الخميس 2012-06-14 03:18:49 |
بورتريه |
رفع الظلم عن الزعيم إجراء تأخر 8 سنوات ...نهجه يطرح مجدداً: التوجه شرقاً وزيادة الاستثمار العام |
رُفع الحجز الاحتياطي عن الراحل عصام الزعيم، عقب ثمان من السنوات العجاف، التي حاول من سنأتي على ذكرهم لاحقاً تمريغ سمعة الرجل العلمية والأكاديمية بوحل جهلهم وفسادهم، وكأن بهذا القرار الذي تأخر كثيراً، وسبقه الزعيم إلى العلا، عود لنبش المآسي، وفتح أحد جروح الاقتصاد الوطني، وإعادة لحكاية الزعيم المؤلمة وتجربته المريرة أثناء تبوئه مهام وزير الصناعة. شكل الزعيم علامة فارقة بالاقتصاد السوري منذ مطلع الألفية، وسبق ذلك شهرته التي أثارت اهتمام الكثيرين من خلال مشاركته ـ قبل أن يُختار وزيراًـ في الندوات الاقتصادية التي قدم فيها من الآراء العلمية المحكمة والمقترحات الصائبة ما جعل ترشيحه لمنصب وزاري يأتي بحكم الضرورة الملحة، والحاجة التي لايسدها سوى قامة الزعيم، آخر وزير للتخطيط في سورية، ومهندس الخمسية التاسعة، ووزير الصناعة الأسبق الذي طلب من مدير معمل كونسروة مرة أن يأكل من منتجات معمله المخزنة في المستودع بعلب يعلوها الصدأ، الزعيم الذي أعياه مافعله به أعداء الإصلاح، وأتعبوا قلبه، في حين زادته صرامته العلمية وخبرته الدولية إصراراً على أن يفعل شيئاً ما للشعب السوري واقتصادهم الذي أتى عليه الفاسدون، فحل مرة جديدة ضيفاً على الاقتصاد الوطني رغم غيابه الجسدي. واحد من ألد أعداء الفساد والفاسدين، وأكثر من عانى من ممارساتهم، فوقع في أحابيلهم، سعى لمواجهتهم، وتمكن من حشرهم في زواياهم المظلمة، لكنهم للأسف ضحكوا أخيراً، ضحكة القاتل فوق جثة الضحية. قَدَرُ الزعيم أن يأتي في الوقت الصحيح ويعمل بإخلاص، ليجد من يطوق عنقه بتهم تثير السخرية. فالتهمة التي خرج منها كونها غير موجودة أصلاً هو منها براء، إذ اتهم الزعيم بتحرير كفالة مصرفية لإحدى الشركات الأجنبية، ووقع وزير المالية السابق محمد الحسين قرار الحجز الاحتياطي عليه، دون أن يكون الزعيم قد حرر الكفالة، وعاشت التهمة كل تلك السنوات، في أروقة الحكومة وأضابيرها، والزعيم صار تحت التراب. ولم تنفع كل المطالبات على اعتبار أن الحجز الاحتياطي هو تدبير احترازي لضمان حقوق الدولة، وفي حال عدم وجوده يصبح هذا التدبير المرير لاغياً حكماً، لكنه كغيره من الإجراءات الحق التي يراد بها باطل، طال الحجز عنق الزعيم، بإرادة حكومية بعد أن فشلت كل محاولات الإيقاع به ضمن آلة البيروقراطية وما أنتجته من فساد معلن. عاش الزعيم سني حياته الأخيرة محكوماً ومطالباً بأمل وحيد يعيد إليه ما خسره نتيجة قرار ظالم مهره وزير المالية الحسين، الذي أشار مرة إلى أنه نادم عليه. مات الزعيم وترك خلفه فراغاً كبيراً، ربما عبر عنه أبلغ تعبير النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري الذي حضر أربعين الزعيم قبل خمس سنوات وقال يومذاك كلاماً يستحقه الزعيم، ويردُّ إليه بعضاً من اعتبار. لكن هذا كله لم ينفع أن يصدر قرار رفع الحجز الكاذب الذي ألقي جزافاً على الزعيم ومس سمعته العالمية، ورفضت حكومة عطري أن تقدم له الاعتذار الذي يطلبه رجل العلم بأنه براء من التهم التي وجهت إليه ولاسيما الفساد الذي كافحه وحاربه، فرماه أعداؤه به تهمة مست قلبه وأدت إلى إضعافه، فاتكأ على وسادة بدير الزور قبل أن يحاضر عن همه الشاغل التنمية في المنطقة الشرقية. وأذكر حادثة مؤثرة، اتصلت بالزعيم لإجراء حوار معه ل (النور) فوافق مباشرة، وعندما ذهبتُ إلى بيته، وجدته مريضاً جداً، وطبيبه لايسمح له بالجلوس، لكن الزعيم أصر على إجراء الحوار الذي استمر أكثر من ساعة، وعندما أتت زوجته ورأته قد نسي المرض طلبت منه الرأفة بحاله الصحية فقط. محطات الزعيم في الاقتصاد السوري يمكن الاستفادة منها حالياً، ونهجه الاقتصادي، ورأيه بالتنمية، والبطالة، وخلق فرص العمل، كانت لو أخذت بالحسبان، حلاً لمشكلات كثيرة نعانيها حالياً. فهو صاحب الخمسية التاسعة القائمة على إصلاح القطاع العام وإعطائه دوره التنموي الذي يستحق، وزيادة الاستثمارات العامة، إلى جانب تشجيع القطاع الخاص. هذه الخطة التي أعدت بسرعة فائقة مع منهجية عمل، لم تُتَح لها الفرصة أن تطبق، لأن التغيرات الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد السوري، كانت أسرع، والتراجع عما طرحه الزعيم والسير بطريق مغاير بدأ على يد الدردري. انتقد الزعيم اقتصاد السوق الاجتماعي، غير القادر على المواءمة بين دورين متناقضين، وأكد في أحاديثه المتعددة ل (النور) أن هذا الاقتصاد ليطبق بالشكل الصحيح يحتاج إلى الموارد، وهذه الأخيرة غير متوافرة. كما وقف الزعيم ضد محاولات تصفية القطاع العام الصناعي، وهو من كان له قصب السبق في تأسيس هيئة مكافحة البطالة التي كان مفترضاً بها خلق 450 ألف فرصة عمل خلال خمس سنوات، وغيرها من المشروعات التي لا تنسى في الاقتصاد السوري، وأبرزها أن الزعيم صاحب نظرية التوجه شرقاً وعدم التركيز على الحلفاء التقليديين في أوربا. عادت قضية الزعيم بخجل، بعد رفع الحجز الاحتياطي، وكأن أحداً ما أو جهة ما كانت لاتريد أن تظهر الحقيقة عارية أمام تاريخ الرجل، الذي مات واقفاً، ينتظر رفع الحيف والظلم اللذين لحقا به، كما أن تلك الأقلام التي نالت من سمعته صمتت لسبب أو لآخر، ولم تعتذر عن خطأ اقترفته بحق من عمل من أجل الوطن واقتصاده وتنميته وفقرائه.
|
|