السبت 2011-07-30 20:06:40 **المرصد**
عن "النمــــو والتنميــــة " بقلم لمياء عاصي

بقلم: لمياء عاصي

يزداد الحديث اليوم عن معدلات النمو الاقتصادي في سورية , كمؤشر لإثبات تحقيق تقدم اقتصادي أو تحسين في مستوى حياة الناس وبالتالي نجاح سياسات اقتصادية معينة , ومع أن معدلات النمو الاقتصادي هي مؤشرات متداولة عالميا ولكنها لم تعتبر يوما أساسا لقياس تحسن مستوى المعيشة , إذا لم تترافق بشروط متعلقة بتوزيع هذه الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي بشكل عادل وشامل لأكبر نسبة من المواطنين , بشكل عام لم يعد الكثير من الاقتصاديين ومتخذي القرار في العالم مهتمين بمؤشرات النمو كمؤشر وحيد , بل أكدت توصيات القمم الدولية والمؤتمرات الاقتصادية على التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة كشرط لتحقيق التقدم والاستقرار في الاقتصاد العالمي .
إن التعريف الأكثر استخداما للنمو الاقتصادي هو , معدل ازدياد السلع والخدمات المنتجة في دولة ما في عام ما عن العام الذي سبقه , أما بالنسبة لتعريف التنمية فهي أكثر شمولية وأكثر عمقا
التنمية الاقتصادية هو مصطلح واسع يشير بوجه عام إلى جهود مستدامة ومتضافرة من صناع القرار والمجتمعات المحلية لتعزيز مستوى المعيشة والصحة والتعليم في دولة معينة. التنمية بهذا المعنى تشمل مجالات متعددة بما في ذلك تنمية رأس المال البشري والبنى التحتية والقدرة التنافسية الإقليمية، والاستدامة البيئية ، والاندماج الاجتماعي والصحة والسلامة، ومحو الأمية، وغيرها من المبادرات. تجدر الإشارة إلى أن التنمية الاقتصادية تختلف عن النمو الاقتصادي. في حين أن التنمية الاقتصادية هي محاولة تنمية الإنسان والإنتاج والبيئة من خلال تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية والرفاه الاجتماعي للشعب، والنمو الاقتصادي هو ظاهرة السوق الإنتاجية وارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي.
لو طبقنا هذا التعريف على ما انتهجته السياسات التنموية السورية خلال السنوات السابقة , فإننا سنجد أن هذه السياسات كانت ناقصة واهتمت فعلاً ببعض النواحي المتمثلة بتشجيع الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص والانفتاح الاقتصادي باتجاه الاندماج بالاقتصاد العالمي , وكانت هذه الخطوات هامة فعلاً ,أدت إلى تحسن كبير في مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي , ولكن السؤال الأهم هو , ما الخطوات التي لم تستكمل ؟ أين مكامن القصور في السياسات المتبعة ؟
للإجابة على هذه الأسئلة , لا بد من الإشارة إلى أن تجارب الدول التي حققت تقدما اقتصادياً كبيراً في السنوات العشرين الماضية , اتبعت نهجاً في التحول الاقتصادي أكثر شمولا وعمقا , واعتمدت نموذجاً جديداً للتنمية الاقتصادية أهم صفاتها أن تكون ( متوازنة , شــاملة , ومستدامة ) , وهذا النموذج الجديد وإن لم يجر توصيفه بعد بشكل دقيق وأكاديمي ولكن ملامحه تعتمد على عدد من النقاط أهمها :
1- النموذج الجديد للنمو يعتمد على تقوية روح الريادة لدى الشباب , والعمل على تزويدهم بالعلم والمعرفة والمهارات .
2- تنمية وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم التمويل والتدريب اللازم لها في المراحل المختلفة من دورة حياة المشروع ولاسيما في مراحل البداية .
3- الإنفاق على البحث والتطوير R&D لتحديث وتطوير الصناعة والمنتجات .
4- المعايير والمحددات البيئية , للوصول إلى التنمية المستدامة .
5- ارتكاز التنمية على الشراكة الثلاثية الأبعاد بين الدولة والقطاع الخاص و المجتمع الأهلي ,

