الإثنين 2018-07-23 03:30:14 **المرصد**
عن الجدارة القيادية ..وعربة الفول ..ومدى جدارة وزارة التنمية الادارية بمنح شهادتها؟!!!!

كتب :اخيل عيد

أن تقرأ سلسلة (الناجحون) في طفولتك المبكرة وتحفظ مطولات كلامهم وخطبهم وتبدأ رويداً رويداً باكتشاف سماتهم وأخلاقهم وما يميز طباعهم حتى تكتشف المنظومة المتكاملة التي جعلت منهم قادةً وناجحين على جميع الصعد .

هذه الخلفية المعرفية هي التي تحرك فضولك عندما تتبع دورةً في وزارة التنمية الادارية للجدارة القيادية مطلع عام 2016 باحثاً عن بعض هذه السمات في من يمنحون هذه الشهادة على اعتبارهم شيوخ الكار في مهنة القيادة , وتسمع المطولات من وزير التنمية الادارية الأسبق عن مدى وطنيته ونزاهته قبل أن يقال لأسبابٍ (مجهولة) ولسنا متأكدين من مدى دقة أحاديث "النزاهة" في مبررات الاعفاء.. ومن المعروف أن الخصائص الرئيسية التي يتم التركيز عليها في الموظفين هي النزاهة والذكاء والطاقة وعندما تغيب الأولى تصبح الصفتان اللاحقتان كابوساً على المؤسسة .

على كل حال وبعد أشهرٍ طويلةٍ من الكلام النظري الذي لا يستند إلى الواقع السوري والمجلوب بحرفية من مراجع الادارة والتنمية البشرية العالمية قيل لنا بأن الدورة انتهت وسوف تنالون الشهادة بأنكم ( جديرون قيادياً) وأموركم ( تمام ...ويااا سلام ) فذهبنا إلى بيوتنا سعداء مثل سذج العصر العثماني الذين كانوا يدفعون مئات الليرات الذهبية لكي يحصلوا على لقبٍ من الصدر الأعظم وينصرفون وقد أصبحوا بيك أو باشا .

وعندما حدث التغيير الوزاري وشمل وزارة التنمية الادارية قيل لنا بأن عليكم أن تخضعوا لامتحان من أجل نيل الشهادة التي تثبت بأنكم ( جديرون قيادياً ) فحدثنا أنفسنا بأن من طلب العلا سهر الليالي ومن جد وجد و الخ .. وفعلاً قمنا بتقديم امتحان كتابي مؤتمت ونجحنا عندما تجاوزنا علامة النجاح (75)  ببضع علامات وهللنا وسعدنا بأننا أخيراً أصبحنا جديرين قيادياً ولم يتبق غير المنصب العظيم لنستلمه ونمارس مهاراتنا القيادية .

ثم رأت وزارة التنمية الادارية بأن علينا أن نقدم بحثاً لنثبت فيه مدى صوابية رؤانا في معالجة المشكلات الادارية وبأن كل فريق عملٍ من نفس الوزارة من المرشحين لنيل شهادة الجدارة القيادية عليه أن يشترك في البحث ولم نكذب الخبر وقمنا بتقديم البحث وجاءت النتيجة صادمة حين رسب الجميع ما عدا فريق واحد وهم الذين سبقونا بتقديم بحثهم ولأجل الصدفة حضرنا تقديمهم و لم يكن هناك في بحثهم شيء خارق أو غير تقليدي يلفت النظر .

وقيل لنا بأن علينا أن نقدم بحثاً كلٌ على حدة حتى نصبح (جديرين قيادياً ) وهذا ما حصل وقمت ببحثٍ جاد يتعلق باختصاصي كإعلامي وكدارس للعلاقات العامة بعنوان ( آلية التعامل مع الرأي العام في ظل الأزمات الخانقة – مرحلة الانقطاع الكبير – ودور الاعلام والعلاقات العامة ) وأرسلت البحث إلى الوزارة بانتظار الدعوة لمناقشته .

في هذه الأثناء كتب الزميل أيمن قحف مقالاً طالب فيه وزارة التنمية الادارية بإعادة عقد إحدى زوجات الشهداء وقمت أنا بمشاركة المقال على فيسبوك انتصافاً منا لحق الشهداء وذويهم ودون أن أدرك بأن الأمر سيكون له علاقة بجدارتي القيادية وبأنني سأخسرها وسأكون في ذيل قائمة غير الجديرين قيادياً وربما اسمي المميز لعب دوره في سوء طالعي لأن هناك من أحصى كل من شارك ومن ليك ومن علق وسبق أن خسرت صداقة أحد الوزراء بسبب لايك لأنني كنت أعتقد واهماً بأنه مشغولٌ بمهامه الجديدة وليس لديه من وقت لقراءة وإحصاء كل همس أو أشار ضده حتى بلايك .

على كلٍ قمت بتقديم البحث أمام مجموعةٍ من الأساتذة الكرام والذين قالوا لي بالحرف بأن هذا البحث هو أكثر بحثٍ ممتعٍ مر عليهم والذين إلى جانب إيجابيتهم أخذت أسئلتهم شكل الاستفسار أحياناً لأن البحث كشف جوانب عديدة في خفايا تاريخ القطاع النفطي ولأن بعض الفيديوهات التي عرضتها عليهم أجابت بشكلٍ قاطع عن استفساراتهم لا سيما الفلم الذي يعرض أحد عمال النفط في قلب النيران وهو معاون مدير تصدى بنفسه للمهمة شديدة الخطورة والرعب , وانتهى النقاش مع الأساتذة بإيجابيةٍ مميزة ولهم مني كل التقدير والاحترام وهنأني مسبقاً بعض الأصدقاء الحاضرين بأن النتيجة بينة وأنني بالتأكيد ( جديرٌ قيادياً ) .

