبة على القراءة .. ثم كان تفسير فعل الأمر بتوضيح كيفية وماهية ونوع القراءة كما ورد في في سورة العلق : ( اقرأ بسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان مالم يعلم ...) هنا نفهم معنى الهدف من القراءة ، ثم الهدف من تعليمنا الكتابة بالقلم .. الكتابة التي قلنا أنها تحفظ ذاكرة الكون الذي نعرف / الزمان والمكان والأحداث ..أين المعضلة في سياق هذا الكلام ... أراها تكمن في تهميش الثقافة وتبسيط المقدم ضمن المناهج إلى حد يجعل الكثيرين من الأجيال في مراحلهم المختلفة لا يملكون معرفة حقيقية حتى عن بلدهم ، وفي هذه الحال يكونون قابلين للتشويش على أفكارهم البسيطة ، ويمكن استدراجهم وجعلهم فريسة سهلة للاستخدام ضد بني جلدتهم وأوطانهم
هل الثقافة الجادة بإلحاق أطفالنا بمدارس أجنبية لمجرد شهرتها ، وتعليمهم اللغات الأجنبية ، ونهجر لغتنا الأم التي هي صلب النص الديني ..؟! هناك أيضاً نقطة مهمة على الصعيد الثقافي السياسي ، تتعلق بأسرار العلاقات ونتائج الممارسات ، وحتى محاسبة بعض الأنظمة على ممارسات خاطئة ، وهناك شواهد كبيرة ومؤثرة على الساحة العربية ، كلها تتعلق بالهزائم العسكرية والفكرية والثقافية والمجتمعية .. الملاحظة الكارثية في هذا الشأن تتعلق تحديداً بالذين يملكون المعرفة ويخفونها عن العامة بهدف تحقيق مصالحهم الشخصية ، أما الوطن فليذهب في (ستين داهية) ومنذ ستين عاماً لم ينخفض عدد الدواهي إلى أقل من ستين ، لأن البعض يصر على حجب المعلومة .. فكيف يمكن أن نتقبل الآن معلومات مرت عليها عقود ..والسؤال المهم : لماذا لم ينطق هؤلاء في الوقت المطلوب ، باعتبار أن تشخيص العلة يسهل العلاج ويخفف وطأة تفاقمها ، مثل هؤلاء يشكلون جزءاً من العلة..مثل هؤلاء يبيعون المعلومات الآن .. كمن يبيع بيته وملابس أهله الراحلين ، وغرف النوم والكراسي ، إلى تاجر الأثاث المستعمل ..مثل هؤلاء ينتظرون مواسم البيع ، حين رواج حركة التجار والسياح ومروجي الإشاعات .. فهم يملكون ، بحكم عملهم السابق أو مواقعهم الحساسة ، الكثير من البضاعة .. لكنهم أساءوا تخزينها وتوقيت عرضها ، فالذين يقولون أنه الربيع العربي ، تنقصهم معرفة أن هناك خريف وشتاء وصيف ، مواسم ليست لها علاقة بترتيبات الناس ، فيها تنكشف الأمور ، يذوب الثلج ويبان المرج ، وفيها تتساقط الأوراق الذابلة لتنمو جديدة ، وفيها تعود لبطون الأودية روح المياه ، وفيها تقتل الحرارة الجراثيم والفيروسات ، وتنضج الفاكهة ..لذلك ، لا نيأس أبداً .. من رحمة الله .. لنقرأ قليلاً ، لنفهم ما نقرأ ..لنصنع ثقافة القراءة ، حتى نكتشف أن هذه الأمة كانت سبـّاقة لبناء الحضارة ، الأخلاقية والمادية على السواء ، والشواهد مازالت تحكي ..

الأجزاء السابقة

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024