الأحد 2010-12-12 01:07:52 كنت هناك
هوامش بين دمشق فيينا والقاهرة
هوامش بين دمشق فيينا والقاهرة

كتب أيمن قحف:

كان علي خلال أقل من أسبوع أن أتنقل مابين ثلاثة عواصم لكل منها خصوصيتها وطقسها.. ومطاراتها..
 
من حرارة 25 درجة في دمشق يوم الأربعاء الماضي وصلت إلى فيينا حيث يتساقط الثلج بغزارة.. لأول مرة أرى الارتباك في مطار فيينا “العامر”..
 
بسبب الثلج ألغيت بعض الرحلات وتأجل بعضها الآخر...
 
وكان نصيبي الاعتذار من السيدة لمياء شكور سفيرتنا الناجحة في باريس حيث كنت سأحضر صباح الخميس احتفالية متميزة في “كوليج دوفرانس” الصرح العلمي العريق بمناسبة ثمانين سنة على فك رموز أبجدية أوغاريت، فبقيت في فيينا ومطارها الذي اختلط فيه الحابل بالنابل ومئات المسافرين يبحثون عن حقائبهم أو عن رحلاتهم أو عن الفندق الذي سيبيتون فيه ريثما يفتح المطار مجدداً أمام متابعة رحلاتهم...
 
ولأول مرة اكتشف أن الفوضى والارتجال الذي نعيشه في بلادنا يجلعنا اكثر كفاءة في التعامل مع الطوارئ بعكس الأوروبيين الذي “أدمنوا” التنظيم فأصبح جزءاً من الآلات والكومبيوترات التي تسيّر العمل، هؤلاء غير محضرّين للمفاجآت فتربكهم وفوضى مطار فيينا أثارت استغرابي...
 
النظام “الأحمق أحياناً” وليس الطقس فقط افقدني فرحة الذهاب إلى باريس، فالنمساوية والفرنسية يعملان بنظام “الكودشير، أي طائرة للأولى عليهما مقاعد للثانية والعكس صحيح، من دمشق لم أتمكن من تأكيد مقطع فيينا باريس وبقي علي الانتظار،ولو تم تأمين المقعد لكان الفارق حوالي 100 يورو على حصة النمساوية.
 
لم يؤمن المقعد وعندما راجعت الفرنسية كان جوابهم أنهم سيحجزون لي تذكرة جديدة فيينا-باريس بسعر “آخر لحظة” أي حوالي 500 يورو!!
 
ذهبت الطائرة بدوني ولم يستفيدوا من ثمن مقعدي لأن “النظام” لا يسمح بتجاوز حصة “النمساوية” ولو كان الأمر لدى موظف سوري لوجد مئة حل “مبدع” كيلا تفوتني الطائرة...
 
من المطار إلى فندق بريستول، سائق التاكسي “مرسيدس موديل 2010” يختار الطريق الأسرع والأسلم بالاستعانة بـ”النافيغيتر” جهاز الملاحة المرتبط بالأقمار الصناعية الذي مازال حلماً لدينا رغم أن أي واحد منا يمكن أن يشاهد سطح منزله وشوارع دمشق على موقع “غوغل إيرث”..!!
 
وسألت نفسي مجدداً ماذا لو تعطل الجهاز؟! سيضيع الرجل ولكن للأسف معه خريطة احتياطية يستعملها في حال الضرورة للوصول إلى طلبه ولو فقدها سيصبح أضحوكة قياساً بسائقينا الذين يحفظون دمشق من أبو رمانة والمالكي إلى زواريب الدويلعة وعش الورور عن ظهر قلب!
 
فيينا مدينة بيضاء، لكنها مجهزة جيداً للتعاون مع الثلج والصقيع والفرق تعمل بكفاءة عالية حتى لا تنقطع الطرق أو يتأذى أحد...
 
أشعر بالحزن لأن المطر لم يزر بلادنا والشتاء تأخر...
 
في القاهرة تكاد الرؤيا تنعدم أحياناً بسبب “الشبورة” أو ضباب نهر النيل المعزز بالتلوث الكبير، الحرارة 27 درجة مئوية والدنيا صيف وحركة السياحة جيدة والسوريون يملؤون الفنادق والاستثمارات تتوافد على قدم وساق وخاصة من سورية أو ربما كان على الدكتور أحمد عبد العزيز أن يخصص زيارته القادمة لمصر ليعرف السبب فهو إما مغريات من الجانب المصري أو “مطفّشات” من الجانب السوري، وهي أهم من الترويج للاستثمار في لوكسمبورغ وسلوفاكيا...!
 
في مؤتمر المغتربين العرب الذي تجلت فيه التجربة الغنية لسورية في التواصل مع مغتربيها أجاد الوزير جوزيف سويد في عرض التجربة كما أجادت الصبية السورية ريمي الفندي في عرض تجربتها كشابه عربية مغتربة.
 
أما أفضل الخلاصات فكانت ماقدمه المغترب السوري الكبير نبيل الكزبري الذي ترأس جلسة عن مأزق التواصل مع الجيل الثاني من المغتربين وكان رأيه المؤثر هو أنه من الخطأ أن نعتبر المغترب خسارة وضياعاً بل هو مكسب لأنه درس واطلع على ثقافات جديدة، كما أنه من الخطأ أن نحاول جعل أولادنا نسخة عنا فهم ولدوا في زمان غير زماننا ومكان غير مكاننا، ولا يفوت الكزبري أن يعطي الأولوية القصوى للغة العربية كأفضل وأهم أدوات التواصل مع المغتربين من الجيلين الثاني والثالث.
 
أعود إلى فيينا مجدداً لحضور المؤتمر السنوي لغرفة التجارة العربية النمساوية حيث يسهر السيد الكزبري على إنجاز مؤتمر ناجح، وهو يستحق بالفعل ماقاله عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية أنه أحد أعمدة العلاقات العربية الأوروبية...
 
الحرارة هنا تقترب من ناقص ثماني درجات ولكن الجميع يعمل كالعادة..
 
أختم هوامشي المتفرقة بما أشعر به في هذه اللحظة..
 
صحيح أنني في أرقى وأجمل عاصمة أوروبية وأرتاد أفخم فنادقها وأركب افخم الطائرات لتأدية عملي بالطبع وأشهد كل مظاهر الحضارة والأبهة...
 
ولكن -أقسم صادقاً بإذن الله- أنه لا يوجد في العالم أجمل من سورية وشعب سورية..
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024