|
أكد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وأمين حزب الإرادة الشعبية المعارض الدكتور قدري جميل أن الوضع الاقتصادي في سورية صعب ولكنه كان أصعب قبل شهرين لأن ملامح المخارج لم تكن واضحة والاقتصاد السوري يشبه القلب الذي يحتاج إلى شرايين لضخ الدم منه وإليه وأهم هذه الشرايين هي النقل الداخلي والخارجي والتحويلات المصرفية.
وقال جميل إن الحكومة استطاعت فتح خطوط التحويل الخارجي وبدأت الأزمة تخف حدتها ويظهر ذلك من خلال قياس وضع مادتي المازوت والغاز ولكن وصول المادتين المتوافرتين له علاقة بالوضع الأمني والعسكري أولا وبدرجة الفساد الموجود ثانيا وبدرجة نشاط المواطنين في الدفاع عن حقوقهم ثالثا.
وأوضح جميل أننا نعيش وضعا استثنائيا يتمثل بوضع الحرب عمليا الذي يفرض التعامل مع الظروف عبر قوانين استثنائية لمكافحة الفساد لأن الفاسد ليس أقل خطرا من الإرهابي المسلح بل يمكن أن يكون في بعض الأحيان أكثر ضررا.
ولفت جميل إلى أن سورية استطاعت كسر الحصار وإيجاد ثغرات فيه وستظهر آثار ذلك خلال الأسابيع القادمة من خلال تغييرات إيجابية تدريجية بطيئة تستمر على مدى شهرين أو ثلاثة لتظهر النتائج بكامل حجمها ولكن الأزمة بالمعنى العام والاقتصادي لا يمكن أن تزول اذا لم نصل إلى حل سياسي شامل.
وقال جميل إن انخفاض إنتاج الطحين سببه أن المطاحن الرئيسية موجودة في ريف حلب والأوضاع الأمنية هناك تسببت بوقفها عن العمل ولكن تم اللجوء إلى حلول إبداعية لتعويض النقص وهذا لا يمكن أن يكون بديلا من تشغيل كل المطاحن وإنشاء مطاحن جديدة من أجل تامين استهلاك المواطن السوري.
ولفت جميل إلى أن العقوبات الغربية الأحادية الجائرة ساهمت بتدهور الوضع الاقتصادي للشعب السوري وأكبر دليل على كذب ونفاق الغرب هم النازحون السوريون الموجودون خارج الحدود والذين لا يلقون دعم الغرب الذي يذرف دموع التماسيح على الشعب السوري.
وأشار جميل إلى أن استراتيجية التوجه شرقا طويلة المدى وهي بدأت بالتنفيذ وفيها صعوبات كبيرة لأنها تحول تاريخي واقتصادي واجتماعي وسياسي وليس جغرافيا وهذا التحول سيأخذ وقته وهو قائم الآن.
وختم جميل بالقول إن العام الجاري سيكون عام العملية السياسية في سورية ولكن بدء هذه العملية لا يعني انتهاء العنف بل سيؤدي إلى خفضه تدريجيا حتى نصل في نهاية العام إلى الحد الأقصى من الحوار والعملية السياسية وإلى الحد الأدنى من العنف.
أن التوافق الدولي المطلوب لحل الأزمة في سورية لايزال في خطواته الأولى وهناك صعوبات كبرى من أجل تحقيقه ولكنه سيحدث في النهاية.
وقال جميل في لقاء مع التلفزيون العربي السوري أمس إن بيان جنيف الذي كان الملمح الأول للتوافق الدولي المطلوب وإحداث اختراق في العلاقات الدولية تجري محاولة إحيائه بالتوازي مع تغيرات جارية في الإدارة الأمريكية التي كانت انقلبت على البيان قبل أن يجف الحبر الذي كتب فيه.
وأوضح جميل أن التغيير في الإدارة الأمريكية لا يعني تغيير السياسات جذريا فالأمريكيون جربوا خلال سنتين من الأحداث أن يقوموا بتغييرات بالقوة أخذت شكلا أوليا بالتدخل المباشر الذي فشل بسبب الفيتو الصيني الروسي المتكرر ثم تحولت إلى شكل التدخل غير المباشر الذي لم يعط النتائج المطلوبة.
وأشار جميل إلى أن الأمريكيين يفكرون اليوم بعمق في بدائل وخيارات أخرى ليس من أجل مصلحة الشعب السوري وإنما بسبب الهاوية المالية التي تعانيها الولايات المتحدة والتي هي انعكاس للأزمة الاقتصادية الرأسمالية العظمى وهذا يعني أن قدرة الأمريكيين على التحكم بالأمور العالمية لن تكون نفسها بعد فترة قصيرة ولذلك هناك تخوف جدي بأن قدرتهم على تحقيق مكاسب من وراء الأزمة في سورية تنخفض مع مرور الوقت وحتى لا يخرجوا خالي الوفاض يسعون بتكتيك جديد لتحقيق الأهداف السياسية السابقة نفسها ولكن بوسائل سياسية.
