أيمن قحف
في لقائها وفد منظمة العمل الدولية منذ أيام، حرصت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السيدة ريمه قادري على ايصال فكرة- قد لا تبدو ذات علاقة بمهمته المتعلقة بأسوأ أشكال عمالة الأطفال- ولكنها في الحقيقة ذات علاقة بكل شيء في سورية؟!!
قادري قالت بوضوح:"خلال خمس سنوات ونصف من الأزمة تغير الكثير، لكن لم تستطع كل هذه الحرب أن تغير أمرين في شخصية المواطن السوري وكذلك الحكومة السورية وهما(الكرامة والانتاجية)!!..."
بدت الدهشة على وجوه الوفد، وكان لافتاً أن تتحدث الوزيرة بهذا الأمر أمام وفد سينقل بدقة ما تقوله!
الربط بين الانتاجية والكرامة ليس عفوياً ولا اعتباطياً، فكرامة الإنسان هي أثمن ما يملك، وسورية وشعبها بلد ذو كرامة شاء من شاء وأبى من أبى، ولكن الحفاظ على الكرامة يتطلب بالضرورة الحفاظ على الانتاجية، فالحياة الكريمة لها مقومات ومتطلبات لا تتوفر إلا بوجود إنتاج..
لقد صمدت سورية في وجه أزمة تنهار بسبب أقل وأقصر منها امبراطوريات لأنها صاحبة كرامة وحافظت على الانتاجية..
الحكومة تتلمس هذا الطريق جيداً، فتراها تعطي اهتماماً لافتاً للقطاع الانتاجي العام والخاص، وبدأت بتوفير مستلزمات النهوض من تذليل العقبات البيروقراطية لتأمين التمويل وتسهيل بيئة الأعمال الانتاجية و إعادة الحياة للمنشآت المتوقفة وصيانة المتعطل منها وزيادة كفاءة ما هو قائم..
القطبة المخفية ،والتي كان لها الأثر الأعظم في صمود اقتصادنا وبقاء الانتاج،هي القطاع غير المنظم، وما يقوم به الفلاح البسيط والحرفي البسيط وربات البيوت والمنشآت الصغيرة، وهي في معظمها قطاعات بعيدة عن "العين والقلب"!!لا دعم ولا تمويل ولا تنظيم ولا حتى رقابة ،لكنها قدمت الكثير من الانتاج وأمنت العديد من فرص العمل..
أعتقد أن الأولوية اليوم لا بد أن تكون لدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وتنظيم قطاع الظل ،ليس بقصد إرباكه ،بل بقصد مساعدته وتوسيع أفق عمله ونجاحه..
لدينا المؤسسات التمويلية:مصارف عادية ومصارف تمويل صغير وجهات مانحة وغيرها،ولدينا هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي لا بد من تفعيلها و إطلاقها،وربما يكون مكانها الصحيح في نفس مكانها القديم المرتبط بسوق العمل..لدينا المجتمع الأهلي الذي يمكنه لعب دور فعال في تعزيز العمل التنموي وزيادة الانتاجية ونشر ثقافة التنمية بدل المعونة..
على الحكومة أن تعي جيداً أن معظم الانتاجية تأتي من القطاع الخاص الوطني،والنسبة الكبيرة من المنشآت الصغيرة والقطاع غير المنظم،وبالتالي الأمر يحتاج للتفكير بمنطق الأب الذي يحب جميع أولاده وليس فقط القطاع العام الذي لا يمكنه القيام بكل شيء وحده..
إن الحديث عن الكرامة يقتضي حفظ كرامة المستثمر من خلال احترام دوره واعطائه ما يلزم للاستمرار والتوسع. والعامل في القطاعات المختلفة بتحسين دخله ولا سيما بتحسين الانتاجية..
ولعل من الأولويات رفع القيود عن تمويل القطاعات الانتاجية،فالحديث عن قرض تشغيلي بخمس ملايين ليرة أمر يبدو مضحكاً في زمن باتت عشرة آلاف دولار لا تشتري آلة تغليف!!
المصارف لديها المال،والمنتجون لديهم الامكانية والسوق بحاجة كل شيء والقرار بيد الحكومة اليوم لتعزز هذه الثنائية الجميلة:الكرامة والانتاجية..