سيريانديز – إبراهيم غيبور
توقعت دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لقسم السكان في الأمم المتحدة في تقريرها عن هجرة السكان بما فيهم الأدمغة والكفاءات العلمية أن يبلغ عدد المهاجرين السوريين خلال العام الحالي نحو 2 مليون و205 آلاف و847 مهاجر أي ما يعادل 10.7% من سكان سورية وبذلك تكون الخسائر السورية من هجرة أدمغتها العلمية بنحو 100 مليار دولار بينما قدرت مكاسب الدول المتقدمة والمستفيدة من تلك الكفاءات العلمية بنحو 450 مليار دولار.
وبحسب تقرير العربي عن المعرفة لعام 2009 فإن سورية تعتبر من البلدان الطاردة للكفاءات العلمية وهي تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية حسب مؤشر هجرة الأدمغة المعتمد ضمن منهجية قياس المعرفة للبنك الدولي بنسبة 2.3% للمؤشر المتدرج من 1 إلى 7 وهذا ما أكده الدكتور نبيل مرزوق في ندوة الثلاثاء الاقتصادية التي بحثت في هجرة الكفاءات وأثرها على التنمية الاقتصادية تحت عنوان "الهجرة كحرية وفرصة".
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الدول النامية خلال نصف القرن الماضي للنهوض بمستوى التعليم وبناء كادر علمي ووطني إلا أنها ما زالت تعاني من شح الكوادر العلمية واليد العاملة المؤهلة نتيجة هجرتها المستمرة قال مرزوق إن سورية لا تخرج من دائرة هذه الإشكالية وهي مطالبة بمواجهتها وليس بتجاهلها لأن النظرية الاقتصادية ونظريات التنمية تؤكد على الدور الهام الذي يلعبه رأس المال البشري في النمو طويل الأمد والمستدام منتقداً في الوقت نفسه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لعدم امتلاكها أية بيانات عن توزع قوة العمل السورية سواء في الدول العربية والأجنبية.
غير أن تقديرات التقرير الوطني للسكان لعام 2008 كشفت أن الفارق بين المقيمين في سورية والمتمتعين بالجنسية السورية نحو 3 مليون و372 ألف شخص عام 2007 أي ما يعادل 15% تقريباً من إجمالي عدد السكان وتبقى الإجابات حول توزعهم وتركيبتهم وأسباب هجرتهم والأمل بعودتهم والآثار المترتبة على هجرتهم بالنسبة للتنمية وبناء مجتمع المعرفة مجهولاً لدى أية جهة رسمية.
وأشار مرزوق أنه وبناءً على الإحصائيات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء أن ذلك الرقم قد ازداد خلال الثلاث سنوات الأخيرة بسبب النمو البطيء المسجل في زيادة قوة العمل بنسبة 2.1% سنوياً مقابل ما يزيد عن 2.5% في القوة البشرية لذات الفترة.
وفي الوقت الذي استفادت منه المنظمات التي أقامتها الجاليات العربية والأجنبية في الاغتراب لتنظيم مساهمتها في بناء أوطانها الأصلية كجمعيات المغتربين المصريين واللبنانيين من خلال تنفيذ العديد من البرامج التنموية والعلمية في بلدانهم أنفرد العلماء السوريون والفنيون في دول اغترابهم على تشكيل منظمة سميت "نوسيتا" للتعاون فيما بينهم فقط من جهة ومن جهة أخرى لم تستفد سورية حتى الآن من مغتربيها الذين عبروا عن تعلقهم بأوطانهم ورغبتهم بتقديم ما لديهم من خبرة ومعارف لبناء وطنهم الأم عبر مقترحاتهم ومشاريعهم التي قدموها لمؤتمر المغتربين الأول وهذا يعود لعدم وضوح توجه حقيقي لدى الحكومة في المجالات التي يمكن أن تسخر بها إمكانات المغتربين وخبراتهم وهذا ما جعلهم عاجزين عن تقديم أي شيء رغم حماستهم واستعدادهم ومن خلال ذلك يتضح إن موقف الحكومة وممارساتها إزاء المغتربين قد أهدرت الإمكانيات مرتين المرة الأولى عند هجرتهم والثانية عند إهمال مبادراتهم وعدم الاستفادة منها.
أما عن خسارة سورية نتيجة لتلك الهجرات أكد مرزوق أن النزيف الدائم للخبرات العلمية السورية قد حرم البلاد من الانتقال إلى مجتمع المعرفة وإنتاج المعرفة وتكريس وضعية التخلف العلمي والتقني والإنتاجي وهذا ما تعاني منه سورية في الوقت الراهن وهذا ما وضع سورية حسب تقرير اليونسكو من الدول الراكدة والمهمشة علمياً ونتيجة لذلك احتلت سورية مرتبة متدنية في ترتيب التنافسية العالمية وفي مجال الصادرات عالية التقانة وحرمانها من إمكانيات تطوير التعليم والإدارة بشكل يضعف قدرتها الاستيعابية لعملية نقل التكنولوجيا إضافة لإضعاف القدرة الإنتاجية بشكل عام وهذا ما انعكس بشكل واضح على جذب الاستثمار الأجنبي المنتج.
وأخيراً وبما أن أسباب هجرة الكفاءات والأدمغة العلمية باتت معروفة وواضحة وفي مقدمتها تحسين مستوى المعيشة والدخل الذي يعتبر طموح كل فرد في أي مجتمع كذلك الرغبة في الإنجاز والتميز باعتباره هاجس إنساني ينمو مع اتساع الأفق والمخزون العلمي فقد استبعد مرزوق تحقيق ذلك إلا إذا توافرت شروط خاصة تتعلق بالبنية التحتية العلمية وأجواء البحث وحرية التعبير وحفظ الحقوق والتقدير الاجتماعي المناسب إضافة لإصلاح التعليم وإرساء أسس ديمقراطية التعليم والقضاء على الفساد واستعادة دور المؤسسات والقانون شرط لشعور الإنسان بالطمأنينة على حياته ومستقبله ومستقبل أبنائه وتصالح السلطة مع المجتمع من خلال مشاركته وإطلاق قدراته في البحث والتطوير والإبداع شرط أساسي لإلغاء علاقة الخوف والتسلط التي تفرضها بعض الجهات في علاقتها مع المواطن باحثاً أو عاملاً أو مواطناً كائن من كان.