الثلاثاء 2013-02-04 23:44:06 تحقيقات
تشرين تهاجم محاولات تعبئة الاسمنت بأكياس بلاستيكية.. العالم حارب أكياس البولي بروبلين ولدينا بين أخذ ورد!..اعتراضات ومخاطر والسؤال:لمصلحة مَنْ؟

سناء يعقوب-تشرين

ما الذي يحدث ولمصلحة مَنْ؟ وأين البيئة وأين الإنسان من كل ما يجري،
بل دعونا نقل: أين وزارتا البيئة والصحة من قرارات أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها عشوائية ومتخبطة! أم إن وراء الأكمة ما وراءها؟
قضية استخدام أكياس البولي بروبلين لتعبئة الإسمنت بدلاً من الأكياس القطنية والأكياس الورقية عادت للواجهة وبقوة، وهي تتفاعل رغم قدم الملف واعتراض العديد من الجهات نظراً للأضرار البيئية الكبيرة، ويبقى السؤال: هل تدرك الجهات المعنية مخاطر هذه الأكياس الصحية والبيئية؟ ولماذا الإلحاح في استصدار قرارات لا تخدم الإنسان وبيئته؟
الطحين أيضاً
أثناء الإعداد لهذا التحقيق أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قراراً يقضي بتمديد السماح باستخدام أكياس البولي بروبلين في تعبئة الحبوب والدقيق حتى أواخر شهر حزيران من العام الجاري، وهنا نسأل: أين وزارة البيئة من كل ما يجري أم إنها لم تسمع بعد بهذا القرار؟ أيضاً أين رأي وزارة الصحة وماذا عن دورها في حماية صحة الناس؟ علماً بأن الصوت الوحيد الذي سمعناه كان لرئيس جمعية حماية المستهلك الذي أكد رفضه لقرار تمديد السماح باستخدام هذه الأكياس في تعبئة الحبوب والدقيق، نظراً لما لها من مخاطر بيئية وصحية ودعا إلى الحد من استخدام هذه المادة والعودة إلى المواد الصحية كما هو متبع في كل دول العالم المتقدم.. ولكن هل هناك من يسمع؟
قيد المداولة
حالياً هناك محاولات للحصول على موافقة رئاسة مجلس الوزراء لاستخدام أكياس البلاستيك في تعبئة الإسمنت لشركات القطاع العام بحجة تحقيق وفر أكثر من 500 مليون ليرة سورية سنوياً والتخوف من فقدان الأكياس الورقية وحسب المعلومات هناك مبالغات في التقديرات هدفها تمرير القرار لمصلحة جهات معينة كما أن المعطيات تؤكد أن قيمة الوفر لا تتجاوز 200 مليون ليرة سورية، ولاسيما إذا تم احتساب خسائر الدولة والعاملين من توقف معمل الورق ومعامل الأكياس وإمكانية إعادة تدوير أكياس الإسمنت عدا الأضرار البيئية الخطيرة التي يمكن أن تلحق بالبيئة من جراء رمي هذه الأكياس فيها.
كما أن المبالغة في توجيه الأنظار إلى إمكانية فقدان مادة الورق من السوق لا صحة لها حسب المعنيين في معمل ورق دير الزور... لأن العقد القائم والمخازين تكفي حسب الطاقة الإنتاجية الحالية حتى منتصف 2014 وبالتأكيد هناك إمكانية لعودة معمل الورق للإنتاج في وقت أقرب بكثير مع تحسن الوضع الأمني.