وأضاف جميل إن الولايات المتحدة هي قائد التدخل في سورية والقوى الإقليمية تابع ومنفذ ومشتق وليست قوى مستقلة لديها رأيها الخاص ويمكن فهم ذلك انطلاقا من أن العلاقة بين المركز الإمبريالي والتوابع المختلفة الموجودة لديه في الأطراف هي علاقة إملاء وإذعان.
وبين جميل أن الموقف الروسي أصبح أصلب وهو انعكاس لحلقة أوسع هي دول بريكس وحلقة أخرى أكثر اتساعا هي الدول متوسطة الحجم القريبة منهم وهؤلاء يفرضون مناخا دوليا جديدا سنشاهد آثاره بعد عامين ولكن خلال هذين العامين يجب ألا نسمح للأمريكيين والغربيين بحرق سورية من الداخل وأن نكون أذكى من الخصم ونسعى لحل سياسي.
وأكد جميل أن الجو الموضوعي نضج من أجل الوصول إلى حل سياسي والمطلوب من الجميع الجلوس إلى طاولة الحوار للنقاش والتباحث والوصول إلى توافقات وتسويات وحلول وتنازلات متبادلة لا تخرج عن المصلحة الوطنية العليا.
وأوضح جميل أن رفض العنف والتدخل الخارجي ليست شروطا مسبقة للحوار بل هي مبادئ عامة لهذا الحوار وما سيتم الاتفاق عليه في نهاية المطاف عبر الحوار سيخضع لمحكمة الشعب السوري الذي هو من سيقرر في النهاية ما يريد عبر صناديق الاستفتاء أما دور الخارج فهو بأحسن الأحوال المساعدة في تقريب وجهات النظر.
وقال جميل إن تعديل بيان جنيف مرفوض والمطلوب في أحسن الأحوال تفسيره وخاصة النقطة التي تتحدث عن المرحلة الانتقالية.
وأضاف جميل أمام التفسيرات الغربية والدولية لبيان جنيف فإن المطلوب من القوى الوطنية السورية في الموالاة والمعارضة هو إيجاد التفسير الخاص بهم الذي يحافظ على المبادئ العليا السامية التي لها علاقة بالسيادة الوطنية المتمثلة برفض التدخل الخارجي وعدم جواز استخدام العنف.
واعتبر جميل أن عدم لقاء المبعوث الدولي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي مع بعض قوى المعارضة الداخلية محاولة لإقصاء قوى معينة من المعارضة وتظهير قوى أخرى إرضاء لأطراف غربية فالمطلوب منه أن يكون على مسافة واحدة من الجميع.
وأشار جميل إلى أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دعم المسلحين في سورية حتى لو حصل أي حوار بهدف استعمال ذلك كورقة ضغط على طاولة الحوار كما أنها لن تتخلى عن تغطية القوى الإقليمية التي تسلح المعارضة في الداخل ولكن الدخول في الحوار مطلوب لأنه سيخفف العنف تدريجيا وكلما أسرع السوريون بالوصول إلى الحل تم سحب الذرائع التي يستخدمها المتطرفون حتى لدى الطرف الغربي في دعم المسلحين.
وأوضح جميل أن الإسلام السياسي وأجنحته المتطرفة كجبهة النصرة هي أدوات تستخدم لتغطية التراجع الأمريكي في الظروف الحالية والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه عبر إدخال سورية في حالة من الفوضى.
وأكد جميل أنه لا مستقبل سياسيا للإسلام السياسي ولا للمتشددين الإسلاميين في سورية الذين يريدون استخدامها حطبا من أجل مخططاتهم الحالية واللاحقة في المنطقة والعالم وهم ليسوا إلا أدوات يستفيد منها الغرب ومن هذه الزاوية يجب التعامل معهم.
وقال جميل إن الشروط المسبقة تمنع الحوار واشتراط المعارضة تنحي السيد الرئيس قبل بدء الحوار هدفه عدم الدخول في الحوار واستمرار العنف "كما أن اشتراط توحيد المعارضة غير منطقي لأن قوى المعارضة لا يمكن أن تتوحد نظرا لأفكارها المختلفة ولذلك يجب عدم إقصاء أحد عن الحوار والذهاب إلى صندوق الاقتراع".
وأشار جميل إلى أن اجتماع القوى والأطياف السياسية في طهران كان حوارا تمهيديا للعملية التي يجب أن تبدأ في سورية وهو ساعد على تسهيل التفاهم ومعرفة الآراء من مصادرها الأولى ولجنة المتابعة المنبثقة عنه تحضر لاجتماع ثان.
وقال جميل إن المطلوب اليوم هو إخراج سورية من الأزمة فهي تمتلك كل الإمكانيات لذلك ومن هنا تأتي أهمية حكومة الوحدة الوطنية وإيجاد حلول انتقالية تسمح بإحداث تغييرات إيجابية لإيجاد مناخ سيستفيد من التغيرات الدولية اللاحقة بحيث تتعمق التغييرات الإيجابية التي يجب أن تجري في المجتمع والدولة.