الإثنين 2015-01-12 01:37:33 صحافة وإعلام
الاتفاقات التجارية... والاندماج في النظام العالمي

د. لمياء عاصي

سورية طريق التجارة القديم بين الشرق والغرب… طريق الحرير والتوابل بين الصين وأوروبا… حيث تمرّ وتتوقف القوافل، وتجري عبرها صفقات التبادل التجاري عبر التاريخ، ما هو حال سورية الآن في التجارة الخارجية…؟ لم يتبدل موقعها الاستراتيجي… فهل حافظت على بعض من مزاياها القديمة كطريق للترانزيت؟ كيف صاغت سورية علاقاتها التجارية مع الآخرين؟ وكيف يؤثر فيضان العولمة، على اقتصادها؟ هل نستطيع الاندماج في الاقتصاد العالمي الجديد، من دون أن نسبّب الآلام للمنتجين الصغار في القطاعات التي نملك فيها ميزات نسبية على الأقلّ؟


تعتبر التجارة الخارجية رافعة أساسية للنمو الاقتصادي وتعكس نقاط القوة والضعف في الاقتصاد الوطني، وتحدّد مستوى قدرته التنافسية، كما أنّ هناك إمكانية لأن يعزّز الانفتاح الاقتصادي، قدرة البلد على تعظيم الفرص الاقتصادية، هناك أيضاً خطورة، أن يشكل الانفتاح غير المدروس عاملاً رئيسياً لإضعاف قدرة المنتجين المحليين على مواجهة تدفق السلع من كلّ مكان، خصوصاً إذا لم يترافق مع سياسات جدية لتمكين المنتجات المحلية.

منذ بداية القرن الواحد والعشرين ومع تبنّي الحكومة السورية لاقتصاد السوق الاجتماعي، لم يعد الانفتاح التجاري خياراً، بل أصبح من متطلبات تطبيق النهج الاقتصادي الجديد، وفي هذا السياق، وقّعت سورية عدداً من الاتفاقات التجارية، التي شكلت في ما بعد، تهديداً حقيقياً لصناعتها التي لا تملك ما يكفي من عناصر القوة، التي تمكّنها من الصمود أمام المنافسة الشرسة للسلع الأجنبية. وفي هذا الإطار لا بدّ من ذكر، أهمّ الاتفاقات التجارية التي وقعتها أو ما زالت تفاوض عليها سورية، كما يلي:

1 – اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرىGAFTA ، التي بدأت بالنفاذ التدريجي اعتباراً من 1998 وتمّ الانتهاء من تخفيض الرسوم الجمركية التي بلغت صفراً على السلع ذات المنشأ العربي بنسبة لا تقلّ عن 40 في المئة، بحلول عام 2005، وعلى رغم أنّ الهدف الرئيسي من اتفاقية التجارة العربية كان تنشيط التجارة البينية العربية، ولكن ما حصل فعلاً، هو سوء استخدام لهذه الإتفاقية، حيث يقوم الكثير من التجار بالاستيراد إلى دولة الإمارات مثلاً بسبب الرسوم الجمركية المنخفضة فيها، ثم يتمّ تغيير شهادة المنشأ وإعطاء البضائع شهادة منشأ عربية، لتدخل بعد ذلك إلى سورية برسوم جمركية تساوي صفراً.

هنا لا بدّ من القول، إنّ اتفاقية التجارة الحرة بين البلاد العربية، يجب أن تكون مسبوقة باتفاقية جدار جمركي موحد لتوحيد الرسوم الجمركية تجاه كلّ دول العالم.

2 – اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، وقّعت في عام 2004 ودخلت النفاذ عام 2007، وبعد تطبيقها، بدأت الورش الصغيرة والشركات الصغيرة بإغلاق أبوابها، لعدم قدرتها على الصمود أمام المنتجات التركية التي تتمتع بالقوة والقدرة على المنافسة، خصوصاً أنّ الاتفاقية كانت مجحفة فعلاً، إذ إنّ تركيا تفرض رسوماً على البضائع السورية إليها، تحت مُسمّى «رسوم العائلات الفقيرة»، بينما لا يستطيع السوريون فرض أي رسم على المستوردات التركية، وعندما اندلعت الأزمة السورية، تعالت أصوات كثيرة مندّدة بالانفتاح التجاري وخصوصاً مع تركيا، وما سبّبته من مشاكل واختناقات اقتصادية، برغم ما قيل عن ازدياد الصادرات إلى تركيا، فإنّ معظم تلك الصادرات كانت عبارة عن مواد أولية ونصف مصنعة من دون قيم مضافة كبيرة، استفادت منها قلة من التجار فقط، ولم تنعكس على شرائح واسعة من الناس، بل بالعكس فإنّ أعداد من خسروا وظائفهم كانت في ازدياد.

3 – اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، التي من المفروض أن تعكس استرتيجية الاتحاد الاوروبي المعلنة لتحقيق الشراكة مع دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، كما جاء في إعلان برشلونة عام 1997، لتطوير المنطقة وتجنّب الإرهاب والهجرة غير الشرعية ولتسويق المنتجات، ولكن الحقيقة أنها في جوهرها اتفاقية تجارة حرة شملت السلع والخدمات، وفي الأزمة السورية التي امتدّت للعام الرابع، مارس الاتحاد الأوروبي دوراً قذراً في تمويل وتسليح وتشجيع الإرهابيين على العبث بأمن سورية تحت ذريعة تشجيع الثورة السورية، والحقيقة، أنه لم تجر دراسة حقيقية… لتأثير هذه الاتفاقية على الاقتصاد السوري… وخصوصاً الفرص التي ستمنحها للمنتجين السوريين، والتحديات أو الأخطار التي ستواجهها الشركات والمشاريع الصغيرة، وانعكاساتها على قطاعات اقتصادية مهمة مثل قطاعات الأدوية والصناعات النسيجية وغيرها.

