سناء يعقوب
بشكل واضح وصريح أكدت وزيرة الدولة لشؤون البيئة الدكتورة نظيرة سركيس لمجلة بورصات وأسواق.. أن الوزارة تبنت في جميع قراراتها بأنها من الناحية البيئية تفضل استخدام المواد القابلة للتحلل بدلاً من المواد البلاستيكية في تعبئة الاسمنت بسبب الضرر البيئي الذي يمكن أن يحدثه رمي هذه الأكياس بشكل عشوائي في البيئة.
وكانت قضية استخدام أكياس البولي بروبلين لتعبئة الإسمنت بدلاً من الأكياس القطنية والأكياس الورقية عادت للواجهة وبقوة، مع تجاهل بعض الجهات المعنية مخاطر هذه الأكياس والإلحاح في استصدار قرارات لا تخدم الإنسان وبيئته!!
اذاً... بين وزارات البيئة والصناعة والصحة كثر الحديث عن موقف كل جهة من الجهات كما أن البعض حمل وزارة البيئة المسؤولية عن تجاهل مثل هكذا قرارات تضر البيئة وصحة الإنسان...ولكن جاء كلام وزيرة البيئة الدكتورة سركيس ليؤكد من جديد أن وزارة البيئة أعلنت موقفها ومنذ البداية بأنها لن توافق على أي قرار يمكن أن يسيء للبيئة.
وأضافت الدكتورة سركيس أن وزارة الدولة لشؤون البيئة أعدت دراسة عن الأضرار التي تلحق بالبيئة من خلال استعمال مادة البلاستيك والأضرار الصحية التي تسببها سواء للإنسان أو الحيوان والتلوث الذي يلحق بالمياه الجوفية والبحرية، خاصة أن الأكياس البلاستيكية صعبة التفكك وقد تستغرق مئات السنين، ولتلافي خطرها المميت هو إزالة تدريجية لاستعمالها وإنتاجها والاستعاضة عنها ببدائل صحية للإنسان والبيئة كما
أن هناك الكثير من الممارسات الخاطئة في التعامل مع مادة البلاستيك ومنها التخلص من المادة عن طريق الحرق وهذا يحتاج إلى درجة حرارة تصل إلى 1200 درجة مئوية وينتج عنها غاز الديوكسين والفيوران وهما غازان سامان ومسرطنان إضافة إلى أن بعض المواشي تعمد إلى استهلاك البلاستيك وهذا يؤدي إلى نفوقها.
وقد صدرت في عدة دول في العالم تعليمات منع استعمال البلاستيك كليا والاستعاضة عنه بعبوات ومواد صديقة للبيئة.
للبيئة موقفها
المهندس أديب المصري مدير السلامة الكيميائية في وزارة الدولة لشؤون البيئة يشير إلى أن الوزارة أكدت فيكتابها رقم /1961/ ب/ش/ف تاريخ 15/4/2009 تأييد كتاب السيد وزير الصناعة رقم /632/ تاريخ 5/4/2009 بعدم السماح باستخدام الأكياس المصنعة من البولي بروبلين في تعبئة الاسمنت.
وفي كتابرقم /51/ص/س/ك تاريخ 7/1/2012 إلى السيد رئيس مجلس الوزراء بينت وزارة الدولة لشؤون البيئة أنها تفضل دائماً استخدام المواد القابلة للتحلل بدل من البلاستيك.
وفي كتاب رقم /158/ص/س/ك تاريخ 20/1/2013 إلى وزارة الصناعة بينت الوزارة بأنها من الناحية البيئية تفضل استخدام المواد القابلة للتحلل بدلاً من المواد البلاستيكية في تعبئة الاسمنت. كما أكدت على كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 824/1 تاريخ 15/1/2012 المتضمن بموجبه الموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية رقم 2 تاريخ 9/1/2012 بعدم الموافقة على استخدام أكياس البولي بروبلين لتعبئة مادتي الطحين والاسمنت بدلاً عن الأكياس القطنية والأكياس الورقية المعمول بها حالياً.
