السبت 2014-01-11 03:35:26 |
صحافة وإعلام |
طبخة الحصى .. مرة أخرى |
علي قاسم
تستنفر الدبلوماسية الغربية أدواتها، وتستجمع جحافل ضغطها، وهي تولم في طبخة جمعت فيها الحصى المتنافرة، التي لم تتمكن من إنضاجها رغم الحرائق الثابتة والمتنقلة التي أشعلتها، ورغم المواقد التي أقامتها في غير مكان وعلى أكثر من صعيد،
وتقدّم فيها خلطة عجيبة تعرف مسبقاً أنها لا تصلح، وقد سبق لها أن جربتها في الماضي فكانت استنساخاً مشوهاً وتقليداًَ منبوذاً.
من محاولة جمع المرتزقة وصولاً إلى البحث في النقاط التي تجمع خلفها متاريس من المنتفعين على موائد الغرب وأدواته الإقليمية، وصولاً إلى المتسلقين على موجات المناخ الدولي بتقلباته وتناقض المعادلات في حساباته، وانتهاء بعملية تعويم التنظيمات الإرهابية، ترمي الدوائر الغربية بشباكها لتلتقط ما يمكن ان يعوّض حالة الإفلاس القائمة، أوعلى أمل أن تقدم وجبة سياسية قد تصلح لمائدة جنيف.
ورغم تعثر الغرب قبل غيره في هضم تلك الخلطة، فإنه يصرّ على النفخ في موقد يتناثر رماده في كل الاتجاهات، دون أن يقدر على جمع البقايا ولا أن يلملم ما تناثر في غربها وشرقها، ولا يكاد يرضي طرفاً حتى تعاجله أطراف بالانسحاب والانشقاق.
ما يزيد الطين بلّة أن الأمر ذاته ينسحب على الطباخين الذين يتزاحمون اليوم على تزعم الصدارة في إيقاد المزيد من الحرائق، وآخرهم وزير الخارجية الفرنسي الذي يحاجج منافسيه في إشعالها بأن دعوته إلى التسليح كانت صحيحة، فيما لم يستمع إليه الآخرون في حينها، وتتناغم معه مملكة الإرهاب على النسق ذاته حين أطربت الهزاز السعودي منذ زمن بعيد واعتبرها فكرة ممتازة.
ما يلفت أن طبخة اليوم هي ذاتها التي كانت بالأمس، ورغم العجز عن إنضاجها في ذلك الحين مع كل ما توفر من الوقت -وربما كانت الظروف أكثر ملائمة- فإن العودة إلى جمع الخلطة ذاتها تثير أكثر من سؤال، بل ترسم عشرات إشارات الاستفهام على المنحى الذي تتخذه، خصوصاً حين تكون مصحوبة بكل هذا الاستنفار والحشد في اختبار اللحظات الأخيرة.
بين خلطة الأمس واليوم لا يبدو الفارق كبيراً ولا المعطى القائم مختلفاً، لكن الإضافات العملية كانت في عملية التعويم بين التنظيمات الإرهابية، وهي ربما كانت بيضة القبان في طبخة اليوم التي تستعر نار حماتها وموقديها على قاعدة أنها ورقة الرهان الأخيرة، قبل أن تحط الرحال في جنيف كاشفة عن الوجه الحقيقي الذي طالما بددت فكرة الحضور إلى قاعاته الأقنعة المزيفة والادعاءات الفارغة والشعارات الزائفة.
لسنا بوارد المسارعة إلى الحكم على طبخة الحصى التي تعد على عجل في العواصم الغربية بعد أن فشلت في انضاجها فنادق اسطنبول على اتساعها ورحابة صدرها في استقبال الإرهابيين القادمين من أصقاع العالم، لكن ما فشلت به أجندات الإرهاب المتنقل في اسطنبول لن يكون بمتسع باريس أن تضيف إليه الكثير رغم ما تحشده، وما تستنفره من خلطات موازية أو مشابهة وحتى في بعضها مطابقة.
في عملية التعويم تحاول واشنطن أن تسوّق الخلطة العجائبية التي لم يسبقها إليها أحد، لكنها تدرك -كما غيرها من رعاة الإرهاب- أن المسألة ليست في تدوير الزوايا التي تحار من أين تنظر إليها، ولا في إعادة استخدامها وقد استنفدت أغراضها وانتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد، بل في الدلالة بأن العودة إلى المقاربة ذاتها ليست أكثر من عملية عبثية لا طائل منها.
ما هو مؤكد أن الحل السياسي لا يستوي مع دعم الإرهاب، ومواجهة الأخير لا تستوي مع الأصابع القابضة على زناد أدواته ورعاته وداعميه ومموليه، ومن يتوهّم أن المماحكة في سراديب الألفاظ والمقاربات يمكن أن تُنضج طبخة الحصى فقد وقع في الفخ ذاته.
وإذا كانت الطبخات الماضية قد تكسرت نصال الغدر فيها مراراً وتكراراً، وأحرقت أصابع وشلت أذرعاً، فإن طبخة اليوم لن تكتفي بما فعلته وهي تتأهب لحرق ألسنة تتطاول، والإطاحة برؤوس حامية استعجلت واستولدت وفرخت الإرهاب، وحان وقت القطاف الأخير في جموع المرتزقة التي تتنادى اليوم من أجل الإسراع في رحلة العودة إلى الموطن الذي جاءت منه، وقد تزودت بما يكفي لتكون المولود الجديد لرعاة الإرهاب في عقر دارهم وهم ينتظرون طبخة حصى لن تنضج أبداً.
a.ka667@yahoo.com
|
|