الجمعة 2011-10-14 18:04:50 كنت هناك
تقاسيم من أوروبا
تقاسيم من أوروبا
أيمن قحف
 
داهمني المرض منذ وطئت أرض فيينا الأربعاء الماضي، تغير الطقس من حار نهاراً إلى بارد جداً ليلاً ومطر غزير غسل وجه عروس العواصم الأوروبية...«الكريب » المتوحش لا يترك فرصة للمرء أن يفكر حتى، أو يعمل أو يستمتع بأي شيء، وكدت أقرر التغيب عن الكتابة ولكنني استجمعت قواي، وأنا بحرارة 40 تقريباً، لأكتب ما تمليه مظاهر «الهلوسة » وأترك لنفسي هذه المرة أن «أهذي » قليلاً!.
 
هنا يستطيع المرء أن يفكر بحرية، وأن يكتب دون الخوف من الرقيب – داخلنا وخارجنا- ليكون رأيه متوازناً ونزيهاً. هنا يستطيع المرء أن ينعم «بحرية » أوروبا وأن «يبيع » بلده وشعبه في «سوق الانتقالات الشتوية !!»
يمكن لأي تافه أن يقرر الانضمام لصفوف المعارضة وبالتالي يحصل على الدعم المادي والمعنوي وحق الإقامة «هرباً » من «اضطهاد النظام »، ويمكنه إدعاء أي شيء وسيصدقونه فيصبح بطلاً!.
 
هذه هي أوروبا اليوم، فقدت عقلها، وتم «اختطافها » من مراهقين سياسيين يريدون استعادة الأمجاد الاستعمارية! أوروبا اليوم تتغنى بالحريات وحقوق الإنسان، وتترك لحثالة يهاجمون السفارات السورية في أحيائها المحترمة كأنها «تنتقم » لفشلها في «إسقاط النظام » وحتى في قرار خفيف اللهجة في مجلس الأمن!... أوروبا تترك لحثالة الشوارع من السوريين وغيرهم يهاجمون كل ما هو سوري، وتسمح حتى بالإساءة لمواطنيها – من أصل سوري – المحترمين للضغط عليهم لينقلبوا على الأنظمة من مبدأ: من ليس معنا فهو ضدنا !
 
نبيل الكزبري مثلاً، رجل محترم، يحمل الجنسية النمساوية ويعيش في فيينا منذ أربعين عاماً، بحكم عمله وتاريخها النقي، أصبح صديقاً لكثير من رجال الحكم والسياسة في العالم، والكل يعرف أنه صديق شخصي للمستشار الألماني السابق شرويدر، لكل الساسة النمساويين منذ عهد كرايسكسي وفالدهايم، ورجالات مصر قبل وبعد كل الثورات ولأمراء السعودية والخليج، كما أن شيوخ قطر وضعوه في مجلس أمناء مبادرة «صلتك » مع الشيخة موزة وعدد من رؤساء الدول السابقين.. كل هذا ليس لأنه يعمل بالسياسة، بل لأنه رجل أعمال محترم ومن طراز عالمي، فالجميع يحاول استقطابه ..
 
الرجل يحب بلده ويعتز بسوريته كثيراً، فكان أن احترمه رجالات السياسة في سورية منذ أكثر من نصف قرن، كما احترموا والده رفيق الكزبري الذي كان صاحب جريدة وطنية في عشرينيات القرن الماضي تقف بوجه الاحتلال الفرنسي.... طلبوا منه تشغيل معمل الورق الذي كان مصيبة على الاقتصاد السوري ففعل وأعاد المعمل للحياة، قدم منذ عقود مركز طفل الأنبوب لمشفى تشرين، قدم الكثير الكثير لصورة سورية «البلد »، كرمه كبار رجال الأعمال برئاسة شركة كبرى وطنية هي شام القابضة التي صرف من أجلها الكثير من المال والوقت والجهد لتكون شفافة وتعمل بمعايير عالميةK لم يستفد منها شيئاً لكنه عوقب من الإدارة الأمريكية لأنه رئيس الشركة – التي تدعم النظام – كيف وهي خاسرة، كيف وشركات تدقيق عالمية تدقق حساباتها!.
 
عانى في استثماراته في سورية أكثر من أي بلد آخر!.
 