في سورية , تم التركيز على إصدار الكثير من القوانين لتحقيق المواءمة بين البيئة التشريعية واقتصاد السوق الاجتماعي, لكن يلاحظ غياب البرامج الاستهدافية لمعالجة المشاكل المستعصية ,
• مشكلة القطاع العام الصناعي الذي سبب نزيفاً لموارد الخزينة لأسباب مختلفة ولسنوات طويلة , وبرغم المحاولات والدراسات واللجان التي شكلت لهذه الغاية لم تحصل مقاربة جدية لوقف الخسائر الشديدة لهذا القطاع .
• القطاع غير المنظم والذي قدر من قبل خبراء دوليين بـ 40% من الاقتصاد الوطني , وبسبب استمرار هذه النسبة العالية من الأعمال خارج الأنظمة والقوانين , بقي هذا القطاع خارج إمكانية تطوير هذه الأعمال أو شمولها ببرامج تحديث وتحفيز بما ينعكس بشكل إيجابي على عملية نمو الناتج المحلي الإجمالي والتنمية على حد سواء.
• المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم ريادة الأعمال , حتى الآن لم يتم تبني سياسة واضحة لتشجيع وتحفيز هذه المشاريع ورواد الأعمال من خلال التدريب النوعي لهؤلاء الرواد وتقديم الاحتضان الفيزيائي للمشاريع في بداياتها ريثما تكون قادرة على التعامل مع السوق منفردة , وتمكين هذه المشاريع من الوصول إلى رأس المال ودعم الفوائد.
• لم يتم التعامل مع الصناعة الوطنية ببرامج محددة لتطوير هذه الصناعة لتمكينها من المنافسة في النوعية المتميزة بدلا من المنافسة بالسعر والاهتمام بتعزيز الابتكار والابداع والعمل على تطوير مكون التصميم والمكون التكنولوجي في الصناعة السورية .
• التنمية البشرية , نحن بحاجة إلى تركيز الجهود على ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل , اليوم وبعد مرور ست سنوات على التوجه إلى اقتصاد السوق الاجتماعي , ما زالت المناهج الجامعية تتحدث عن الاقتصاد الاشتراكي والمخطط مركزيا , بالتالي لدينا خريجين ولكنهم غير قادرين على الالتحاق بسوق العمل , ولدينا فرص عمل وليس لدينا مرشحين أكفاء لشغل هذه الوظائف وما زلنا نعاني من معدلات بطالة عالية بالرغم من الاختلاف على طريقة حساب نسبة البطالة بين الشباب , لا أحد يستطيع أن ينكر النسبة الملحوظة للبطالة والضغط الذي تواجهه الحكومة لخلق فرص عمل.
• الرعاية الصحية , وبرغم المبالغ الضخمة التي يتم تخصيصها للقطاع الصحي من مستشفيات ومراكز صحية وأطباء وأدوية وكوادر تمريض وغيرها , ولكن الخدمات الصحية المقدمة للمواطن لم ترتق إلى المستويات التي تنسجم مع المبالغ الكبيرة التي تخصص لها . وهذا يعود إلى تدني كفاءة إدارة مؤسسات هذا القطاع بشكل أساسي إضافة إلى المشاكل المتعلقة بإدارة الكوادر الطبية .
لا بد من التأكيد على ضرورة تبني سياسات واضحة وقوية تستهدف تنمية قطاعات هامة أخرى مثل قطاع السياحة , وقطاع النقل وهذين القطاعين بالإضافة إلى أنهما مرتبطين إلى حد كبير ,لكنهما يعتبران من الميزات التنافسية الهامة لسورية , حيث تزخر بالمواقع التاريخية والأثرية الرائعة إضافة إلى التنوع الطبيعي , كما أنها تحتل موقعا جغرافيا مميزا ويمكن من خلال السياحة والنقل تحقيق دخل كبير على المستوى الوطني بما يؤدي إلى رفع مستوى دخل الفرد وتأمين فرص عمل , وخصوصا إذا تم إدماج المجتمعات المحلية مما يؤمن مشاركة أكبر من المواطنين .
• وزيرة السياحة السورية منذ نيسان 2011
• وزيرة الاقتصاد والتجارة سابقاً – سفيرة سورية في ماليزيا من 2004-2010 - معاون وزير المالية – عضو مجلس إدارة الجمعية المعلوماتية سابقاً – عضو مجلس أمناء الأمانة السورية للتنمية حالياً .

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024