مع انخفاض مساهمة الضرائب في الناتج القومي طوال سنوات الحرب إلى مستويات باتت تشكل قلقاً من ضعف هذا المورد الاقتصادي الهام، لم تتخل الحكومة عن سياستها بتشجيع المكلفين على عدم تسديد الضرائب المفروضة عليهم عبر منحهم إعفاءات شاملة وواسعة، بل على العكس أصبحت هذه السياسة نهجاً يطبق كل عام وينتظره المتهربون بفارغ الصبر، وكأنه وعد حكومي مُنَزَل، والإخلال به فيه انتقاص من هيبة التوجه الاقتصادي العام، وما صرح به وزير المالية مؤخراً عن عدم رضاه والحكومة معاً عن نسب التحصيل الضريبي المدرجة في الموازنة العامة يؤكد أنه لابد من مراجعة كافة الإعفاءات الضريبية، وإلغائها كلياً منعاً لخلق فجوة بين مكلف ملتزم وآخر ينتظر الإعفاء، وليس ترسيخها بشكل يساعد على التهرب الضريبي، ويفقد القوانين الضريبية من مضامينها، ويقلل من هيبة الإجراءات الرادعة للتهرب وملاحقة المقصرين في الوفاء بالتزاماتهم تجاه الخزينة، ومع ذلك فقد فاجأتنا الحكومة مؤخراً بأنها تدرس جملة إعفاءات ستخص بها المتخلفين عن تسديد ضرائب الدخل والأرباح وإضافاتها العائدة لسنوات سابقة!!.
خطوة غير موفقة
مشروع قانون إعفاء المكلفين من ضريبة الأرباح الحقيقية وضريبة الدخل المقطوع والضرائب الأخرى نتيجة تأخرهم عن تسديد الذمم المفروضة عليهم لاشك في أنه قد يخفف العبء عن المكلف المتخلف بسبب الظروف الراهنة، لكنّ تساؤلاً آخر يطرح نفسه هل في الإمكان إعادة الضرائب والرسوم إلى خزينة الدولة وإنهاء حالة التهرب الضريبي وخاصة وسط حالة الاسترخاء التي تعاني منها إدارة التحصيل الضريبي؟ وهنا لا بد من القول: إن هذا القانون وغيره من قوانين الإعفاء ينتظرها الكثير من الصناعيين والتجار ورجال الأعمال، لكن المفاجأة أن بعضهم ذهب باتجاه آخر مختلف عما ألفناه عبر اعتباره خطوة غير موفقة وخاصة أنها تنصف المكلف غير الملتزم بتسديد استحقاقاته تجاه الدولة على حساب الملتزم بدفع الرسوم المفروضة عليه في وقتها، ما يشجع دافعاً للكثيرين للتهرب الضريبي، متكئين على احتمالية إصدار قوانين تعفيهم من الغرامات الناتجة عن التأخير في سداد الذمم المترتبة عليهم.
لا يوجد تهرب ضريبي
الصناعي محمود الزين لم يستسغ هذا الرأي بتأكيده عدم وجود تهرب ضريبي من أساسه، مرجعاً ذلك إلى خطأ من وزارة المالية التي تصر أن هناك تضخماً ما، وهذا أمر مفروغ منه لكن هل الوزارة نامت واستيقظت على التضخم مثلاً، فلو كانت الزيادة سنوياً 10% لكان المواطن استطاع تجاوز المحنة لكنها جاءت دفعة واحدة، واليوم تأتي وزارة المالية وتطالب دفعة واحدة بالضرائب عن السنوات السابقة، هذا أمر غير مقبول، مؤكداً عدم إمكانية العودة إلى الوراء وإنما المطلوب العمل خطوة بخطوة مع وجود استراتيجية واضحة يعلم بها الصناعي بأنه سوف يدفع ضريبة محددة، بدءاً من العام الحالي حتى يتمكن من توزيعها على مداره لا أن يكون الأمر مفاجئاً.