كما أن اللجنة المشكلة في وزارة الصناعة بالقرار رقم 1660 تاريخ 22/11/2012 والتي تضم بعضويتها ممثلين عن وزارات ( الصناعة, التجارة الداخلية وحماية المستهلك, الدولة لشؤون البيئة, الدولة لشؤون المشاريع الحيوية ) خلصت إلى اقتراح عدم السماح على تعبئة الاسمنت بأكياس البولي بروبلين لأسباب اجتماعية واقتصادية وبيئية وتوفر البديل الآمن وهو ورق الكرافت المستخدم في صناعة الأكياس الورقية.
وعليه إذا كان الوفر الحاصل في سعر الكيس غير ثابت لأنه مرتبط بأسعار مادة البولي بروبلين والمرتبط بسعر سوق النفط العالمي كما هو الحال في في مادة عجينة الورق ...فهل هذا يوازي الضرر البيئي الذي يمكن أن يحصل نتيجة الرمي العشوائي لهذه الأكياس . كما أن معظم دول العالم المتقدمة تمنع استخدام هذه المادة لتعبئة الاسمنت المستخدم على أراضيها و إنما تقوم فقط بتصديرها حفاظاً على سلامة البيئة .
ويضيف المهندس المصري أن وزارة البيئة لا توافق على استخدام هذه المادة وخاصة أن لدينا صعوبات جمة في ادارة النفايات الصلبة.
كما أن وزارة البيئة أكدت مراراً أنه لا يوجد تلك الوفورات المادية التي تعود على الصناعة ، ومع توفر البديل الذي يتحلل في البيئة دون احداث اي ضرر بيئي وهو الورق، وارتباط سعر كل من الورق و البولي بروبلين بالسوق العالمية ، فإننا من الناحية البيئية نرى عدم السماح باستخدام أكياس البولي بروبيلين في تعبئة الإسمنت.
ماذا يحدث ؟
حالياً هناك لجنة مشكلة لدراسة موضوع استخدام أكياس البلاستيك في تعبئة الإسمنت لشركات القطاع العام مع محاولات من قبل البعض للحصول على موافقة رئاسة مجلس الوزراء بحجة تحقيق وفر أكثر من 500 مليون ليرة سورية سنوياً والتخوف من فقدان الأكياس الورقية وحسب المعلومات هناك مبالغات في التقديرات هدفها تمرير القرار لمصلحة جهات معينة وتؤكد المعطيات أن قيمة الوفر لا تتجاوز 200 مليون ليرة سورية، ولاسيما إذا تم احتساب خسائر الدولة والعاملين من توقف معمل الورق ومعامل الأكياس وإمكانية إعادة تدوير أكياس الإسمنت عدا الأضرار البيئية الخطيرة التي يمكن أن تلحق بالبيئة من جراء رمي هذه الأكياس فيها.
كما أن المبالغة في توجيه الأنظار إلى إمكانية فقدان مادة الورق من السوق لا صحة لها حسب المعنيين في معمل ورق دير الزور... لأن العقد القائم والمخازين تكفي حسب الطاقة الإنتاجية الحالية حتى منتصف 2014 وبالتأكيد هناك إمكانية لعودة معمل الورق للإنتاج في وقت أقرب بكثير مع تحسن الوضع الأمني.
وحسب المناقشات التي دارت في الاجتماعات الأخيرة فإن الوفر الحاصل في سعر الكيس لايتجاوز 60 قرشاً وهو رقم غير ثابت لأنه مرتبط بأسعار مادة البولي بروبلين والمرتبط بسعر سوق النفط العالمي، اذاً هذا الوفر لا يوازي الضرر البيئي الذي يمكن أن يحصل نتيجة الرمي العشوائي لهذه الأكياس؟
لمصلحة مَن؟
أكياس البلاستيك المصنعة من مادة البولي بروبلين والتي طرحت فكرة وضعها في الاستهلاك لتعبئة مادة الإسمنت، أعيد طرحها مرات ومرات، فمنذ عام 2001 أصدرت الجهات الوصائية عدة توجيهات بعدم السماح باستخدام الأكياس البلاستيكية الملوثة للبيئة في تعبئة مادة الإسمنت المستوردة، ومنها كتاب القيادة القطرية رقم 8112/ص تاريخ 17/5/2001، وكتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 8112/ص تاريخ 20/8/ 2001، وكتاب السيد وزير الدولة لشؤون البيئة رقم 3562/ص.ب تاريخ 18/9/ 2001، وكتاب القيادة القطرية رقم 6772/ص تاريخ 27/4/2002 المستند إلى كتاب أمين فرع الحزب في حماه رقم 125/ص تاريخ 17/10/2002، وكتاب وزير الصناعة رقم 309/ص م تاريخ 17/10/2002.
