الثلاثاء 2014-11-18 05:08:16 صحافة وإعلام
دي ميستورا ..تجميد الإرهاب أم إنقاذه ؟؟!

د. تركي صقر
لايجب أن يغيب عن بالنا أن مهمة أي موفد دولي مهما كانت جنسيته ظلت تتأثر بالنفوذ الأمريكي وبدرجة فاضحة في كثير من الأحيان إلا أنه في الحالة السورية وخاصة بعد حدوث تبدلات كبيرة في موازين القوى على الأرض لصالح الدولة السورية لم يعد النفوذ الأمريكي مستفردا ووحيدا بل غدا الموقف الروسي والإيراني فاعلا ومقررا وعليه فالطرح الذي حمله دي ميستورا إلى دمشق بتجميد القتال في حلب صحيح أنه جاء مدفوعا إليه من الإدارة الأمريكية أو على أقل تقدير محاط بدعم وتشجيع أمريكي ولكن الصحيح أيضا أنه ماكان ليتم لولا الموافقة الروسية المسبقة وهذا ما دل عليه تزامن الحديث عن موسكو 1 مما يعني حضورا روسيا أكثر تأثيرا وفعالية في الحل السياسي للأزمة في سورية .
حرص  دي ميستورا على الابتعاد عن استخدام كلمة هدنة واستخدم كلمة تجميد لأن الهدن السابقة فشلت كلها مع ملاحظة  أن دي ميستورا استوعب الفشل الأمريكي في فرض استسلام على سورية، وأنه وقف على حجم القوى الإقليمية والدولية التي  تعارض بقوة أي نوع من أنواع فرض الاستسلام على سورية الأمر الذي أرغمه على سلوك طريق مزدوج فيه تجاهل ظاهر للموقف الأميركي الداعي إلى الاستسلام وفيه اعتراف بدور القوى المعارضة للسياسة الأميركية التي تقف إلى جانب سورية في معركتها الجارية للحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها ومؤسساتها الشرعية .
والسؤال المطروح هل ينجح دي ميستورا فيما فشل غيره ؟؟
حتى الآن ظهر أن هناك من رحب بطرح الموفد الدولي سواء في موسكو  أم في واشنطن وهناك من لم يرفض كدمشق وهناك رفض من أطراف المعارضة  للاستهلاك الإعلامي وهناك من سيمنع بالحديد والنار تنفيذ هذا الطرح من العصابات الإرهابية على مختلف مسمياتها ومن  يقف وراءها ولاسيما تركيا وقطر وإذا أراد دي ميستورا أن تكون خطوته ناجحة فعليه أن يضع نصب عينيه أموراً يؤدي تجاهلها إلى إجهاض مهمته كما أجهضت مهمات من سبقه وهذه الأمور تتمثل بما يلي :
-  انطلاقه من الإقرار بحقيقة أن السبب الأساس في كل ما يجري في سورية هو التدخل الأمريكي الغربي مع أنظمة خليجية و بشكل سافر في قضايا داخلية تخص الشعب السوري وحده، وما الإرهاب الذي يستخدمه الغرب بقيادة أميركية لتنفيذ عدوانه على سورية سوى صناعة أمريكية غربية خليجية صرفة تستطيع  واشنطن إن أرادت في أية لحظة وقفها  .
- على دي ميستورا أن لا ينخدع بأكاذيب وجود القوى المعتدلة بين التنظيمات المسلحة  فالإرهاب هو الإرهاب لا تميز فيه بين متطرف ومعتدل وجميع من تطلق عليهم واشنطن قوى معتدلة ما رسوا شتى صنوف الإرهاب والإجرام وارتكاب الفظائع .
- على دي ميستورا السعي الحثيث لتجفيف منابع الإرهاب بكل أنواعها البشرية والمادية، وهنا يكمن الاختبار الفعلي للدول الغربية التي نجد الكثير ممن يحملون جنسيتها يرتكبون الجرائم الإرهابية على مساحة الأراضي  السورية ويتدفقون بالآلاف دون توقف .
- لاجدوى من أي تجميد في أية منطقة حتى لو صمد ما لم يتم  وقف إمداد الإرهابيين بالأسلحة والعتاد والذخائر والأموال الطائلة وبشكل جدي لا إعلامي، أما القول بتسليح المعارضة المعتدلة فهو نفاق يخفي الإصرار على العدوان وإطالة عمر الأزمة ..
- ثابت الثوابت الذي  ينبغي على دي ميستورا أن ينطلق منه في كل خطوة  في حلب وغير حلب هو  أن سيادة سورية قيمة لا تفريط بها ولا تنازل عنها ولا تتجزأ وأن أي مس بهذه السيادة يعني فشل أي حل سلمي يبحث عنه الموفد الدولي .
- على دي ميستورا أن يدرك جيدا أن سورية التي قاتلت الإرهاب طيلة السنوات الأربع الماضية غدت في حال يمكنها من القول بأنها قادرة على اجتثاثه من أراضيها دون أن تفرط بشيء من حقوقها، وأن ما يقوله أن كل الأطراف تعبت ولذلك تقبل بأي حل ليس دقيقا بالنسبة للدولة السورية   وهي وإن كانت تعمل وتريد الحل السلمي ليس لأنها عاجزة في الميدان كما يحاول البعض أن يوحي  ، بل لأنها تريد حقن الدماء وحفظ ما أمكن حفظه واستنقاذه من أيدي الإرهابيين .
-  على دي ميستورا أن يعلم  أن الإرهاب لا يمكن أن يكون محل ثقة وأم التجارب السابقة والهدن السابقة أن الإرهابيين الأجانب لاعهد لهم  وأنهم أصحاب سوابق في تخريب المصالحات الوطنية  ولا يمكن أن يكونوا طرفا في حوار وتفاوض أو اتفاق، فالحديث مع الإرهابيين الغرباء له لغة واحدة هي النار في الميدان حتى تطهير الأرض منهم  ولا يمكن أن يُمنح هؤلاء فرصة مهما كان عنوانها بما في ذلك وقف إطلاق النار أو تجميد النزاع أو الممرات الآمنة وغيرها.
إذا أنطلق دي ميستورا من هذه المعطيات كان على مقربة من إحراز كأس النجاح ويستطيع أن يقول لمن سبقه لقد كسبت الرهان فيما فشلتم به أما خلاف ذلك  فمن حق السوريين أن يكون لديهم توجس وشكوك وهواجس وريب من طرح دي ميستورا  في أن ما يريده هو تجميد الإرهاب لا تخليص سورية منه و إنقاذ المسلحين الإرهابيين من الهزيمة التي وصلوا إليها في حلب وليس إنقاذ حلب من براثنهم  وهنا سيحكم  دي ميستورا مبكرا على مهمته كلها بالفشل وسيلتحق بصف المنحازين الفاشلين الذين سبقوه ..!!
tu.saqr@gmail.com
 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024