للتاريخ سأقول، أنه بينما كان بعض أعضاء مجلس الوزراء، يضغطون باتجاه توقيع الاتفاقية، واعتبارها فرصة تاريخية لسورية… فإنّ الرئيس بشار الأسد… هو الوحيد الذي ساند وقرّر التريث في التوقيع، حتى تجري وزارة الاقتصاد دراسة معمّقة حول الآثار السلبية والإيجابية… لاتفاقية الشراكة على القطاعات الاقتصادية المختلفة في سورية، حتى نتفادى الأضرار المحتملة على القطاعات الاقتصادية المختلفة في سورية… وقبل أن تنتهي الدراسة، بدأت الحرب في سورية، وتوقفت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

4 – اتفاقية التجارة الحرة مع إيران، وقعت للمرة الأولى في بداية عام 2011، ثم جرى تعديلها وتسريع الجدول الزمني لتخفيض الرسوم الجمركية بين البلدين، ولم يجر اختبار هذه الاتفاقية، خارج إطار الأزمة، لأنها دخلت النفاذ خلال الأزمة.

5 – قُبلت سورية في منظمة التجارة الدولية الـWTO، كعضو مراقب في 4 أيار 2010، وتوقفت عملية متابعة إجراءات الانضمام، بسبب الحرب الطاحنة في سورية، والسبب الرئيسي الذي جعل سورية تقدم طلباً للانضمام إلى هذه المنظمة الدولية، هو أنّ عدد الأعضاء وصل إلى 156 دولة كاملة العضوية و25 دولة بصفة مراقب، ولا يمكن أن تكون سورية دولة معزولة عن الدول الأخرى، وعلى رغم اشتراطات المنظمة بتفكيك الرسوم الجمركية حسب جدول زمني بموجب هذه الاتفاقية، ولكن الدول عادة تلجأ إلى سياسات تبني حواجز مختلفة لإعاقة الاستيراد وتشجيع منتجاتها الوطنية، لا تعتمد على الرسوم الجمركية وإنما على المعايير والمواصفات الفنية ومستويات الجودة.

6 – بدأت سورية بالتفاوض مع الاتحاد الجمركي لدول روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، حيث تعتبر أسواق هذه البلدان، أسواقاً مناسبة للمنتجات السورية ويمكن أن نحقق توازناً في علاقتنا التجارية معهم، كما كان هناك أيضاً طلب انضمام إلى «ميركوسور» في أميركا اللاتينية.

في شكل عام، غالباً ما تكون الاتفاقيات التجارية التي توقعها أي دولة مع العالم الخارجي سبباً لقلق وغضب بعض القطاعات الاقتصادية والمجتمعية، وتدخّلها في سير المفاوضات أو حتى إيقافها، مثلاً، في المفاوضات بين ماليزيا والولايات المتحدة الأميركية تدخلت جمعية المستهلكين في مدينة بينانغ، وأعاقت توقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، بسبب عدد من المواضيع الأساسية، أهمّها: تأثير الاتفاقية على الصناعات الناشئة والشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الماليزية، وحقوق الملكية وانعكاساتها على إمكانية الحصول على الأدوية المعقولة الثمن، ثم المواضيع الزراعية وخصوصاً مزارعي الرز والأغذية المعدلة وراثياً التي رفض الماليزيون التعامل معها في شكل مشابه للأغذية العادية، وبالطبع، الأميركيون يصوّرون لأي بلد بأنّ مثل هذه الاتفاقية ستجلب لهم النعيم، مع ذلك تمّ تعليق المفاوضات التي بدأت في عام 2006 ولا تزال معلقة حتى الآن.

اليوم، هناك ضرورة قصوى، لأن تعيد سورية النظر باتفاقياتها التجارية، لأسباب عدة أهمّها:

أولاً: الحاجة إلى اتباع سياسات لتمكين المنتجات والصناعات المحلية في شكل يمكنها من المنافسة، لتعزيز الإنتاج ورفع الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب وتحسين مستوى معيشة الناس وحياتهم.

ثانياً: رفع حصيلة الرسوم الجمركية كمورد أساسي للدولة، وهي في حاجة ماسة إلى زيادة مواردها للاضطلاع بمهماتها الأساسية كدولة، وبما أنّ الاتفاقية مع تركيا تمّ تعليقها، واتفاقية الشراكة مع الأوروبيين تمّ توقيف العمل في شأنها، تبقى اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، لضبط إساءة استخدام هذه الاتفاقية من قبل التجار في الدول الأخرى، واستكمال التفاوض مع دول الاتحاد الجمركي الثلاث روسيا وبيلاروسيا، وكازاخستان ، وغيرها من الدول ذات الأسواق التي تلقى فيها الصادرات السورية رواجاً.

أخيراً، لا بدّ من القول، إنه على رغم أنّ الاندماج في الاقتصاد العالمي ومسايرة الاتجاهات العالمية في التجارة، هو ضرورة يفرضها الواقع، ولا يمكن أن نكون جزيرة معزولة، ولكن… ضمن هذا الاندماج وضمن هذا الواقع، يمكننا فعل الكثير، لتمكين منتجاتنا المحلية… وجعلها أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية.
 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024