|
كتب أيمن قحف
هناك تهمةً معلّبةً لطالما واجهتنا بها الحكومات المتعاقبة اسمها : وهن نفسية الأمة ، وهي عقوبةً صريحةً نص عليها قانون العقوبات العام ، بالمادة 286، التي تنص في المادة الأولى على أنه "يستحق العقوبة ذاتها من نقل في سورية في الأحوال عينها، أنباءً يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة".
وهي تُهم موجهة لأصحاب الفكر والأقلام ، ومن ثم تمّ إضافة أي مواطن على وسائل التواصل الاجتماعي ، ولكنها ولله الحمد لم تصب أي مسؤول أو صاحب منصب أو رجل أعمال!!!
وهن نفسية الأمة اختصاص الفقراء ، الأغنياء والمسؤولين يلقون الخطابات الحماسية فيرفعون عزيمة الأمة و قراراتهم وإجراءاتهم السليمة الوطنية تعزز صمود المواطن وتقوي نفسيته وبالتالي نفسية الأمة!!
لا علاقة للمسؤولين والأغنياء بحالات وهن نفسية الأمة ، هم يحاسبون الفقراء عليها فقط!!
ليس هذا موضوعي، لكنها مقدمة ضرورية في محاولةٍ للبحث عن دورٍ للإعلام سلباً أو إيجاباً في الواقع الاقتصادي..؟!
بما أن الإعلام قادر على وهن نفسية الأمة بمقال ، فمن الطبيعي أنه قادر على استنهاض نفسية الأمة بمقالٍ آخر ، بل ويمكنه تحطيم الأداء وتدمير نفسياتهم في عقر دارهم!!
وهذا صحيحٌ في كل مكان إلا في بلدنا !!!
نعم لقد فعل الإعلام الغربي و حلفاؤه في الشرق فعله في تدمير بلادٍ كثيرة ، وبالفعل أوهن نفسية أممٍ كثيرة ليحصل النصر دون حرب ، بل بحربٍ داخلية بين أبناء الوطن الواحد ..
الإعلام السوري ، ضمن تركيبته الحالية ،كان من حيث الدور والتأثير إعلاماً بلا ملامح ؟!
فاكتفى بالنقد الأجوف حيناً وبالخوف من العقاب أحياناً ، واعتمد التحليل الهاوي بغياب المعلومة والمحترفون!!
الإعلام نوعان : حكوميٌّ قوي في الإمكانات والعديد ، ضعيفٌ في التأثير والإبداع والانتشار ..
وإعلامٌ خاصٌ يتراوح بين القوة والانتشار ، والضعف في الإمكانات والكوادر والتسول على أبواب الحكومة والمعلنين فاقداً هيبته !!
بعد مقدمةٍ طويلةٍ يأتي السؤال :
ماذا لإعلامنا الوطني أن يفعل في الملف الاقتصادي ؟
هناك الأدوار التقليدية في الخبر والحوار والتحقيق والتحليل والرأي ، سواءً لعرض المشكلات أو الحلول أو الفرص أو فضح الفساد والتقصير بما استطاع إليه سبيلاً...
ولكن برأيي اليوم يملك الإعلام فرصةً تاريخيةً لتحويل التهمة المزمنة له بأنه (يوهن نفسية الأمة ) إلى قاطرةٍ ترفع نفسية الأمة وتعزز قوتها الاقتصادية؟!!
كيف :
يقول ايرهارد وزير الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية والذي خطط لنهضة ألمانيا : معظم نجاح الاقتصاد يعود لأسباب نفسية..
في سورية اليوم هناك حصارٌ وقلةُ موارد وقلةُ إنتاج وإنتاجية وفوق ذلك هدرٌ وفسادٌ وسوء إدارة واستهلاكٌ غير منطقي سواء على صعيد الأفراد أو المؤسسات ومن جيوب العائلات وتعبها أو من موارد الدولة ..
نحن على ثقة أن الموارد الحالية والمتاحة كافية لنبقى بخير وأمان إلى أن تنجلي غيمة الحرب والحصار ..
دور الإعلام الوطني كبيرٌ في رفع الإحساس بالمسؤولية ، تحويل كل شبرٍ إلى مكان منتج ، تحويل كل قطرة عرق.ٍ لمساهمة في الناتج المحلي ، تخفيف الهدر الذي يعني بالمحصلة موارد نحتاجها في مكان آخر ..
الإعلام يمكنه تغيير ثقافة شعب لو أُدير بكفاءة ومسؤولية وتناغم مع مزاج الشعب وطموحاته وتطلعاته.
الإعلام يجعل العامل ينتج أكثر والعاطل يبحث عن عمل والمسؤول يبدع ويتفوق..
الإعلام يزيد طاقاتنا و يبعد عيوبنا وكسلنا ..
الإعلام هو آخر من يمكنه الحفاظ على منظومة القيم والأخلاق ومعنى الوطن ، هو القادر اليوم أن يخلق الحالة الوطنية بين الحكومة والشعب واستعادة مفهوم المواطنة..
الإعلام ليس تأطير الخبر الرسمي ، والسهر على شكل الشاشة والمذيعات ، والتدقيق في أسماء الضيوف ، وحل مشكلات واسطات المذيعات وذوي النفوذ..
الإعلام ريح تنعش الناس من جهة وتعصف بالفاسدين من جهة ، الإعلام آخر أسلحتنا لنستعيد المواطن الذي ضيعناه على شرفات التواصل الاجتماعي وما دمره في الناس والوطن..
هو آلة عملاقة تحتاج فقط لمن يعرف كيف يديرها...