وهنا دعونا نسأل: إذا كان الوفر الحاصل في سعر الكيس لايتجاوز 60 قرشاً حسب المناقشات التي دارت في الاجتماعات الأخيرة وهو رقم غير ثابت لأنه مرتبط بأسعار مادة البولي بروبلين والمرتبط بسعر سوق النفط العالمي، فهل الوفر المرجو يوازي الضرر البيئي الذي يمكن أن يحصل نتيجة الرمي العشوائي لهذه الأكياس؟ كما أن معظم دول العالم المتقدمة تمنع استخدام هذه المادة لتعبئة الإسمنت المستخدم على أراضيها وإنما فقط تصدرها حفاظاً على سلامة بيئتها، فهل نسمح نحن بذلك ولاسيما أن لدينا صعوبات جمة في إدارة النفايات الصلبة؟
الجهات المعنية تقترح أكياس الورق فلماذا الإصرار على البلاستيك؟ هل 60 قرشاً كوفر للكيس تبرر زرع بيئتنا بملايين الأكياس البلاستيكية؟
لمصلحة مَن؟
أكياس البلاستيك المصنعة من مادة البولي بروبلين والتي طرحت فكرة وضعها في الاستهلاك لتعبئة مادة الإسمنت، أعيد طرحها مرات ومرات، فمنذ عام 2001 أصدرت الجهات الوصائية عدة توجيهات بعدم السماح باستخدام الأكياس البلاستيكية الملوثة للبيئة في تعبئة مادة الإسمنت المستوردة، ومنها كتاب القيادة القطرية رقم 8112/ص تاريخ 17/5/2001، وكتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 8112/ص تاريخ 20/8/ 2001، وكتاب السيد وزير الدولة لشؤون البيئة رقم 3562/ص.ب تاريخ 18/9/ 2001، وكتاب القيادة القطرية رقم 6772/ص تاريخ 27/4/2002 المستند إلى كتاب أمين فرع الحزب في حماه رقم 125/ص تاريخ 17/10/2002، وكتاب وزير الصناعة رقم 309/ص م تاريخ 17/10/2002.
وقد أعيد طرح موضوع السماح باستخدام أكياس البلاستيك منذ عام 2009 وقوبل بالرفض بموجب القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء رقم 3165/1 تاريخ 7/4/2010، ثم تكرر طلب الموافقة خلال عام 2011 وقوبل أيضاً بالرفض بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 824/1 تاريخ 15/1/2012 استناداً إلى توصية اللجنة الاقتصادية بالجلسة رقم /2/ تاريخ 9/1/2012.
إذاً... في حال السماح باستخدام الأكياس البلاستيكية في تعبئة مادة الإسمنت من الناحية الاقتصادية فإن ذلك قد يحقق وفراً في تكلفة سعر الكيس لكن من دون النظر إلى انعكاس ذلك على النشاطات التابعة لصناعة الأكياس، إذ توجد لدى المؤسسة العامة للإسمنت أربعة معامل لإنتاج أكياس الإسمنت من مادة الورق، ولدى هذه المعامل ما يزيد على 300 عامل تابع للقطاع العام، وقيمة الاستثمارات الموضوعة في هذه المعامل سوف تتجمد.
إضافة إلى ذلك فإن معمل الورق في ديرالزور ينتج كامل احتياجات المؤسسة العامة للإسمنت سنوياً ويعمل في المعمل ما يزيد على 700 عامل، إضافة إلى استفادة ما يزيد على 3000 أسرة من الدورة الإنتاجية للمعمل.
الدراسات تحذر..
وزارة الدولة لشؤون البيئة سبق أن قامت بحملات لمحاربة البلاستيك، كما أنها أعدت دراسة عن الأضرار التي تلحق بالبيئة من خلال استعمال مادة البلاستيك والأضرار الصحية التي تسببها سواء للإنسان أو الحيوان والتلوث الذي يلحق بالمياه الجوفية والبحرية، وإن الأكياس البلاستيكية صعبة التفكك وقد تستغرق مئات السنين، ولتلافي خطرها المميت هو إزالة تدريجية لاستعمالها وإنتاجها والاستعاضة عنها ببدائل صحية للإنسان والبيئة والاعتماد على عبوات ذات منشأ نباتي قابل للتدوير.
وقد أجريت دراسات موسعة في دول العالم كلها والتي أكدت في النتيجة ضرورة الاستغناء عن استعمال البلاستيك حفاظا على البيئة للأجيال القادمة. ونرفق بعضاً من هذه الدراسات.
إن التخلص من البلاستيك عن طريق الحرق يحتاج إلى درجة حرارة تصل إلى 1200 درجة مئوية وينتج عنها غاز الديوكسين والفيوران وهما غازان سامان ومسرطنان وان بعض المواشي تعمد إلى استهلاك البلاستيك وهذا يؤدي إلى نفوقها.
وقد صدرت في عدة دول في العالم تعليمات منع استعمال البلاستيك كليا والاستعاضة عنه بعبوات ومواد صديقة للبيئة.
