كتب أيمن قحف:
في صافيتا دروس ينبغي على الجميع تعلمها؟
كانت مجرد إجازة قضيتها ما بين صافيتا و اللاذقية ،ولكنها علمتني الكثير من الدروس حول ما يجري في بلدي وكيف يمكن التعامل معه؟!
في الطريق من دمشق إلى الساحل بالسيارة لا تجرؤ على رفع قدمك عن دواسة الوقود من البانوراما حتى لافتة "طرطوس ترحب بكم"!
لن تعبأ بتحذيرات الرادارات فالوصول بالسلامة هو الأهم،في صافيتا تشعر أنه كتب لك "عمر جديد"!!!
في الطريق تمر في ذاكرتك مشاهد المدن والبلدات التي كانت تضج بالحياة وفجأة أصبحت "أطلالاً وأثراً من بعد عين"!!
لا أجرؤ أن أزور مدينتي الحبيبة حمص كيلا أرى بعيني مرابع طفولتي وصباي كيف تم تدميرها نتيجة الأحداث،لا أدري من سأعزي ومن سأواسي وكيف سيكون المشهد؟
لا أدري أين سأسهر عندما أزور حمص :في الحميدية وبستان الديوان أم في شارع الملعب البلدي؟
من سأجد من أصحابي وأقربائي ليكون رفيق السهرة؟!
لا أدري كيف أصبحت دوما التي كنت أمر بها أحياناً وأراها تضج بالحياة؟
لا أتخيل منظر مدينة القصير وما حولها من ماء وخضرة وشعب طيب كيف أصبحت اليوم؟
لا أعرف كيف غدت مدينة تلكلخ التي كانت أمي إحدى أميرات حكاياتها،وهي الابنة البكر للفارس الآغا سامي الحسن الدندشي قائد ثورة الدنادشة(تلكلخ) ضد الفرنسيين؟
أعرف أنها وغيرها مدن وقرى كثيرة أصبحت مدمرة كلياً أو جزئياً وهجرها معظم أهاليها بحثاً عن الأمان..
ما بت أعرفه أيضاً بعد هذه الرحلة أن صافيتا وأهلها والمقيمين فيها اليوم هم أكثر من يستحق لقب "مواطن سوري" !!!؟؟؟
قد يعرف السوريون أن صافيتا هي منطقة خضراء جميلة،وقد يعرفون أنها تحظى من السماء بنعمة أعلى معدل أمطار في سورية،وأن أعلى مستوى تفوق تعليمي غالباً ما يكون من صافيتا وما حولها،ولكن يجب أن يعرف السوريون والعالم أجمع أن صافيتا اليوم هي عنوان التعايش والتسامح بين السوريين بشكل يختلف كلياً عما يحصل في حمص وحماة وادلب ودير الزور وريف دمشق وغيرها؟
ما تراه في صافيتا يشكل حالة حضارية على الأطراف في السلطة والمعارضة أن يقفوا احتراماً لمن يعيشون هنا متحدين الصراعات التي تحصل والتي تحرض هنا وهناك السوريين على بعضهم لدرجة أصبح فيها "لا صوت يعلو على صوت الطائفية"؟!
سأتحدث قليلاً وللمرة الأولى بألفاظ طائفية فقط كي أشرح ما يحصل في صافيتا وريفها!
صافيتا هي أكبر مناطق محافظة طرطوس ويعد سكانها مع ريفها بمئات الآلاف،جميع سكانها من المسلمين العلويين والمسيحيين،حيث لا يوجد أي قرية أو تجمع لطائفة أخرى!!
صافيتا لا تحظى بما تستحق من التنمية لذلك يعيش بعض أبنائها في العاصمة وغيرها،ونسبة لا بأس بها اختارت الجيش والقوى الأمنية لكسب العيش..
صافيتا لم تدخل خضم الأحداث الأمنية والتظاهرات رغم أن فيها تيارات سياسية وفكرية عديدة بعضها موال للسلطة القائمة وبعضها معارض وبعضها لا يهتم سوى بلقمة عيشه..
بسبب الأمان فيها أصبحت صافيتا قبلة "الهاربين"من أجواء القتل والخطف والدمار...
