أكدت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح أن إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ” يونسكو” القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يؤكد أن العالم يعترف أننا بناة حضارة مشيرة إلى أن هذا الإنجاز يفتح نوافذ جديدة يتم العمل على توسيع دائرتها.
وقالت مشوح خلال مؤتمر صحفي اليوم: عنصر جديد من عناصر التراث السوري اللامادي يدرج ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في منظمة اليونسكو لعام 2021 وقد تم الإعلان عن قرار الإدراج اثناء اجتماع الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي في فرنسا المنعقد في الفترة من الـ 13 إلى الـ 18 من كانون الأول الجاري مبينة أنه جاء في حيثيات القرار أن اللجنة تثنى على ملف القدود الحلبية وما قدمه من إبراز لأهمية التراث اللامادي وقدرته على تزويد المجتمعات بمصادر الصمود وتعزيز بناء السلام والحوار بينها.
وأشارت مشوح إلى أن الامانة السورية للتنمية بالتعاون مع وزارة الثقافة بذلت جهوداً كبيرة داخلياً وخارجياً في إعداد ملف القدود الحلبية وفق منهجية دقيقة مبنية على دراسات معمقة شارك فيها باحثون ومتطوعون وفنانون والكل مدفوع بشغف تراثنا اللامادي وبشعور عال بمسؤولية حمايته وصونه موضحة أن الهدف حالياً هو استثمار هذا الملف بالشكل الأمثل في بناء مستقبل أفضل لسورية.
وأوضحت مشوح أنه بعد عشر سنوات من الحرب الإرهابية واليوم بعد تحرير الجزء الأكبر من أراضينا نحن محاصرون اقتصادياً ونفسياً ومقدراتنا مصادرة في أغلبها والهدف الأساسي من كل ذلك تدمير الهوية السورية والإرادة والقدرة على الصمود والعطاء في مجتمعنا مشيرة إلى أن هذا الحصار لا يستهدف السوريين في هويتهم الثقافية فقط بل في لقمة عيشهم.
ولفتت وزيرة الثقافة إلى أن إدراج القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يشكل خرقاً على الصعيد الدولي ويؤكد أن العالم يعترف أننا بناة حضارة وأننا بنينا ثقافتنا عبر العصور وورثناها عبر الأجيال وأغنيناها بقدرات شبابنا وكفاءاتهم وأفكارهم البناءة.. هذه الثقافة معترف بها عالميا لدرجة أن عناصرها وهذا ليس العنصر الأول الذي يسجل على لائحة التراث الإنساني أصبحت عنصراً ثقافياً لا مادياً إنسانياً وهذا يعني الكثير.
وبينت مشوح أن هذا الإنجاز يعزز نفسيا الشعور بالأمل والقدرة على مواصلة الصمود بمواجهة ما تتعرض له سورية ورغم الحصار كان فنانونا ومثقفونا طوال السنوات الماضية يحاربون في نتاجهم الإبداعي لافتة إلى أن سورية بهذا الإنجاز تخرق الحصار وهناك مؤشرات عديدة تثبت ان نوافذ بدأت تفتح وبجهودنا ودعم الأصدقاء والأشقاء سنوسع دائرتها.
وأشارت مشوح إلى الأهمية الكبيرة لهذا الإنجاز على الصعيد الاقتصادي موضحة أنه عندما يكون لدينا عنصر ثقافي سواء أكان مادياً أو لا مادياً مسجلاً على لائحة التراث الإنساني أو العالمي فإن هذا العنصر يصبح عامل جذب للآخر وترويج للثقافة عموماً وهذا يعني اننا بذلك نستطيع أن نتربع على خارطة العالم الثقافية وإذا ما فعلنا سننتقل إلى خارطة العالم السياحية وكل هذا يتيح رافعاً من روافع الاقتصاد الوطني فالفائدة كبيرة على كل الصعد.
وأوضحت وزيرة الثقافة أن إدراج اليونسكو القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يرتب على سورية تقديم تقرير مفصل كل ست سنوات عن الإجراءات المتخذة للحفاظ على عنصر التراث اللامادي ونشره وفي حال تم التقصير في ذلك يوضع على قائمة أخرى هي قائمة التراث الإنساني المهدد بالخطر لافتة إلى وجود انشطة وفعاليات وإجراءات للحفاظ على هذا العنصر بالتعاون مع كل الجهات ومنها المجتمعات المحلية.