حين خرجت النتائج إلى العلن وجدت نفسي في قاع القائمة بمجموعٍ لا يتجاوز نصف العلامة ووجدت بأن البحث قد استحصل على علامة 11 من أصل أربعين الأمر الذي يجعله غير قابلٍ للنقاش أساساً والذي يدل على أن العلامات وضعت فيما بعد عندها تأكدت أن الأمر شخصي له علاقة بالمقال المذكور لمجرد أنني شاركته وقد سبب غضباً شديداً عند وزيرة التنمية الادارية وحسب معلوماتي فالسيدة الوزيرة طالبت الحكومة بإعفاء الزميل أيمن قحف من وظيفته –كمستشار وزير- وبإنزال أشد العقوبات به ليأتي التوجيه من رئاسة الحكومة بالاكتفاء بالرد الصحفي ولما لم يكن متاحاً الانتقام منه جاء هذا الانتقام مني على اعتباري شاركت بالمنشور وكان انتقاماً رهيباً بأنني ( غير جديرٍ قيادياً ) وحصلت على أسوأ علامةٍ ممكنة .

السؤال الذي يملكني ويضحكني وأنا أشاهد السيد رئيس الجمهورية يتعامل بوجهه المبتسم الخلوق مع أناسٍ تصرفوا بقلة أدب تجاه البلد وكانوا بحق أعداء للوطن وقيادته ، و السؤال هو : هل هؤلاء الذين ينتقمون بهذا الرخص لمجرد قدرتهم على الأذية جديرون بأن يتسلموا دائرةً أو ورشة ؟؟ أو أن يؤتمنوا على مشروع ضخم مثل مشروع الاصلاح الاداري ؟؟ ألا يتعلم هؤلاء ولو قليلاً جداً من القيادة السورية التي أقالت العثرة وعفت عن المسيء بأن يتحملوا مقالاً ينتقدهم لأنهم أخطأوا في حق زوجة شهيد وعادوا عن خطأهم تحت وطأة المقال ؟؟

بالطبع لا أحد في هذا العالم يحب الفشل بمعناه الأكاديمي وإن تمنيت أن تقوم جهةٌ محايدةٌ أكاديمياً بتقييم البحث ومقارنته بغيره للوقوف على حقيقة هذه العلامة المتدنية ولكن وبجميع الأحوال فإن ما ننجزه ونقدمه ولا نسوقه أمام الرأي العام ربما يستحق منا أن نقدر أنفسنا ونمنحها جدارة الحياة لا القيادة وجدارة  الانتماء للوطن ففي تاريخي المتواضع قدمت مجموعةً من التحقيقات الاستقصائية أحدها عام 2007 سربت من خلاله مجموعةً من المراسلات حول القمح وكانت النتيجة بأن تغير سعر القمح بشكل جذري وتم التصدي للمؤامرة التي كشفت عنها التحقيقات مع خلية كوبنهاغن والتي كانت تستهدف القمح والمازوت في سوريا في بداية الحرب الفعلية عليها , والكثير من التحقيقات التي أنقذ أحدها الاقتصاد من كارثةٍ بعد أن اتخذت وزارة الاقتصاد اجراءاتها ورقنت قيد إحدى شركات النصب والاحتيال . وفي حياتي الوظيفية كنت مع الزميل محمد جربوع من أوائل من دخل مناطق المسلحين في الهامة عام 2013وتعرض للمخاطر وهي الخطوة التي بدأ بها مشوار المصالحات وتطور وأيضاً كنت من أوائل الذين ظهروا على الشاشات وقدمت ما أستطيعه دفاعاً عن قضية البلاد . الأمر الذي لم يفعله الكثيرون ممن يقدمون هذه الشهادات ..اياها .

أنا لم أعد أريد أن أصبح قيادياً بعد عامين ونصف من بدء هذه الدورة وأقول لنفسي كما قال شكيب في قصة غسان كنفاني :( لقد كانت غزوةً عشائرية لا تعرف رأسها من ذنبها ) وبالتأكيد لن يبتسم لي المستقبل بعد فشلي هذا لأكون مثل خليل بهلول أو العمادي أو غيرهم من القادة الاداريين الناجحين في مستقبل سوريا , وإن تم إخراجي من الوظيفة بعد هذا المقال فربما أعمل بائع فول لأن أبو عادل أكد لي أن مرابحه اليومية تزيد على ثلاثة آلاف ليرة لا أحصل بالكاد على ثلثها في وظيفتي وربما أمارس مهاراتي القيادية في قيادة عربة الفول وتنظيم الصحون أمام الزبائن ...وكل جدارةٍ وأنتم بخير... وتخبزوا بالأفراح.

**ملاحظة : هذا رأي شخصي مبني على ما جرى معي شخصيا ولا يعكس راي اي جهة رسمية وكما هو معروف لا يعكس بالضرورة رأي الوسيلة الاعلامية**

 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024