السبت 2016-04-30 05:55:41 من اللاذقية
أيّها البحر الذي كان !

سيريانديز- مكتب اللاذقية - رشا ريّا

من ينتظر قراءة تقرير أو تحقيق احترافي و خاضع لقوانين الكتابة الصحافية أنصحه بألا يكمل ، لأن السطور التالية هي صدى لأنين فتاة عشرينية وقعت صدفةً على ألبوم قديم يحوي صور مدينتها ، و هي محض حنين .

 كان الهدف من توسيع مرفأ اللاذقية خلق نشاط اقتصادي في مدينة تعتز بشاطئها  فإنتهى الأمر باحتلال الكونتينرات و (الحاويات) للجزء الأجمل من الشاطئ المحاذي للمدينة.

جيل الستينات يذكر بالتأكيد (مسبح فارس) مقصد معظم "اللوادقة" للسباحة على الرغم من تمايز خلفياتهم, كما يذكر مراكب صغيرة مربوطة إلى أسفل الصخرة التي يتربع عليها مقهى العصافيري منذ عام 1948, والتي كانت تشكل ما يسمى "ميناء الصيادين القديم".

اعتاد الصبية أن يصنعوا مراكب صغيرة ويأتوا لاستعراضها في تلك البقعة بالتحديد هكذا حدثتني إحدى صديقات والدتي حيث ما زالت تفاخر بأن والدها كان قد بنى لها مركباً وأطلق عليه اسمها ذا الرنين الأجنبي.

في الحقيقة لم تتفق البواخر الضخمة يوماً مع هوية المدينة, يبدو أنه كان على اللاذقية أن تبقى ذاك الميناء الفينيقي الصغير. اليوم يرتاد الكثيرون مقهى العصافيري (خاصةً جيل الشباب) دون أن يعلموا تاريخ المكان وكم خسِر من رونقه بعد توسيع المرفأ, وما يجهله كثيرون في الواقع أنَّ العصافيري ما هو إلا اسم الشيخ الذي يرقد في إحدى الغرف الداخلية المغلقة في المقهى.

كان اسم الشيخ محمد ويقال أنَّ أصله من أرواد حيث يعود زمن المقام تقريباً إلى عام 1898, وفي الموروث الشعبي اللادقاني يقال أنه لقب بالعصافيري لسرعة تنقله كالعصفور, كما أنَّ العصافيري المقيّد الآن بالميناء من الجهة الغربية وبشارع يعد من إحدى أكثر الشوارع ازدحاماً في المدينة وساحة المحافظة من جهة الشرق, وأخيراً بالحديقة التي تحمل اسمه (كانت تسمى سابقاً بالمنشية) من جهة الجنوب, ليس وحيداً في هذه المحنة. "

الكازينو" كذلك يتصدر قائمة ضحايا (المرفأ), حيث يعود تاريخ بنائه إالى عام 1926 على يدي مهندس معماري أرمني يدعى "ليموندجيان و بقي يتباهى بنفسه على مدى الأعوام المئة بسبب اطلالته الأندلسية التي تميزه عن بقية المباني الأثرية في اللاذقية ،حيث يغزو المدينة بشكلٍ جليّ نمطا عمارة- إما فرنسي بحت أو عثماني- وتوحي الصور المتبقية لشرفته الغربية أنها كانت تصلح لواحدة من تلك اللقطات السينمائية التي ينحني فيها العاشق أمام الجميع طالباً يد حبيبته للزواج .

قليلون من (اللوادقة) يذكرون أو بالأحرى يعنيهم أن يذكروا أنَّ كوكب الشرق أم كلثوم أقامت فيه في زمن جميل مضى عندما غنّت في مقهى "شناتا" المقابل له والذي لم يسلم هو الآخر من القصاص الذي يبدو ممنهجاً إزاء ذاكرة المدينة, فمنذ ما يقارب الشهرين أو يزيد ربما .. أعلن مقهى "شناتا" أنه سيغلق أبوابه ليُفرض النزوح على كثيرين من مرتاديه على مدى نصف قرن.

ومع هذا كله ما زالت اللاذقية وأهلها عنيدين كالموج ، ويسمون بضعة مقاعد مهترئة "تطل على سورٍ يفوقها علواً ومن خلفه حاوياتٌ خلفها سفن كورنيشاً غربياً , وفي المدى  يقبع ذاك الكائن الأسطوري المسمى بحراً ", وكلما أراد هذا البحر مغازلة الشاطىء علّت أصوات الشاحنات الداخلة من وإلى الميناء فوق صوته مخرسةً إياه.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024