لجأ إليها الآلاف من أهالي حمص وحماة وادلب،بعضهم استأجر بيوتاً و محلات وبعضهم اشترى وتوزعوا على المدينة وريفها وبعضهم -ممن لديه المال- صار ضيفاً دائماً في فندق صافيتا الشام الذي ساعد بطريقته عبر أسعار وخدمات غير مسبوقة تقديراً لظروف ضيوفه...
احتضنهم أهالي صافيتا الرائعون بكل محبة وأخوية وقدروا ظروفهم،حتى أن أحد أهالي صافيتا روى لي أن سيدة وأطفالها لجأت مع حاجيات بيتها إلى صافيتا ليلاً دون أن يكون لها مأوى فأمن لها السكان بيتاً بنفس اليوم دون أن يسألوها حتى عن الأجرة؟!
الأمر المدهش أن صافيتا تستقبل في كل يوم شهداء من خيرة شبانها استشهدوا على يد المسلحين المعارضين في نفس المناطق التي يأتي منها ضيوف صافيتا؟!!!
لا أحد يدرك معنى أن تتسامى صافيتا عن الأحقاد لتفرق ما بين حسن استقبال عائلات شردتها الظروف ،وبعض أقاربها أو أبناء مناطقها تلوثت أيديهم بدماء أبناء صافيتا؟!
لا أحد يستطيع تفسير وجود مخطوفين من أبناء صافيتا في تلك المدن والبلدات التي جاء بعض أهاليها طلباً للأمان لهم ولأطفالهم في صافيتا وريفها فلا يلقون إلا حسن الاستقبال؟!
لا أحد يستطيع إدراك معنى أن تفتح صافيتا وأبناؤها بيوتهم وقلوبهم لأهالي ادلب وحماة وحمص في وقت هدرت فيه دماء العلويين والمسيحيين في تلك المناطق؟!
أهالي صافيتا يستقبلون أبناء الطائفة السنية الكرام الأبرياء الذين خسروا منازلهم ومصادر رزقهم بسبب الأحداث،هم ضحايا تسليح المعارضة والعصابات المسلحة و ربما رعونة بعض الأجهزة الأمنية التي لم تجهد نفسها عناء التمييز بين المسلحين والأبرياء،ولم تستطع حماية من سلبوا إرادتهم تحت تهديد السلاح فغدوا رهائن بمظهر "معارضين"؟!
شهداء صافيتا وشهداء المدنيين في تلك المناطق تتعانق أرواحهم بمحبة وسلام آملين أن تكون شهادتهم عربون سلام لهذا الوطن ،هؤلاء سقطوا ضحية طموح سلطوي وتعنت مريض هنا أو هناك ضد أي حوار أو حل سلمي !
صافيتا تعلم الجميع اليوم أن سورية ستنتصر على الطائفية والتفرقة،ستتسامى فوق الجراح والأحقاد..
هل سيتأمل أهل القرار في السلطة والمعارضة قليلاً في هذا المشهد؟
مشهد صافيتا الرائعة حيث لا يسمح أهلها حتى للشباب الطائشين الذين تأخذهم نزعات تحريضية بسبب كثرة الشهداء فيها من أن يزعجوا أي وافد إليها؟!
هل يمكن أن تلهم صافيتا"أولي الحل والربط "في السلطة والمعارضة،في الداخل والخارج أنه ثمة حلول للمشكلات لا تتضمن هدر الدماء وتدمير المدن والممتلكات؟
تحية لأهالي صافيتا العظماء-وهم لا يدرون عظمة ما يقومون به- لأنها طبيعته الطيبة المسالمة..
تحية لأبناء حمص وحماة وادلب الذين عرفوا أن لديهم أخوة لجؤوا إليهم فاستضافوهم وتصرفوا بأخلاقهم المعروفة فلاقوا الترحيب والأمان ،ولم يحاولوا هم أن يخربوا جو الأمان ولم يحاولوا "الانتقام" على خلفيات طائفية مشبوهة..
سأخبركم أمراً:اليوم وجدت أن وطني سورية يسكن في صافيتا ..
صافيتا اليوم تشمخ في الوطنية كما برجها العالي العتيق..
وكم أتمنى على الزملاء الإعلاميين ،و على وزير الإعلام شخصياً أن يشاهدوا ما شاهدته وينقلوه بأمانة ..لأنه يصلح أن يكون صورة بداية حل لمأساة وطن يبحث عن بارقة أمل!