السبت 2011-10-01 19:03:06 تحقيقات
حوار في الإصلاح والإدارة ..والحكومة مع د. سام دلة...المدخل الجزئي لا يكفي والمقاربة الشاملة هي الحل
حوار في الإصلاح والإدارة ..والحكومة مع د. سام دلة...المدخل الجزئي لا يكفي والمقاربة الشاملة هي الحل
يُقرّ د. سام دلة أن عملية إصلاح الإدارة الحكومية هو عمل واسع وتراكمي وليس قراراً يتخذ بل هو عبارة عن مسار، رئيس لجنة إصلاح وتحديث الإدارة العامة وعميد المعهد العالي لإدارة الأعمال يرى أن الهدف الرئيسي من الإصلاح للإدارة الحكومية وتحديد مدى الاستجابة الفعالة لمتلقي الخدمات الحكومية من مواطنين ومستثمرين بغية تقديم خدمة عامة بشكل سريع وجودة عالية.‏

فلسفة الإصلاح
في حوارنا معه ينقلنا د. سام دلة إلى عالم من الفلسفة الإدارية أو ربما فلسفة الإصلاح عندما يقول: يجب الإمعان في الأمور من خلال نظرة جديدة محورها السياسات التي تضعها الحكومات, لذلك فإن الإدارة الحكومية يجب أن تكون قادرة على التكيف مع روح العصر وإصلاح نفسها من حينا إلى آخر, فلا يوجد مجتمع يمكن أن يصل إلى هدفه بشكل كامل, وإنما تأتي الظروف لتنقل الهدف من مكان إلى آخر، ومن أجل ذلك لا بد من إيجاد حوكمة وهذا التعبير من الأدبيات الجديدة في عملية الإصلاح، ينتقل إلى فكرة يقول فيها: لإصلاح الإدارة الحكومية مدخلان أساسيان شامل وجزئي، إما أن ندخل في المدخل الجزئي ونحدث تغيرات بسيطة جزئية وهذا ممكن إذا كنا في إدارة متطورة, أما إذا كنا في إدارة تعاني العديد من المشاكل فيجب مقاربة الموضوع من المدخل الشامل أي تغير في السياسات وفي الهياكل، وفي إعادة النظر في الإنفاق العام وإلى ما هنالك أي أن الترقيع والحلول الجزئية لا تنفع هنا ولا بد من حلول جذرية لأن الحلول الجزئية في إدارة الأزمة يمكن أن تحدث أزمات جديدة.

يجب الإمعان في الأمور من خلال نظرة جديدة محورها السياسات التي تضعها الحكومات
المساواة التمكينية
مزيد من الفلسفة الإصلاحية يغوص فيها سام دلة عندما يتحدث إلينا عما يسمى بالمساواة التمكينية التي "تتيح تمكين الناس في الإدارة عن طريق التمكين في الاقتصاد من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتمكين بين الأقاليم وعدم التركيز على المدن الرئيسية والتمكين في المجتمع، ويتم التمكين من خلال التعليم والصحة والتمكين من خلال تعزيز اللامركزية، وتعزيز دور المجتمع الأهلي وتعزيز الدور الاجتماعي للشركات وقطاع الأعمال الخاص"، ويُضيف: هنا يبرز دور الحكومة ليكون المحرك لذلك وكلما كانت الإدارة الحكومية فاعلة عظم الدور الاجتماعي لقطاع الأعمال الخاص.
بين الحكومة والمواطن
وحول العلاقة بين الحكومة والمواطن يقولد. سام دلة: هناك تحديات سياسية على المستوى الداخلي تتجلى في إعادة صياغة العلاقة بين الإدارة الحكومية والمواطن, بين الحكومة ومواطنين أكثر تطلباً وتمسكاً بحقوقهم وأكثر اطلاعاً ومساءلة للجهاز الحكومي، وزاد بالقول: المسعى الرئيس في كل دول العالم هو الوصول إلى إدارة حكومية أصغر حجماً.. أكثر مساءلة.. تعمل أفضل.. وتكلف أقل.

