الأحد 2015-04-12 15:40:00 **المرصد**
مفاجأة القرن.. التقارب الكوبي- الأميركي!
د. تركي صقر

كان مستبعدا حتى من الخيال حصول تقارب بين ألد خصمين في هذا العالم على مدى ما يقارب الستة عقود هما كوبا والولايات المتحدة الأميركية ولكن ظهرت أولى الإشارات على إنهاء القطيعة المزمنة عندما تصافح أوباما وراؤول كاسترو بشكل خاطف قبل عام في جوهانسبرج أثناء جنازة رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا وبعدها أعلنا في وقت متزامن في 17 كانون أول العام الماضي عملية التقارب بين البلدين،

 وكرّت السبحة إلى لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الكوبي برونو رودريغز قبل ساعات من انعقاد قمة الأميركيتين في العاشر من الشهر الجاري في بنما، في لقاء يعد الأول بين مسؤولين من البلدين بهذا المستوى منذ ثمانية وخمسين عاماً توج بعدها بلقاء تاريخي في القمة ذاتها بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والكوبي راؤول كاسترو، وبما يكرس التقارب بين الولايات المتحدة وكوبا، بعد مضي ما يزيد على نصف قرن من العداوة الشديدة إلى أبعد الحدود وفي كل المجالات.

لا نريد أن نغرق في تفاصيل من اقترب من ممن.. كوبا أم الولايات المتحدة الأميركية؟؟ ولا نريد أن نسأل أي من الطرفين بحاجة إلى هذا التقارب أو من له مصلحة أكبر أو من هو الخاسر ومن هو الرابح؟؟ إنما نريد الإشارة إلى أن هذا التقارب الذي يأتي متزامناً مع تقارب آخر مماثل إلى حد ما هو التقارب الإيراني- الأميركي عبر التفاهم الإطاري حول الملف النووي الإيراني مؤخراً وبعد قطيعة تقارب الأربعة عقود يحمل في مضمونه عدداً من الدلالات نذكر منها ما يلي:

- إن التقارب الكوبي- الأميركي بعد قطيعة عقود مديدة دليل على أن العقوبات التي تفرضها القوى الكبرى لا جدوى منها كما يظهر التقارب والحماس الأميركي من مختلف الأوساط، أن سياسات العزل والعقوبات التي تفرضها الدول المتكبرّة ضد رغبات الدول المستقلة غير فعالة.

- إن تقارب وتقرب إدارة أوباما الجاري حاليا مع كل من كوبا وإيران دليل على أن الثبات على المواقف والدفاع عن الحقوق وعدم التفريط أو التنازل أمام الخصم يفرض عليه الاحترام ويجبره على رفع الحصار والعقوبات ويلزمه بإلغاء لائحة الإرهاب التي جعل منها سيفا مسلطا على استقلالية الدول في قراراتها الوطنية.

- إن التقارب دليل ومؤشر على أفول عصر الهيمنة الأميركية وأحادية القطب الأميركي التي خيمت عقودا على العالم وانفردت بالقرارات الدولية وعبثت بمصائر الدول وأجبرت الدول الأوروبية على مشاركتها في العقوبات والحصار الاقتصادي على أي دولة تناهض سياساتها وتقف في وجه مشاريعها الاستعمارية.

- إن التقارب مع كوبا وإيران لن يكون نهاية المطاف بل ربما سيكون بداية لسلسلة من التقاربات وإنهاء المقاطعات مع دول أخرى بعد أن باءت بالفشل مثل هذه السياسة الأميركية الرعناء وباتت معظم النخب السياسية في مراكز القرار الأميركي على قناعة بالتخلي عنها والتحول نحو علاقات إيجابية قد تحسن من صورة أمريكا وسمعتها التي وصلت إلى الحضيض في العالم.

قد يظن بعضهم أن كوبا بهذا التقارب ربما تتخلى عن عقيدتها أو نظامها السياسي أو قد تفرض عليها واشنطن تغيير تحالفاتها وإدارة الظهر لأصدقائها لكن التأكيدات تتتالى على لسان المسؤولين الكوبيين في أعلى المستويات حيث يقول الرئيس «كاسترو»: كوبا ستواصل تطبيق النظام الشيوعي في الوقت الذي ترحب فيه بتطبيع العلاقات مع واشنطن وتطالب الولايات المتحدة باحترام نظامها الاشتراكي.