وقالت مشوح: نحن نواجه اليوم حربا تستهدف شخصيتنا الوطنية وهويتنا وأفكارنا والمبادئ التي نشأنا عليها.. هم أرادوا أن يمحوا ذاكرتنا ويستبدلوا بها ذاكرة هدامة لا تمت لحضارتنا وثقافتنا بصلة واليوم مع إدراج القدود نؤكد أننا ممثلون بأصالتنا وأننا حافظنا على هذه العناصر التي ورثناها من أجدادنا وسنحافظ عليها ليس لأبنائنا فقط بل للإنسانية قاطبة فنحن من صدر للعالم أجمع النوتة الموسيقية والوردة الدمشقية وبذرة القمح الأولى والمحراث كما صدرنا لهم الفن التشكيلي المتمثل بأول قطعة من المنحوتة المصنوعة والتي تمثل آلهة الخصوبة ويعود تاريخها إلى ثمانية آلاف عام قبل الميلاد.
ورداً على سؤال حول انعكاس إدراج القدود على لائحة التراث الإنساني على مدينة حلب لكونها صاحبة الفضل الأكبر والأوسع في نشر وتأليف وتلحين القدود أكدت مشوح أن هذا الإنجاز سينعكس على كل المدن السورية.. صحيح أن القدود نشأت في حلب وفي زمن ليس بالقريب وأبناء المدينة احتضنوا هذه القدود وطوروها ونقلوها من مدينتهم وإلى الوطنية والعربية والعالمية وفي مقدمتهم الراحل صباح فخري الذي كان له الفضل الأكبر في تطوير القدود لكن بإدراجها على لائحة التراث الإنساني أصبحت سورية وعربية بامتياز ويمكن القول إنها أصبحت عالمية.. إذا هي حلبية المنشأ وسنعود إلى حلب ومنها ننطلق واليها نعود.
وتوجهت مشوح بالشكر للأمانة السورية للتنمية بكل كوادرها ولمديرية التراث اللامادي في وزارة الثقافة ولمندوبة سورية الدائمة في اليونسكو لمياء شكور على جهودها في إعداد الملف ومتابعته ليصل إلى مبتغاه مؤكدة أن الشكر الأكبر والامتنان الأعمق للسيدة أسماء الأسد لكل ما قدمته من دعم ومساندة وتشجيع على إتمام هذا الملف لكي نكون جميعاً فخورين به اليوم.
من جهته قال عضو مجلس أمناء الأمانة السورية للتنمية فارس كلاس إن الحرب على الهوية السورية دفعتنا للقيام بخطوات لحمايتها بجمع وتوثيق التراث اللامادي وتوثيق الأضرار التي تعرض لها المجتمع والمواقع الأثرية للحفاظ على تاريخنا وحضارتنا ونقلها للأجيال القادمة ولتحقيق انتصار في الحرب يضاف للانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري.
وأوضح كلاس أن الحفاظ على التراث اللامادي مسؤوليتنا جميعاً وليس محصوراً بالأمانة السورية للتنمية أو وزارة الثقافة وتسجيله في اليونسكو هو أحد نتائج العمل لكن ما يحدث على الأرض هو المضمون الأعمق والأكبر حيث هناك خطط لصونه وفيما يخص القدود الحلبية وضعت خطة بأياد سورية لموسيقيين وخبراء وأفراد من المجتمع المحلي لتطويرها ونشرها بشكل أكبر محلياً وعالمياً وتدريب الأجيال على هذا النوع من الموسيقا لافتاً إلى أن هناك حالات كثيرة تتعرض فيها بعض الملفات والعناصر للإزالة من قوائم التراث الإنساني لأنها ليست حية ودورنا الحقيقي إحياؤها ونشرها وخلق وعي في المجتمع حول قيمتها.
