بقلم : نعمان صاري
من المعروف والمعلن أن المصرف المركزي يعمل على تثبيت سعر صرف العملات الأجنبية من خلال إجراءات عديدة وأهمها تقليص حجم السيولة بالليرة السورية في السوق والدفع باتجاه استعمال القنوات المصرفية ، وبالرغم من الآراء الموضوعية التي ترى أن تلك الإجراءات تعمل على ظهور حالة من الانكماش وقلة الطلب، إلا أن ما سنناقشه هو الإجرائين الأخيرين اللذين رتبهما المصرف المركزي وأولهما حول الشيكات المصدقة المسحوبة لحساب الجمارك وعدم إصدارها للساحب إلا بعد إيداع المبلغ قبل ثلاثة ايام بغض النظر عن ملاءة الحساب المصرفي لطالب الشيك، ثانيهما حصر التعامل مع بعض المؤسسات مثل التبغ والأعلاف وسواها إلا نقدا وعدم قبول التحويلات المصرفية ! . ووجه التناقض في الإجرائين الأخيرين هو شكلي و موضوعي، في الشكل فنحن هنا نحض على التعامل النقدي واستبعاد التحويلات المصرفية عكس ما هو معلن من نشر ثقافة الابتعاد عن التعاملات النقدية ، وفي الموضوع نحن أمام إجراءات ستؤدي عكس الغاية المرجوة والمتمثلة في تضييق الكتلة النقدية للعملة الوطنية خارج النظام المصرفي ، كيف ؟ نوضح الأمر. من يطلب الشيكات المصدقة لصالح الجمارك هم أساسا المخلصون الجمركيون لدفع الرسوم الجمركية المترتبة على التجار والمستوردين، وهؤلاء لن يدفعوا من حسابهم إنما من حساب التاجر والمستورد، وإذا كان هؤلاء الأخيرين غير قادرين على التحويل عبر حساباتهم المصرفية لإن المطلوب نقدا فهم في هذه الحالة سيلجأون بدورهم للتعامل النقدي مع زبائنهم ومشتري منتجاتهم وهكذا عدنا لدوامة الكاش وكأنك يا ابو زيد ما غزيت. الوضع مشابه للمتعاملين مع مؤسسات التبغ والأعلاف وسواها، من اين سيأتي هؤلاء بالسيولة النقدية اللازمة لسداد قيم مدفوعاتهم النقدية لتلك المؤسسات إلا من خلال التعامل النقدي مع زبائنهم طالما لا إمكانية للسداد عبر التحويلات المصرفية لهذه المؤسسات أصلا ! .
عند غزو العراق للكويت ومارافق ذلك من اضطراب وإشاعات ، شهدت المصارف السورية هجمة من مودعي القطع الأجنبي والليرة السورية لسحب مبالغ كبيرة فكان قرار الدكتور العمادي وزير الاقتصاد حينها أن تلبي المصارف طلبات المودعين دون تمنع، في اليوم التالي كانت الحركة معكوسة إذ عاد المودعون ليرجعوا ما سحبوه بالأمس إلى حساباتهم . الثقة هي أساس العمل المصرفي، وبالثقة قبل الإجراءات ندفع الناس لاعتماد النظام المصرفي والابتعاد عن مخاطر التعامل النقدي.