وليس صحيحا أن كوبا ستبيع حلفاءها الذين وقفوا معها طوال سنوات الحصار مثل فنزويلا وإيران وسورية وكوريا الديمقراطية وغيرها فإذا كانت بالأساس ضد سياسة العقوبات والعزل الأميركي فمن غير المعقول أن تجد نفسها في خندق واحد مع واشنطن للمشاركة في زيادة العزلة والحصار فعدو الأمس اللدود لن ينقلب إلى صديق حميم بين عشية وضحاها والقيادة الكوبية لن تبهرها الإغراءات الأميركية لتخسر أصدقاءها المجربين، لذلك تكررت تصريحات المسؤولين الكوبيين بعد الإعلان المشترك عن التقارب مع الولايات المتحدة أن كوبا ستعزز علاقاتها مع الأصدقاء ولن تغير سياستها الخارجية وستكون العلاقة الجديدة مع أمريكا فرصة إضافية لمصلحة أصدقائها وليس على حسابهم.

ويراهن بعضهم على أن كوبا سوف تتغير بعد عودة علاقاتها مع واشنطن وان كوبا قبل عودة العلاقات لن تكون كوبا ما بعد عودة العلاقات ويدللون على ذلك بقول احد المغردين الكوبيين على التوتير حين يكتب : أنك عندما ترى فرح الشارع الكوبي بعودة العلاقات مع أمريكا وكأنه دخل الجنة ستعلم عندئذ أن الكوبيين لم ينتصروا، هم يشعرون الآن وكأنهم وجدوا الكنز الضائع ونحن نعلم أن أمريكا ستبتلعهم كما ابتلعت من قبل أوروبا الشرقية وكوبا بعد اليوم لن تكون كوبا كاسترو.

لكن ما حصل من تقارب في الحالتين الكوبية والإيرانية لا يدل على أن الأمر قد جاء من موقع الضعف أو بسبب انصياع كوبي- إيراني للضغط الأميركي أو خضوع للإجراءات الأميركية المتعددة، صحيح أن العقوبات كانت جائرة وقاسية وأثرت على نمو اقتصاد البلدين إلا أن الصحيح أيضا أن صمود البلدين طوال هذه السنوات جعل الساسة الأمريكان يفهمون أن عقوباتهم بلا معنى وهذا ما قاله أوباما دون مواربة عندما أعلن عن البدء بعهد جديد مع كوبا، مشيراً إلى أنه سيعمل على تطبيع العلاقات بين البلدين، وسينهي «نهجاً عتيقاً» عفا عليه الزمن في السياسة تجاه هافانا. وتابع قائلاً: «اليوم تختار أمريكا فك أغلال الماضي لتصل إلى مستقبل أفضل للشعبين الكوبي والأميركي».

 في مطلق الأحوال يعتبر التقارب الكوبي- الأميركي مفاجأة القرن وهو يأتي في سياق التغيير في السياسة الأميركية تجاه كوبا ولاحقا تجاه إيران والذي وصف كلاهما بالتاريخي، ليؤكد أن إدارة أوباما اضطرت مرغمة لسلوك هذا النهج ضمانا للمصالح الأميركية وبأقل الخسائر وحفاظا على ما تبقى من ماء الوجه وليس العكس كما يحلو للمروجين والمسوقين لمعزوفة أن إرادة أمريكا لا راد لها وفوق إرادات الجميع ولا تقف في طريقها أي قوة في هذا العالم وحان الوقت أن يقتنع هؤلاء المطبلون والمزمرون لجبروت سيدهم الأميركي ووحدانيته أن هذا الظالم المتغطرس بدأ مجبراً على النزول عن عرشه وان السياسة الأميركية الجديدة في العالم بدأت تتغير بسرعة، وان كانت هناك بوادر تفرضها طبيعة المصالح نفسها حين تتبدل مواقع الأعداء إلى اصدقاء ومن لم يفهم هذا التغيير من أصحاب عواصف الحقد والجنون سيفوته القطار وسترتد عليه عواصفه الحمقاء عاجلاً أم آجلاً..

tu.saqr@gmail.com

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024