ازدواجية
رغم تأييد طلال قلعجي عضو مجلس غرفة صناعة دمشق وريفها لإعفاءات الصناعيين من الفوائد والرسوم لكن يبدي انتقاده لطريقة التعاطي مع هذا الملف بقوله: الحكومة تؤكد أنها تريد تعويض الصناعيين الذين تضررت منشآتهم عبر إصدار قوانين لصالحهم، لكن واقعياً لا يوجد شيء ملموس، فأكبر مبلغ عوضته الحكومة لهم وصل إلى 11 مليون ليرة فقط، متسائلاً أين هي هذه القوانين؟ ليشدد على أن الصناعيين المتضررين لا يطالبون الحكومة بالتعويض عن مئات الملايين التي خسرها الصناعي، لكن المطلوب تأمين المستلزمات الأساسية للصناعة من الكهرباء والعمال والمحروقات والمواد الأولية، مع إيجاد أسلوب مختلف لتحصيل الضرائب ليتم تقسيمها على مدار سنوات ليتمكن الصناعي من الإقلاع بعجلة الإنتاج مجدداً، مؤكداً ضرورة تخفيض الضرائب لتكون حقيقية ومدروسة ومنطقية منعاً للتهرب الضريبي، فمن غير المنطقي أن تأخذ الحكومة 21% من الأرباح بغض النظر عن التكاليف التي يدفعها الصناعي، مطالباً بالجلوس على طاولة حوار مع الحكومة للوصول إلى حل جذري تجنباً للتهرب الضريبي وخاصة أن هناك ازدواجية بدفع الضرائب، الأمر الذي يحتاج دراسة متأنية، فهناك يدفع الجمارك مرتين على بعض المواد التي يتم إدخال البيانات والمواد ذاتها أكتر من مرة ويتم أخذ الضريبة ذاتها.
تخفيف الأعباء
وأشار قلعجي في حديثه إلى موضوع الانفاق الاستهلاكي الذي يطالب به الصناعيون منذ ثلاث سنوات عبر إعفائهم منه وأخذ الرسم، كما كان في السابق من الجمارك بنسبة 3% و يتم أخذه من المنشآت أيضاً3% شهرياً بشكل تقديري أو أن تؤخذ الـ6% دفعة واحدة من الجمارك لتخفيف الأعباء وتسهيل آلية العمل، مشيراً إلى أن وجود عدالة ضريبية يحصل حينما تتساوى الضريبة مع الدخل، والضريبة اليوم تتجاوز الثلث وعندما تطالب الحكومة بالضريبة يجب أن تقدم للصناعي جميع الخدمات، علما أن هذا للأسف غير موجود، لذا ما نأمله إقامة عدالة ضريبية بين الحكومة والتجار والصناعيين.
هل سيشمل رسم الإنفاق الاستهلاكي؟!
وعما إذا كان مشروع الإعفاء المقترح من الفوائد والغرامات سيشمل رسم الإنفاق الاستهلاكي، فقد تم تناقل أحاديث في أوساط المالية بأن المنشآت المتخلفة عن تسديد رسم الإنفاق الذي حصلته من المستهلكين، سوف تعفى من الغرامات المترتبة على الضبوط التي نظمتها دوائر الإنفاق الاستهلاكي في مديريات المالية بحق تلك المنشآت، وهذا معناه ضياع مئات ملايين الليرات على الخزينة، الأمر الذي يخلق حالة غير مفهومة وتثير الجدل بين ما يطلقه وزير المالية من تصريحات بأنه يسعى لتحصيل حقوق الخزينة، ومقابل ذلك طرح إعفاءات تجعل تلك الحقوق في مهب الريح.
إن مجرد مقارنة موضوعية ومنطقية بين ضرائب الدخل والأرباح وغيرها وبين رسم الإنفاق الاستهلاكي نجد أن ضريبة الدخل وإضافاتها فرضتها التشريعات الضريبية على المكلف، أما رسم الإنفاق فهو مترتب على المستهلك وتحصيل المنشآت لصالح الخزينة، وهي بذلك تلعب دور الوسيط بين الطرفين، وفي حال لم تسدد تلك المنشآت الرسم المحصل من المستهلكين، فهذا يضعها موضع السارق للرسم، ولولا وجود رقابة ميدانية على تلك المنشآت لبقيت تحصل الرسم من المستهلكين وتودعه في جيوبها بدلاً من تسديده للخزينة، ونحن نعلم بأن السرقة جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن سرقة رسم الإنفاق بحسب القوانين والتشريعات الناظمة لاستيفائه يعاقب سارقه بالغرامة المالية، وإن مجرد طرح فكرة إعفاء سارقي الرسم من الغرامات، فهذا يعني أولاً تحقيق مبدأ المساواة بين مؤتمن على الرسم وسارقه، وثانياً تشجيع المؤتمن على اتباع نهج السارق، وفي كلتا الحالتين هناك تفريغ للقوانين الضريبية من مضامينها وضياع للعدالة الضريبية.