المساواة التمكينية تتيح تمكين الناس في الإدارة عن طريق التمكين في الاقتصاد
التحدي
كرئيس للجنة الإصلاح الإداري في سورية، قلنا لـ د. سام دلة أن مسألة الإصلاح الإداري تقع تحت تحديات كبيرة منها ضعف الخبرات, وانتشار الفساد, وتخلف أجهزة الرقابة, إضافة إلى معوقات أخرى فأجاب: عندما نقوم بأية عملية للإصلاح يُعتبر هذا تحدياً. وهذا طبيعي في كافة المجالات, كما إننا لا نقوم بأية عملية تغيير جذرية إلا إذا كانت هناك تحديات مطلوبة, ونح نعرف أن لدينا واقع إداري غير مرضي كي لا أقول واقع سيئ, سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص, منها بعض الجوانب التي ذكرت, ومنها موضوع الفساد, لذلك يجب مجابهة هكذا تحدي بكل جرأة.

التلقين والذاكرة
يُضيف دلة: نعم نحن لدينا ضعف بالخبرات والكفاءات, نتيجة الأسلوب غير الجيد في التعليم والتأهيل والتدريب, على الرغم من كل ما أنفق على العمل في قطاع التعليم, وخاصة في الجامعات. لكنه لا يزال غير إبداعي، ويتابع بالقول إن المشكلة الأساسية في عملية التعليم أننا نعتمد على التلقين والذاكرة, فطلاب الجامعات السورية تتعلم وتحفظ فقط, يجب أن ندرك أن التعليم في العالم قد تغير, ويجب علينا أن نواكب هذا التغير, فالتعليم له شقين أساسيين: الأول أن نعلم من يريد, كيف عليه أن يصل إلى المعرفة والمهارة وهذا هام جداً، والثاني وهو كيف يوظف هذه المعرفة والمهارة في العمل الذي يعمل فيه، ونحن نعلم أن هناك معارف ومهارات موجودة ويجب على الطالب أن يتعلمها, لكن الإنسان غير قادر على الإحاطة بكافة العلوم والمعارف والمهارات, ولكن في المجال الذي يعمل فيه يجب أن يكون ماهراً وبارعاً. وهذا هو الأمر الذي نقوم به في المعهد العالي لإدارة الأعمال, أو المعهد الوطني للإدارة العامة, لذلك يجب خلق وتكوين أناس قادرين على توظيف مهاراتهم, وتطبيقها, فهناك الكثير من المواد والعلوم التي تدرس في المعهد على طريقة "SIMILTOIN" وهي الحالة التطبيقية.

عملية الإصلاح مكلفة
يتابع سام دلة: لكن في موضوع الإصلاح وكرئيس للجنة الإصلاح الإداري أقول أنه يجب اختيار أفضل الكفاءات لقيادة عملية الإصلاح, لأن عملية الإصلاح مكلفة, وكلما تم التأخير فيها كلما ازدادت عملية التكلفة, كما يجب علينا أن لا نستعين بأشخاص هواة بل يجب علينا الاستعانة بخبراء, وهؤلاء يجب تحفيزهم بالوسائل المادية والمعنوية, وإلا لن يأتوا للعمل.
وأنا أجزم أن لدينا في سورية المهارات والخبرات الكثيرة, خاصة من اللذين يتخرجون من المعهد العالي لإدارة الأعمال, واللذين نأتي بهم من الخارج ليسوا بأفضل مما لدينا, لكن من بأتي به من الخارج يأتي بحافز كبير, وندفع له الكثير, أما إذا كان خبيراً سورياً فإننا ننظر إليه من ناحية التحفيز نظرة بدرجة ثالثة, وأحياناً لا يكون هناك تحفيز مطلقاً.
المعهد العالي لإدارة الأعمال
قلنا لعميد المعهد العالي أن مؤسساتنا تعيش حالة من الترهل الإداري والصناعي, وتنتشر فيها حالة ضعف في الإنتاجية وأساليب العمل التقليدي, كما أن التغيير في العمل الإداري بطيء ومترهل بفعل ضخامة الأجهزة الإدارية, وصعوبة تغيير الأعراف الإدارية، فهل وصلتم في المعهد العالي لإدارة الأعمال إلى طريقة لمعالجة هذا الموضوع ورفد مؤسسات الدولة بهذه الكوادر؟.
فأجاب: بالتأكيد وصلنا إلى ذلك, وهنا لا بد من سوق المثال التالي إن أي إنسان يعمل في مؤسسة حكومية سورية يذهب إلى عمله وكأنه ذاهب لقضاء نزهة, حتى في تعبيره يقول: أنا ذاهب إلى الدوام ولا يقول أنا ذاهب إلى العمل, إضافة إلى ذلك فإن الموظف لا يوجد من يتابعه, كذلك لا يوجد من يعمل على تقييم أداءه, وبالأساس لا يوجد آلية للاختيار, أما إذا أخذنا نفس الشخص عندما يذهب إلى العمل في مؤسسة خاصة, أو للعمل خارج سورية, فيطلب منه زمن معين يخصص لهذه المؤسسة, أي أن هناك التزام, وذلك لوجود البيئة المناسبة للعمل, وهذه البيئة محورها الأساسي الحوافز, وهذا غير متوفر في دوائر الدولة, فإذا ما أردت أن تفرض عقوبة ما بحق أحد الموظفين, بنسبة 5% من أجره, فهو لا تعنيه هذه العقوبة, بل لا يعنيه الراتب بشكل كامل, أما إذا كان راتبه كبير وتمت معاقبته بنفس الحسم, فإن العقوبة تعنيه بشكل كبير, وقد يخسر عمله كما يحدث في جميع دول العالم, أما عندما تأتي لمعاقبة شخص ما أساء في مؤسسة حكومية, فإن الأمر يحتاج إلى زمن طويل, حتى أن الشخص الذي يُصدر العقوبة يشعر بأنه هو المعاقب. لذلك لابد من خلق البيئة الملائمة والجيدة للعمل.
وتابع بالقول: لذلك نحن في المعهد نزعم أننا لدينا البيئة الملائمة والمقبولة للعمل, ولن أقول جيدة لأنها لا تصبح جيدة إلا إذا كانت البيئة العامة جيدة، نحن في المعهد لدينا نظام الحوافز, وهذا النظام يدفع جميع العاملين للعمل, كما أنهم يخشون من الخطأ بسبب وجود المساءلة بالمقابل.