البيئة ترفض
المهندس أديب المصري- مدير السلامة الكيميائية في وزارة الدولة لشؤون البيئة أكد أن الوزارة أشارت في جميع قراراتها إلى أنها تفضل استخدام المواد القابلة للتحلل بدلاً من المواد البلاستيكية في تعبئة الإسمنت بسبب الضرر البيئي الذي يمكن أن يحدثه رمي هذه الأكياس بشكل عشوائي في البيئة، وبأن المقترح الذي خلصت إليه اللجنة المشكلة في وزارة الدولة لشؤون البيئة والتي ضمت ممثلين عن وزارة الصناعة، وزارة الاقتصاد والتجارة والمؤسسة العامة للإسمنت في محضر اجتماعها رقم 142/م تاريخ 21/9/2008 الموافقة على استخدام أكياس البولي بروبلين لتعبئة مادة الإسمنت كان مشروطاً بعدة اشتراطات وقد بينت وزارة الصناعة بموجب كتابها رقم 1132ص1 4/12 تاريخ 13/9/2012 بأن هذه الاشتراطات متعذرة التنفيذ وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وفي ظل الظروف الراهنة نرى أنه من الصعوبة إيجاد آلية ملزمة لتطبيق إدارة متكاملة لدورة حياة الأكياس البلاستيكية، وبناءً على ذلك أكدت وزارة البيئة ما يلي:

- كتاب رقم /1961/ ب/ش/ف تاريخ 15/4/2009 المتضمن بموجبه تأييد كتاب السيد وزير الصناعة رقم /632/ تاريخ 5/4/2009 بعدم السماح باستخدام الأكياس المصنعة من البولي بروبلين في تعبئة الإسمنت.
- كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 824/1 تاريخ 15/1/2012 المتضمن بموجبه الموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية رقم 2 تاريخ 9/1/2012 بعدم الموافقة على استخدام أكياس البولي بروبلين لتعبئة مادتي الطحين والإسمنت بدلاً عن الأكياس القطنية والأكياس الورقية المعمول بها حالياً.
كما أن اللجنة المشكلة في وزارة الصناعة بالقرار رقم 1660 تاريخ 22/11/2012 بناءً على موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 14342/1 تاريخ 7/10/2012 والتي تضم في عضويتها ممثلين عن وزارات (الصناعة، التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الدولة لشؤون البيئة، الدولة لشؤون المشاريع الحيوية) خلصت إلى اقتراح عدم السماح بتعبئة الإسمنت بأكياس البولي بروبلين لأسباب اجتماعية واقتصادية وبيئية وتوفر البديل الآمن وهو ورق الكرافت المستخدم في صناعة الأكياس الورقية.
صوت البيئة
ألف عام لتتحلل المواد البلاستيكية ومع ذلك يرى البعض أن لا ضرر في ذلك بل تصدر القرارات المؤيدة للبلاستيك والغريب أن العديد من الدول أعلنت الحرب عليها في محاولة للحد من تأثيراتها السلبية، وفي بلادنا المسألة تزداد خطورة مع التغاضي عن مضارها الصحية والبيئية لصعوبة التخلص منها حيث تبقى بقاياها مع التربة كما هي، حتى في الأنهار والبحيرات والبحار وهذا يخلق مشكلة من الصعب حلها!
وفي نظرة سريعة ومقارنة لمزايا ومساوئ أكياس الورق وأكياس البولي بروبلين نجد أن مزايا الورق هي: سهولة في التعبئة وهدر مواد أقل، كما أنها قابلة للتحلل العضوي وإعادة التدوير والمواد الأولية متجددة طبيعياً وأكثر مرونة في عملية الإنتاج.. أما المساوئ فهو وزن أثقل وكلفة أعلى.. ومن مزايا أكياس البولي بروبلين أنها أرخص ولا تتمزق، ومن مساوئها انزلاق وميلان الأكياس خلال النقل بالسيارات، وهي غير قابلة للتحلل العضوي وليست من مصادر متجددة طبيعياً، وهذه المواصفات وفقاً لدراسة معدة من قبل شركة (أزامر) النمساوية وهي من كبريات شركات الإسمنت في أوروبا، كما أعدت دراسة في السوق الأوروبية المشتركة عن استخدام أكياس البلاستيك ومضاره.
بعد كل ما قيل وسيقال عن أضرار أكياس البلاستيك... نسأل: لمصلحة من صدور قرارات تضر الإنسان وبيئته ووجوده؟! ألم يحن الوقت لإنهاء الجدل العقيم في هذا الملف رغم اعتراض العديد من الجهات؟
ما نأمله فعلاً ولاسيما من وزارتي الصحة والبيئة، إعلاء الصوت حماية لصحة الإنسان فهل هناك من يهتم أم إن صوت المصالح والمحسوبيات أقوى وأعلى؟!

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024