ضبوط مخالفة بالملايين
ومن جهة أخرى، فإذا ما عدنا إلى الضبوط المنظمة بحق المنشآت التي نظمت بحقها ضبوط مخالفة لعدم تسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي الذي حصلته من المستهلكين، نجد أنه في مديرية مالية دمشق وحدها ضبوط بحق منشآت نظمت في عام 2016 ولم يسدد أصحابها الرسم ولا الغرامة، فأحد تلك الضبوط يكشف عن مخالفات بقيمة 808 ملايين و 618 ألفاً و935 ليرة، أما المخالفات بالقطع الأجنبي فتبلغ 2 مليون و326 ألفاً و346 دولاراً، وضبط آخر فيكشف عن مخالفات وصلت إلى 930 مليوناً و325 ألفاً و314 ليرة، وبالقطع الأجنبي مليون و418 ألفاً و 838 دولاراً، وبذلك يكون مجموع مخالفات الضبطين المتوجبة على المنشأة ملياراً و738 مليوناً و 944 ألفاً و 249 ليرة، أما بالقطع الأجنبي فمجموع المخالفات 3 ملايين و745 ألفاً و 184 دولاراً، وغيرها الكثير من الضبوط التي تم تنظيمها ولم تسدد بعد لتصل الغرامة المتوجبة على تلك المنشآت والتي ينتظر أصحابها الإعفاء ما يقارب 900 مليون ليرة، والسؤال الذي يطرح نفسه: من المستفيد، ومن المتضرر من إعفاء هؤلاء المخالفين إن لم نقل سارقي الرسم، الخزينة أم المكلف…؟.
الضابطة العدلية
وفي الحديث عن رسم الإنفاق، لابد من الإشارة إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي أن المراسيم الناظمة للرسم منحت الضابطة العدلية الحق بنسبة 10% من الغرامات المترتبة على كل ضبط يتم تنظيمه بحق أي منشأة لا تقوم بتسديد الرسم للخزينة، كتشجيع لهم على أداء عملهم بنزاهة بعيداً عن الإغراءات، وفي هذا المنحى هناك سؤال يطرح نفسه، إذا كانت الخزينة ستسامح بحقها بموجب الإعفاءات، فإن حصة الضابطة العدلية من الغرامات بموجب القانون هي حق شخصي للمراقب الميداني، فكيف لا يتم لحظ هذا الأمر وأخذه بعين الاعتبار، وهنا لابد من أن نطرح السؤال التالي: ألم يكن باستطاعة الضابطة التي قامت بتنظيم الضبوط المذكورة التغاضي عن المخالفات مقابل منافع مادية، ولماذا آثروا مصلحة الخزينة على مصالحهم الشخصية…؟
ردة فعل
إن تشميل حقوق الضابطة المقررة قانوناً بالإعفاءات من شأنه أن يخلق ردة فعل لدى بعض المراقبين الميدانيين ويدفعهم إلى التغاضي عن الكثير من التجاوزات والمخالفات المرتكبة فيما يخص رسم الإنفاق، وهو أمر له مردود سلبي على الخزينة، ومن شأنه أن يخلق تشوهات وانحرافات في العمل الضريبي، ومن الضروري أن يلحظ وزير المالية هذه النقطة ويأخذها بعين الاعتبار عند مناقشة الإعفاءات المطروحة للدراسة.
تحصيل ضريبي متدنًّ
وزير المالية الدكتور مأمون حمدان أقر بوجود تهرب ضريبي، ، مع تأكيده أن الحكومة عملت منذ بداية عملها على تحصيل الضرائب وجنيها بالطرق السليمة، معترفاً أن نسبة التحصيل الضريبي متدنية، علماً أن هناك العديد من الإجراءات لزيادة هذه الحصيلة ضمن الأنظمة والقوانين، لافتاً إلى أن العدالة الضريبية كلمة نسبية، ويجب أن يفهم الجميع أنه ليس هناك ضريبة موحدة على الإيراد، عندها يمكن التحدث أكثر عن العدالة الضريبية، مؤكداً وجوب تصحيح المطارح الضريبية النوعية، وبعد ذلك يمكن التفكير بالضريبة العامة على الإيراد، مشيراً إلى وجود صعوبة في الوصول إلى هذا الهدف، إذ يجب أولاً توضيح الضرائب النوعية وأن تكون صحيحة وعادلة وموضوعية، وبعد ذلك يبدأ بتطوير الهيكل الضريبي، وهو ما يجري اليوم عبر العمل على إعداد العديد من مشاريع القوانين بهذا الموضوع.