أجزم أن لدينا في سورية المهارات والخبرات الكثيرة, خاصة من اللذين يتخرجون من المعهد العالي لإدارة الأعمال
في كيفية التجسيد
ثمة مَن يقول أنه رغم الاهتمام الرسمي والدعوات حول أولوية الإصلاح الإداري, هناك من يقول أن النتائج والاستجابة الرسمية محدودة, ولا تمس الجوهر, كما أنها لا ترتقي لمستوى المعالجة والإصلاح الإداري، لكن لـ سام دلة رأي آخر إذ يقول: هذا ليس دقيقاً على الإطلاق, فما كتبناه وما كتب سابقاً حول هذا الموضوع, كانت جميعها تمس صميم الإصلاح, لأنني قرأتها جميعها, لكن المشكلة هي في كيفية تجسيد هذه الأدبيات خلال عملية التنفيذ.
لا يوجد شيء يمكن اختراعه في عملية الإصلاح, فهناك تجارب كثيرة في دول العالم, ونحن أخذنا منها ما يناسبنا, إذ أن هناك تجارب علمية كاملة في الإصلاح الإداري, فعندما أمزج H معO فإنه سينتج الماء سواء كانت هذه العملية الكيميائية حدثت في الصين, أو في البرازيل, أو في أي مكان في العالم فإننا سنحصل على نفس النتيجة.
لكن الأهم من ذلك كله في عملية الإصلاح هو وجود أشخاص قادرين على تحمل المسؤولية, لأن المشكلة الأساسية لدينا في سورية هو عدم تحمل المسؤولية, وهناك ما يُسمى إنكار المسؤولية، وحتى يتم تحمل المسؤولية على الإنسان أن يكون كبيراً بالمعرفة والإيمان الكامل بالعمل الذي يقوم به, وهنا أستشهد بقوله تعالى في سورة البقرة عندما نزلت على سيدنا موسى "خير من استأجرت القوي الأمين".