أوروبا تسمح بتوجيه رسائل «تهديد » للكزبري من حثالات المجتمع ولا تكلف نفسها حتى بملاحقتهم، وهو مواطن نمساوي لا علاقة له بالسياسة لا في أوروبا ولا في سورية!.
 
 
في ألمانيا، يعاني رجل الأعمال السوري المغترب عمر بسام عرب من سوريته ، فهو رجل أعمال ناجح جداً، وبعيد عن السياسة في ألمانيا وسورية، أسس شركة اسمها (Syrian Textile sales) متخصصة في تسويق المنتجات النسيجية السورية التي جعل لها اسماً وسمعة مرموقة في أوروبا، اليوم، ورغم أن السوريين لا يعطونه حقه، يتعرض لإزعاجات بسبب اسم شركته و “سوريته” حتى أن محافظ آخر طلب منه تغيير الاسم أو إزالة اللافتة لكنه رفض بحزم وهدد باتخاذ إجراءات قانونية، لكنه يبقى عرضة للإزعاجات.
 
 
في مطار دوسلدورف وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام “المعارض” هيثم المالح، وكنت منزعجاً جداً من كلامه الذي يحمل كل أشكال الخيانة للوطن، أردت أن أوبخه قليلاً وأقول له: خسئت أن ينهار النظام خلال أسابيع، لأن السوريين الحقيقيين هم من يقررون ومازالوا يثقون برئيسهم، لكنني وجدت أنه خسارة حتى إضاعة دقيقة للكلام معه، فتركته تائهاً يروح ويجيء يبحث عن حقيبته، ولا أدري كيف يمكن للسوريين أو العرب والأجانب أن يأملوا خيراً من “معارض” خرف تاه في مطار صغير؟!.
 
 
على شاشة “العربية” بالأمس، يمكن أن تحصل على نموذج لأتفه وأحط مستوى أخلاقي وفكري، بين مذيعة حاقدة “تلقن ضيوفها ما تريد إيصاله، ومغفل يحمل شهادة دكتوراه اسمه شفيق الغبرا، وآخر لا أعرفه، يبحث الجميع عن جمل إنشائية للإساءة للنظام والتبشير برحيله، وأتمنى أن يعاد البرنامج ليشاهد الثلاثة كم هم وضيعين وصغاراً !. يبحث الجميع بـ ”السراج والفتيل” عن شيء يسيئون به لسورية، فلا يكادون يجدون إلا التكرار الممل واللغة الإنشائية الغبية.
 
 
«كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم ويكره الله ما تأتون والكرم »
 
سورية ستنتصر مجدداً، وستتغير، والشعب السوري بات يعرف ما يخبئه هؤلاء كما حصل في مصر وتونس واليمن وليبيا، ولن تنطلي عليه الخدع البصرية والنفاق اللغوي .. الشعب السوري اكتشف أن أعلى هامة في صفوف معارضة الخارج لا تصل نعل حذاء مجند استشهد من أجل حماية سورية وشعبها، استشهد لا دفاعاً عن النظام أو الرئيس بل دفاعاً عن وطن.
 
هنا لا أشاهد تلفزيون الدنيا ولا الفضائية السورية وبالتالي لا صور وردية تأتيني عن سورية، ليس أمامي سوى قنوات التحريض وأصوات معارضة مفترسة تعوي تريد نهش جسد بلد عصي على الانتهاك، ولكنني شعرت بأن الوطن اليوم لا يحتاج إلى مواقف رمادية، فأنت إما أن تكون مع بلدك وشعبك حتى الموت، أو لا تكون أبداً ..
 
 
لقد كنت «سليط اللسان » و »معارضاً « في الشأن الاقتصادي ضد سياسات الحكومة، وجهت سهام نقدي للرفاق والمسؤولين ولن أتوقف فهذه مسؤولية الإعلامي، ولكن على المرء أن يختار: إما النفق المظلم وطريق التخريب من هواة معارضة يتحركون كالدمى الخشبية، أو طريق الإصلاح الصعب يداً بيد مع الحكومة ومعارضة الداخل الوطنية لبناء تجربتنا الديمقراطية مع حماية بلدنا وهويتنا وثوابتنا.
وليس صعباً على أي سوري اليوم الاختيار، فقد تم الفرز .
 
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024