الأحد 2016-04-17 08:10:42 من اللاذقية
شباب غيّرت الحرب حياتهم ..حكايات الأمس واليوم والنهايات المجهولة

رشا ريّا- سيريانديز- اللاذقية

يمشون بخطى متثاقلة, بوجوه لوحتها الشمس, حتى يُخيل إليك أن أصحاب تلك الوجوه يملكون من العمر ما لا يمكن حسابه, واحد من هذه  الوجوه هو لرامي الشاب العشريني الذي رفض أن يعترف بوجود حرب في البداية ولكنه استيقظ على فاجعة خسارته لأقربائه الستة, الذين استشهدوا واحداً تلو الآخر, لتبدأ معها رحلة معاناته النفسية والمعيشية.

رامي روي لسيريانديز قصته التي تقول : إن خساراته هذه  دفعت  والده للتخلي عن عمله المتعب بالإسمنت, والعمل في ميني ماركت, ومع الراتب البسيط لوالده وعدم عمل والدته, بدأ حكاية البحث عن عمل, خاصة أنهم ثلاثة أولاد في المنزل والراتب لم يعد يعيلهم.

مضيفاً : "قبل الأزمة كنا نعيش حياة شبه كاملة, فراتب والدي, كان كافياً لإعالتنا بشكل مقبول , ربما لم نكن حتى من الطبقة المتوسطة ولكنني لم أحتج يوماً للعمل, إلا مع بدء الأزمة والظروف الاقتصادية التي باتت خانقة فالراتب لم يعد يكفينا لنأكل حتى"

رامي كان يحلم بدراسة الهندسة المعمارية, والتي حُرِم منها, لأن وضع والده الإقتصادي لا يسمح له بدفع قسط التعليم الموازي فاضطر للتخلي عن حلمه ودراسة الهندسة الزراعية, يمشي تارة قاصداً وظائف إدارية "كالمحاسبة في إحدى المطاعم" مع وقت عمل متعب وتارةً أخرى وظائف "تمشاية الحال" كما يقول ولكنَّ الغالب أن أغلب الطرق مسدودة ونادراً ما يتم قبوله بعمل ربما أسهل من غيره خاصة أنه يدرس في الجامعة.

وينهي الشاب حديثه: " يمكن الطبقة المتوسطة اختفت, والأكيد إنو ما في فرص للشباب اللي بعمري واللي بحاجة" .

أمّا دريد  فهو خريج متفوق يعمل معيداً في الجامعة, و كان يعتقد أن تفوقه سيؤمن له ما يكفيه, يضطر اليوم للعمل في المقاهي, متحدثاً لسيريانديز: "المشكلة ليست أن الراتب قليل, بل بغلاء الأسعار الذي بات غير مقبول, مع العلم أنني أسكن بمفردي في المحافظة لأن أهلي في محافظة أخرى, ولكنني لا أستطيع إلا أن أبعث لهم ولو بمبلغ قليل خاصة أنني أصبحت مسؤولاً معهم عن أعباء المنزل وأخوتي"  .

ثم يتابع ممازحاً: "أنا سعيد بأعمالي الكثيرة من الصباح وحتى المساء, لأعود منهكاً للمنزل, وأحلم بانخفاض الدولار, فجميع السلع حتى ذات الإنتاج المحلي يربطوها بغلاء الدولار, إلى درجة أصبحنا نرى الدولار في أحلامنا, خوفاً من وصولنا الى مرحلة لا نملك فيها ثمن طعام". من جهة أخرى يتساءل البعض لماذا عليه العمل, في عمر يجب أن يكون من أجمل مراحل حياته, فالبحث عن عمل لم يقتصر على الشباب حصراً, باتت حتى الفتيات تبحث عن فرص, حالها حال جميع أفراد المجتمع.

 المهندسة نايا "اسم مستعار" تم تعيينها بعد التخرج, قالت: "شو بيعمل الراتب بهالإيام"، وتصف حالتها وهي تبحث عن طلاب في المرحلة الابتدائية لتقدم لهم الدروس الخصوصية, وتكمل: "بعد أن أنهي دوامي, أذهب لإعطاء الدروس, فالراتب لا يكفيني بما أنني أضطر لأعطي أكثر من نصفه لمساعدة عائلتي التي كانت تعد ضمن الطبقة الوسطى, ولكن الأكيد أنها لم تعد كذلك, فالظروف, الأوضاع, والغلاء باتت غير مقبولة ، في وقت آخر أرى من هم في عمري, أكبر أحلامهم الجلوس في كافتيريا ".

مضيفةً: "أعتقد أن الحرب جعلتنا نكبر قبل أواننا". بالنسبة لعلي الشاب الذي لم يستطع إلا الضحك عند سؤاله مجيباً بجملة مختصرة: "عايش ع حساب رفقاتي, ما حدا قلن يكون معن مصاري وأنا لأ". من جهة أخرى, ريم الفتاة التي "ليست بحاجة للعمل", حسب وصفها, إلا أنها تستمتع بعملها وبكونها إنسانة مسؤولة عن نفسها, وباتت تعد منتجة, تقول بشيء من الرضى: "أنا أعلم أنني أعيش في وضع أفضل من غيري, ولكنني لا أفكر بهذه الطريقة, فأنا أحب فكرة كوني أعمل, بالنتيجة أريد أن أصنع نفسي, وأعيش جميع العوائق بنفسي"

. سيريانديز سألت أحد تجار المواد الغذائية عن الغلاء الذي يشد خناقه على رقاب الجميع , فأوضح: "إن الأمر ليس بيدهم, فهم يشترونها بسعر غال, وطبعا حسب الدولار, لذلك لا نستطيع تخفيضها على المواطن, فبالنهاية جميعنا مواطنين, وجميعنا نريد العيش" .

أخيراً نقول : لربما ارتطمت أحلام الأمس بالواقع , واقع يتنبأ بمصيرٍ مجهول لهؤلاء الشباب الذين صنعتهم الظروف الخانقة للحرب, لكنهم بقوا مصرين على  صناعة الأمل, متمسكين بشعاع تفاؤل علّه يبصر النور.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024