كفاءات عالية
سألنا سام دلة، ما هي الخطوات التي يتوجب علينا فعلها من أجل زج كافة الإمكانيات البشرية والمادية من أجل تحسين مستوى كفاءة النظم الإدارية, وبالتالي تحقيق معدلات نمو اقتصادي تفوق معدلات النمو السكاني؟، فأجاب: نحتاج إلى اختيار كفاءات عالية لإدارة الاقتصاد الوطني, والشرط الأساسي لتحقيق تنمية, هو تحقيق نمو, كما أن الشرط الأساسي لتحقيق النمو, هو خلق وجذب استثمارات و فرص عمل, وهذه الفرص لا يخلقها أشخاص عاديون, اللذين قد يعملون على إضاعة الاستثمارات, وفرص العمل المتاحة, فنحن نحتاج إلى أحد أهم أسباب الإصلاح وهي الخبرات.
لذلك أقول أنه علينا تأهيل الناس بشكل جيد بحيث يكونون قادرين على خلق الاستثمار من خلال ما يسمى تعليم "ليدرشيب" ومعناه كيف أعمل على الخلق المؤسسي, وهذا أحد التخصصات التي نقوم بها في المعهد العالي، وبالتالي هذا يسمح بالعمل على توسيع دائرة النمو الاقتصادي, كما يسمح بالعمل على تعزيز مستويات التنمية, وهذا يجب أن لا يقتصر على بؤر في أماكن معينة فقط, بل يجب أن يكون على مستوى الوطن, بمعنى لا يكفي أن أعزز العمل في محافظة واحدة, بل يجب العمل على الإنماء المتوازن.

سورية قادرة على الإصلاح
في إشارة أخيرة خلال لقائنا به يقول سام دلة: سورية بلد قادر على الإصلاح ولديه العديد من الكفاءات العالية, وقادر على النهوض بالمجتمع بشكل راقي, على الرغم من كل المعوقات الموجودة من نمو سكاني مرتفع, من مستويات الفساد, ومن .... ولكنه قادر على النهوض والاستمرار بالأفضل إذا عملنا بطريقة صحيحة, قليلاً من الوطنية من منطلق أن جميع سكان سورية وطنيون, كثيراً من التأهيل والتحفيز ضمن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص, وأن نعمل على تمكين الناس من التعليم لأن تمكين الناس من أجل أن يكونوا خلاقين يجب تحقيق شرطين أساسيين, تعليم جيد ونوعي وصحة جيدة, خاصة أننا شعب منفتح ولا يجب علينا أن نكتفي برفع الشعارات "سورية مهد الحضارات", بل يجب علينا تجسيد هذه الشعارات, ونحن قادرين على ذلك. لذلك أقول إذا ما تبنينا هذه المقولة ليس كشعار بل كممارسة فنحن قادرين على تجاوز كل المحن, ولكن يجب علينا أن نعمل بجهد متواصل كي نزيل كل عوامل الإحباط، وأضاف: عندما نرى أن هناك مدير أو وزير لا يتمتع بأدنى حدود الكفاءة, ويقود مؤسسة فهذا يحبط الأكفّاء لذلك يجب إزالة عوامل الإحباط من المجتمع وعوامل الإحباط كثيرة.
عاصي تثني على شخصية د. سام دلة 

من الشهادات المؤثرة التي سمعناها حول الدكتور سام دلة ما قالته وزيرة السياحة السيدة لمياء عاصي ..
عاصي اعتبرته من أبرز الشخصيات العلمية والأكاديمية في مجال الإدارة، وأثنت على إدارته الناجحة لمعهدي اينا وهبا اللذين خرجا كوادر وطنية متميزة، كذلك نوهت بالأداء العالي الذي يقوم به من خلال لجنة إصلاح الإدارة التي يرأسها بتكليف من مجلس الوزراء، وبشخصيته وأفكاره البناءة.

يحمل الدكتور سام دله إجازة في الحقوق, تابع دراساته العليا في فرنسا, حاصل على شهادة الدكتوراه في الرقابة القضائية من باريس بدرجة الشرف جداً, مع تهنئة اللجنة وهي أعلى درجة يمكن أن تُمنح لأي شهادة دكتوراه من فرنسا.
عُين الدكتور دلـّه عميداً لكلية الحقوق بجامعة حلب مدة أربع سنوات, ثم حضر إلى دمشق ليتم تعينه بمرسوم رئاسي "عميداً للمعهد الوطني للإدارة العامة ENA" وبعد خمس سنوات من العمل والتأسيس في المعهد الوطني, عُين الدكتور دلـّه بمرسوم رئاسي أخر " عميداً للمعهد العالي لإدارة الأعمال HIBA"، كُلّف الدكتور دلـّه بمهام عديدة وشغل مناصب عدة في المجالس والهيئات, وسمي بقرار من رئيس مجلس الوزراء, منصب رئيس مجلس إدارة التصريف الشعبي. ويشغل حالياُ عضو مجلس إدارة الهيئة السورية لشؤون الأسرة, وعضة مجلس مفوضية هيئة الاتصالات، إلا أن عمله الأكبر هو في الحقل الدستوري لأنه أستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية بجامعة دمشق.


ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024