نظام ضرائب جديد
وفيما يخص الضرائب المفروضة على المواطن قال حمدان: الحكومة تدعم المواطن وتسعى لتأمين الدعم الاجتماعي، موضحاً أن دعم المواطن لا يأتي دوماً بزيادة الرواتب، لأن ذلك كما بينت الحكومة مرتبط ومترافق مع زيادة الأسعار، وبالتالي لن يكسب المواطن من زيادة الرواتب، لذا يتم العمل على دعم المجتمع بأكمله وليس الموظف فقط، مؤكداً أن الحكومة تناقش حالياً نظاماً جديداً للضرائب من المقرر أن يرى النور قريباً.
تشجيع
وكما هو متوقع، الإدارة الضريبية اعتبرت مشروع قانون الإعفاء يخدم العملية الإنتاجية من خلال تشجيع المكلفين على العودة إلى العمل من جديد، حيث أكد مدير عام هيئة الضرائب والرسوم عبد الكريم الحسين أن ظروف الحرب حتمت أن تكون هناك تسهيلات للأشخاص الذين لم يستطيعوا سداد ما عليهم من غرامات مترتبة، فبعض الأشخاص في المناطق المتضررة التزموا بالسداد بينما امتنع الآخر عن السداد بسبب ظروفهم الاقتصادية، إضافة إلى أن البعض منهم لم يكن لديهم رغبة في العمل في سورية في فترة من الفترات لكنهم قرروا السداد بعد تحسن الأوضاع في البلد، لذا فإن صدور مرسوم الإعفاء سيكون بمثابة تشجيع لكافة المكلفين للعودة الى العمل من جديد، مشيراً إلى أن مشروع قانون الإعفاء ينص أيضاً على تقسيط الضرائب لأصحاب المناطق المتضررة قبل نفاد مدة 3 سنوات مع الإعفاء من أي غرامة، بغية تشجيعهم للعودة إلى العمل والتخفيف من آثار الأزمة، منوهاً بأنه في حال صدور مرسوم الإعفاء لا بد من الإشارة إلى أن الإعفاء سيشمل الغرامات المترتبة على الضرائب فقط وليس قيمة الضرائب.
حق الدولة لا يسقط بالتقادم
وعن الإجراءات المتخذة بحق المتخلفين عن سداد الغرامات المالية أكد الحسين أن الإجراءات تبدأ بالإنذار ثم قرار الحجز، ومن ثم التعميم على كافة الجهات العامة، فإخطار نزع الملكية، ليتخذ قراراً بالبيع ثم الإعلان عن البيع، ليمنع المتخلف أخيراً من السفر خارج البلد في حال لم تكن لديه أملاك تغطي ما عليه من غرامات، مشيراً إلى أنه لا يسقط حق الدولة في اقتطاع الغرامات من المتخلفين عن سدادها بالتقادم بعد مرور 15 عاماً لأنه وقبل مرور تلك المدة تقوم الدوائر المالية باتخاذ الاجراءات القاطعة للتقادم والتي من شأنها أن تلغي عدد السنوات السابقة والبدء بالعد من جديد. وعن تأثير إقرار مشروع قانون الإعفاء في المواطنين قال الحسين: سيستفيد المواطن منه عبر توافر السلع، فعودة الحركة الاقتصادية إلى السوق ستؤدي إلى وجود أكثر من مصدر للسلعة وبالتالي ستتحقق المنافسة التي من شأنها تخفيض الأسعار.
تقصير الكادر الضريبي
اتفق جميع من التقيناهم من الباحثين الاقتصاديين والمحاسبين القانونيين على أهمية مشروع قانون الإعفاء من الفوائد والغرامات، حيث يؤكد المحاسب القانوني محمد علي جواد أنه يساعد المكلفين المتأخرين عن تسديد الفوائد و الغرامات، مع إرجاعه التأخير الضريبي إلى تقصير الكادر الضريبي ولا ذنب للمكلف فيه, من دون نكران وجود بعض المكلفين ممن يتهرب من التسديد عن سابق نية لاستغلال قوانين الإعفاء لكنهم قلة قليلة, لكن الشريحة الأكبر من المكلفين لا ذنب لها بالتأخر الضريبي, إضافة إلى وجود تكاليف لسنوات سابقة لم يبت فيها بعد ومازالت قيد الدراسة حتى الآن, عازياً أسباب ذلك إلى عدم كفاية الكادر الضريبي للقيام بالعمل الضريبي والتدقيق والمتابعة والإصدار وغيرها, مع وجود حالات فساد وابتزاز من قبل بعض المفتشين المخالفين للقانون، ومشاكل قانونية وإدارية تضاف إليها إشكاليات أفرزتها الظروف الحالية من تعرض المعامل إلى التدمير والخروج عن الخدمة ومع ذلك لا تزال تفرض عليها الضريبة, لذا فقانون الإعفاء يحل الكثير من تلك الإشكالات في حال التسديد خلال الفترة الممنوحة، ما يحقق فائدة للدولة من جهة والمواطن من جهة, فالتسديد يدعم واردات الدولة والإعفاء من الغرامات يشجع المكلف لتسديد ماعليه من ذمم مالية مع مراعاة الظروف الحالية.
