الجمعة 2014-03-14 01:46:41 |
صحافة وإعلام |
مشاورات النمسا: توافق سوري وتعطيل إخواني |
طارق عزيزة* قبل أيام شاركتُ في المشاورات التي جرت في قلعة شليينغ بالنمسا من السابع وحتى العاشر من الشهر الجاري، وذلك لدعم الحل السياسي والسعي من أجل إحلال السلام في سوريا. حرص منظمو الفعالية ورعاتها على دعوة شخصيات تنتمي إلى مختلف ألوان الطيف السوري ومكوناته السياسية والاجتماعية على تنوّعها، من المقيمين داخل سوريا وخارجها. تغيّب العديد من المدعوين إلا أنّ اللقاء تميّز بتنوع الآراء وغنى المناقشات نظراً لتنوع انتماءات المشاركين الذين حضروا فعلاً، إذ كان من بينهم منتمون إلى تيارات معارضة من الإسلام السياسي (أحدهم من الإخوان المسلمين إلى جانبه شيخ سلفي) وآخرون معارضون يساريون وعلمانيون، شباب ونساء، أكاديميون وباحثون، إضافة إلى مستقلين، عدا عن كون المشاركين ينحدرون من مختلف بقاع الجغرافيا السورية. وباستثناء بعض من يمثلون أحزاباً أو تياراتٍ بعينها فقد توزعت آراء البقية بين من يميل إلى جانب المعارضة أو النظام، أو من يقف بينهما. بحيث يكاد يمكن القول بأنّ كافّة الأصوات السوريّة كانت حاضرة في اللقاء. ورغم التنوع في مواقف المشاركين والذي يبلغ درجة التناقض فيما بين البعض حيال عدد من القضايا الأساسيّة، غير أنّ الأجواء العامة للمشاورات أعطت انطباعاً قويّاً بوجود رغبة لدى غالبية الحضور للوصول إلى نقاط التقاء وتوافق تصبّ في خدمة فكرة السلام في سوريا، والتي من أجلها جرت تلك المشاورات. يومان من الجلسات الغنية بما شهدته من نقاشات وسجالات وخلافات وتسويات لتقريب وجهات النظر بين الجميع بغية الخروج بموقف موحّد يدعم خيار السلام والتسوية السياسية للأزمة. بل إنني أثناء مداخلتي، وكانت عن تصاعد خطر الجماعات الجهادية الرافضة لأي حل سلمي أو عملية سياسية ودورها في استمرار العنف، أكّدتُ على إمكانية التمييز بين تلك الجماعات على اختلاف تنظيماتها الإرهابية، وبين من يقبل بالحوار ويسعى للتوافق وإن أتى من تيارات الإسلام السياسي، في إشارة إلى روح الانفتاح التي زعم الشيخان التحلّي بها بادئ الأمر. غير أنّ ما جرى فيما بعد وكان مفاجئاً للمراقبين الدوليين الذين واكبوا جلسات المشاورات وللمنظمين كما لمعظم المشاركين، هو فشلُ المجتمعين في التوصّل إلى بيان ختامي، يتوّج أجواء التوافق والانفتاح التي وسمت أجواء المشاورات. إذ بعد ما أبدياه من مرونة نسبية خلال المداخلات والحوارات، فإنّ ممثلَي التيار الإسلامي انقلبا على كل التوافقات التي زعما خلال الجلسات استعدادهما لها، وبدأا بوضع العصي في عجلة البيان الختامي، علماً أنّهما شاركا معاً في صياغة مسودّته التي عادا وانقلبا على كلّ ما ورد فيها من توافقات. ولم تنفع محاولات بقية الأطراف في اقتراح صياغات بديلة لهذه الكلمة أو تلك العبارة من الألفاظ التي تحفّظ عليها الإخوانيّ وشريكه، ليظهر سريعاً أنّ ما يريدانه ليس تعديل الشكل بقدر ما يرميان إلى نسف المضمون وإفراغ البيان من محتواه، وهذا ما لم يستطيعا إخفاءه، فقد أسقط في يدهما بعد كل محاولات اقتراح بدائل ومرادفات لكلمة هنا وحذف أخرى هناك، وأسفرا عن الوجه الحقيقي للمشروع الظلامي الإقصائي الذي يمثلانه. لقد ظهر جليّاً أنّ ثمّة أجندتين لا مجال للتوفيق بينهما: - أجندة سورية: وهذه على تباين وتنوّع خطوطها وأصواتها إلا أنّ التفاهم والتوافق فيما بين مكوّناتها ليس مستحيلاً، وكان هاجس وقف العنف وإحلال السلام يطغى على ما عداه لدى مختلف تلك المكونات.
- أجندة إخوانية/سلفية: وهذه لا تنتمي إلى سوريا وإنما إلى مشروعها الإسلاموي/ الظلامي العابر للحدود. بعض دُعاتها ينفذونها صراحةً دون مواربة، على نحو ما تقوم به القاعدة وتفرعاتها في سوريا كـ"جبهة النصرة" و"داعش" وسواها. والبعض الآخر يدّعون "الاعتدال" و"الانفتاح"، ويطلقون الكلام السياسي المعسول في سبيل تحقيق الهدف الإسلاموي نفسه، ولا أوضح من "الإخوان المسلمين" مثالاً ويرفضون إدانة شركائهم. لبيان ذلك، هذه بعض الأمثلة عن موقف "التيار الإسلامي" من بعض القضايا الأساسيّة وهو ما أدّى إلى الخروج من دون بيان ختامي، مع الإشارة إلى توافق المجتمعين من غير الإسلاميين عليها صراحةً، وادّعاء الإخواني وشريكه السلفي القبول بقسط كبير منها قبل الوصول إلى مناقشة البيان الختامي: رفض الشيخان الإقرار بأنّ الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة، وأمام تمسّكهما بـ"الخيارات الأخرى" وبعد طول جهد ارتضيا بعبارة "الحل الأمثل" عوضاً عن الوحيد. ولم يقبل الرجلان بأيّ شكل إدراج أي عبارة أو إشارة تحيل إلى الديمقراطية أو النظام الديمقراطي، بل وصل الأمر بأحدهما للقول "لما لا نكتب شورى عوضاً عن ديمقراطية". كما رفض الإسلاميّان إدراج بند ينصّ على إيجاد حل للقضيّة الكردية، رغم محاولات الأكراد التوصل معهما إلى عبارات توفيقية. وتمسّك الشيخان بـ "تطبيق الشريعة الإسلامية" في الأحوال الشخصية ورفضا أي نص على "حقوق المرأة" أو "المواطنة المتساوية". علاوة على ذلك رفضا إدانة "الإرهاب" بحجة عدم وجود تعريف له! * كاتب وباحث سوري
|
|