وعن الملفات التي يتم العمل عليها حاليا لفت كلاس إلى أن هناك قائمة حصر وطنية يتم تجديدها كل سنتين لعناصر التراث اللامادي وهي أساس العمل ولا يتم الذهاب لتسجيل أي عنصر لدى اليونسكو إلا بعد استيفاء عدة شروط وقواعد لتقييم بعض العناصر منها أن يكون ممثلا للمجتمع السوري وأن تكون له قيمة ثقافية مضافة وغير ذلك مشيراً إلى أنه يتم التعاون مع وزارة الثقافة ومديرية التراث اللامادي لوضع قائمة جديدة لعام 2023 كما تم تقديم ملف مشترك مع إيران بانتظار تقييمه لعام 2022 هو ملف صناعة العود والعزف عليه كما تشارك سورية ببعض الملفات الأخرى وهذا يشجعنا أن نزيد على قائمة التراث اللامادي المسجلة.
ورداً على سؤال حول العراقيل التي حاولت بعض الأطراف في اليونسكو وضعها أمام سورية أوضح كلاس أن الأمانة السورية للتنمية تشغل عدة مواقع في اليونسكو أحدها نائب رئيس اللجنة التوجيهية لمنتدى الجمعيات الأهلية المسجلة باليونسكو كما أنها عضو لجنة التقييم للمرة الثانية لافتاً إلى أن هناك صعوبات يومية تواجهنا مع أي منظمة دولية ونتعامل معها ولن نتراجع لأن وجودنا يهدف لحماية التراث والهوية السورية وتحقيق النجاح لسورية.
من جانبه بين المدير التنفيذي للأمانة السورية للتنمية شادي الإلشي رداً على سؤال لمراسلة سانا أن دور الأمانة السورية للتنمية نابع من هدفها الأساسي بحماية الهوية الثقافية السورية باعتبارها هوية عريقة ومتجذرة بالتاريخ ومن أجل هذا يتم العمل على محورين الأول إحياء المقاصد التاريخية والمعالم الاثرية والاهتمام بالتراث المادي وهنا لا نتحدث عن احياء النسيج العمراني وانما نتحدث عن توفير وتحقيق الحد الأقصى من الفرص للوصول إلى تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة مشيراً إلى دور الأمانة مع جميع الشركاء سواء كانت جهات رسمية او منظمات دولية لإحياء أسواق المدينة القديمة في حلب.
وأوضح الإلشي أن المحور الثاني هو صون التراث اللامادي ومن ضمنه القدود الحلبية وأن الأمانة تهتم بكل تفاصيل عاداتنا وتقاليدنا وحكاياتنا وأمثالنا الشعبية وأنها تمكنت في عام 2018 من توثيق الوردة الشامية وهذا العام القدود الحلبية اعتماداً على جهود تقنية تبدأ بالبحث والتوثيق العلمي والحوارات مع المهتمين بهذه العناصر المادية واللامادية وإعداد الملفات والدراسات وتقييمها وتقديمها للوصول إلى النتائج المرجوة بتسجيلها على قائمة التراث الإنساني حفاظا على الهوية الثقافية السورية.
وأشار الإلشي إلى أنه يتم وضع خطة صون لكل عنصر من عناصر التراث اللامادي تتضمن مجموعة من الأنشطة والإجراءات ليبقى محافظاً على تسجيله فمثلاً خيال الظل وضع على قائمة الصون العاجل بسبب القلة الشديدة في عدد الأشخاص الذين يمارسونه ويتم العمل على نشر هذا العنصر في جميع المحافظات إضافة إلى توسيع فهم وإدراك المجتمع له وفيما يتعلق بالوردة الشامية يتم نشر وتوسيع زراعتها في المحافظات.
وشدد الإلشي على أن صون التراث المادي واللامادي واجب ومسؤولية على الجيل الحالي وحق للأجيال القادمة وليس ترفاً أو رفاهية بل أولوية لنتمكن من الحفاظ على هويتنا ونفهم حاضرنا ومستقبلنا لافتاً إلى أن عدم الحفاظ عليه يشكل خطورة على هويتنا الوطنية وانتمائنا الحضاري لسورية ما يتطلب من الجميع المساعدة في توثيق التراث لأنه الخطوة الأولى في صونه وحمايته.