لا تضر بموازنة الدولة
يوافقه رئيس جمعية المحاسبين القانونيين وعضو مجلس المحاسبة و التدقيق فؤاد بازرباشي على أهمية قانون الإعفاء والنتائج الإيجابية المترتبة على تطبيقه من حيث مراعاته للظروف السيئة التي تعرض لها عدد كبير من المكلفين نتيجة الأزمة الراهنة, موضحاً أن قوانين كهذه لا تسبب الضرر لموازنة الدولة لأن الأخيرة تتضمن بنداً بعنوان الغرامات والفوائد التي قد تترتب على المكلفين, لذا فالإعفاء لا يؤثر فيها, مبيناً أن لا يد للمكلفين في ترتيب تلك الفوائد والغرامات المتأخرة الناتجة عن تأخر الدوائر المالية في تدقيق الحسابات ودراسة التكاليف والبت فيها, وخاصة عند تقدم المكلفين ببياناتهم المالية ضمن المهل القانونية المحددة بموجب أحكام قانون ضريبة الدخل رقم 24 لعام 2003.
بناء نظام ضريبي
في حين يذهب الباحث الاقتصادي الدكتور محمد الكوسا في اتجاه استراتيجي بتأكيده على ضرورة بناء نظام ضريبي جديد يعتمد على تشريح المكلفين بالدرجة الأولى لأن معاملة المكلفين بنمط واحد وعلى مستوى واحد لا يحقق نتائج إيجابية لجهة التطوير بل تساهم في المراوحةبالمكان من حيث المستوى والنتائج، لذا لا بد من إيجاد وجوه متعددة لفرض الضريبة وتصنيفها قطاعياً أو حسب الموارد والإنتاج والعمالة وغيرها, مع الانتباه إلى مراعاة تعدد طرق فرض الضرائب وإيجاد مطارح ضريبية جديدة مع عدم المساس بالحالة المعيشية للمواطن بالدرجة الأولى، على أن يتم التركيز على العملية الإنتاجية على نحو إيجابي بحيث تفرض الضريبة من أجل تشجيعها وفق مراحل معينة وليس على كافة المراحل.
ظاهرة عالمية
يشكل التهرب الضريبي أزمة فعلية تعاني منها الإدارة الضريبية المتهمة بالتقصير في تحصيل حقوق الخزينة العامة وإن لم نقل بالتواطؤ مع بعض المكلفين بشكل يضيع ملايين الليرات عليها، وهنا يبين بازرباشي أن أسباب التهرب الضريبي تعود إلى انعكاس الضرائب المسددة من قبل المكلفين عليهم من خدمات كهرباء وماء و طرقات وضمان اجتماعي وغيرها, إضافة إلى عدم العدالة في التكليف الضريبي بين المكلفين, وعدم تقيدهم والدوائر المالية على حد سواء بالقوانين و الأنظمة, علماً أن التهرب الضريبي ظاهرة عالمية و ليس هناك دولة تخلو منه حتى لو كانت نسبة الضريبة فيها لا تتجاوز 10 %, ورغم انخفاض السقف الأعلى للضريبة في سورية والتي لا تزيد على 28% فإن بعض المكلفين يلجؤون للتهرب منها لعدم اقتناعهم بمردودها عليهم.
تعزيز الثقة
في حين يرى جواد أن الحد من التهرب الضريبي يكون بتفعيل الثقة بين المواطن والدولة، وعليه يجب قبول بيان المكلف كما هو وعدم التشكيك فيه جزافاً, وفرض عقوبات زاجرة في حال التحقق من عدم مصداقيته كخطوة ثانية بعد قبول البيان وليس قبله, إضافة إلى مساعدة المكلفين الصادقين في بياناتهم وتشجيعهم من خلال الزيارات الميدانية لهم وسماع مشكلاتهم و العمل على حلها, مبيناً أن التشريع الضريبي في سورية جيد لكن المشكلة تكمن في سوء التطبيق.