وقد أعيد طرح موضوع السماح باستخدام أكياس البلاستيك منذ عام 2009 وقوبل بالرفض بموجب القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء رقم 3165/1 تاريخ 7/4/2010، ثم تكرر طلب الموافقة خلال عام 2011 وقوبل أيضاً بالرفض بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 824/1 تاريخ 15/1/2012 استناداً إلى توصية اللجنة الاقتصادية بالجلسة رقم /2/ تاريخ 9/1/2012.
إذاً... في حال السماح باستخدام الأكياس البلاستيكية في تعبئة مادة الإسمنت من الناحية الاقتصادية فإن ذلك قد يحقق وفراً في تكلفة سعر الكيس لكن من دون النظر إلى انعكاس ذلك على النشاطات التابعة لصناعة الأكياس، إذ توجد لدى المؤسسة العامة للإسمنت أربعة معامل لإنتاج أكياس الإسمنت من مادة الورق، ولدى هذه المعامل ما يزيد على 300 عامل تابع للقطاع العام، وقيمة الاستثمارات الموضوعة في هذه المعامل سوف تتجمد.
إضافة إلى ذلك فإن معمل الورق في ديرالزور ينتج كامل احتياجات المؤسسة العامة للإسمنت سنوياً ويعمل في المعمل ما يزيد على 700 عامل، إضافة إلى استفادة ما يزيد على 3000 أسرة من الدورة الإنتاجية للمعمل.
وماذا بعد ؟
مع كل المخاطر التي تحملها مادة البلاستيك ومع كل الدراسات والتحذيرات الصادرة محلياً وعالمياً مايزال البعض يرى أن لا ضرر في المواد البلاستيكيةبل الأغرب من ذلك أن بعضهم يسعى لاستصدار قرارات تؤيد بقاء البلاستيك في حياتنا وبقوة في حين أن العديد من الدول أعلنت الحرب عليها في محاولة للحد من تأثيراتها السلبية.
وهنا قد يسأل البعض عن مزايا ومساوئ أكياس الورق وأكياس البولي بروبلين ..وبالتأكيد الفرق كبير حيث نجد أن مزايا الورق وحسب الدراسات هي: سهولة في التعبئة وهدر مواد أقل، كما أنها قابلة للتحلل العضوي وإعادة التدوير والمواد الأولية متجددة طبيعياً وأكثر مرونة في عملية الإنتاج.. أما المساوئ فهي وزن أثقل وكلفة أعلى.. ومن مزايا أكياس البولي بروبلين أنها أرخص ولا تتمزق، ومن مساوئها انزلاق وميلان الأكياس خلال النقل بالسيارات، وهي غير قابلة للتحلل العضوي وليست من مصادر متجددة طبيعياً، وهذه المواصفات وفقاً لدراسة معدة من قبل شركة (أزامر) النمساوية وهي من كبريات شركات الإسمنت في أوروبا، كما أعدت دراسة في السوق الأوروبية المشتركة عن استخدام أكياس البلاستيك ومضاره.
أخيراً من حقنا أن نسأل لماذا كل هذا الإصرار على محاولة استصدار قرارات تضر الإنسان وبيئته ووجوده؟! ألم يحن الوقت لإنهاء الجدل العقيم في هذا الملف رغم اعتراض الكثير من الوزارات؟
العديد من الجهات أعلنت موقفها ومنها وزارة الدولة لشؤون البيئة التي أكدت صراحة وعلى لسان وزيرة البيئة
أنها لن تسمح بما يسيء لبيئتنا ويعرض حياة الإنسان للخطر.
بعد هذا كله ...هل تبادر الجهات المعنية إلى إقفال وإنهاء هذا الملف الذي طال الحديث به أم أن القرارات العشوائية التي لا تخدم سوى أشخاص ستبقى سيدة الموقف بغض النظر عن صحة الانسان وبيئته ؟؟