أيمن قحف
بعد أن تابعت حوار الدكتور وائل الحلقي على الإخبارية السورية،وقبلها جلستي معه قرابة النصف ساعة في طرطوس،صار بإمكاني القول أن الرجل «تفوق على نفسه »واستطاع في أشهر قليلة أن ينتقل بشخصيته وحسن اطلاعه ومتابعته وقدرته على اتخاذ القرار إلى مستوى متميز من القيادة الإدارية على مستوى روؤساء الحكومات بشكل بدد مخاوف البعض من مشكلة «قلة الخبرة القيادية في الدولة وضعف الاطلاع على الجانب الاقتصادي ....»
الدكتور الحلقي تحدث على هواء الإخبارية،وفي لقاءات أخرى رسمية و شعبية وصحفية وفي الاجتماعات بطريقة تؤكد شخصية الرجل القيادية الناجحة واستيعاب تفاصيل العمل الحكومي والاقتصادي،لكنه لم يتخل أبداً عن تواضعه وكياسته في التعامل مع الجميع.
أود في هذا المقام أن أركز على جانب الإدارة الذي لا أرى أنه نضج أو يحظى بالاهتمام الكافي،وبعض مظاهره تتجلى في طريقة تكليف وإعفاء المديرين العامين في الدولة.. بما أنني أكتب هذه المرة بطريقة »شخصية جداً »،فسأذكر أولاً موقفاً أعتبره حكيماً
ويجسد آلية تفكير الدكتور الحلقي في موضوع تغيير المديرين،فقد جاءه اتصال ذات مرة من أحد الوزراء-وكنت في مكتبه يومها-طلب منه إعفاء أحد المديرين العامين وتكليف بديل عنه،فما كان من رئيس مجلس
الوزراء إلا أن أجابه بالحرف:أولاً أنا أعرف معلومات كثيرة عن المدير الذي تودون تغييره وهو ميداني وسمعته جيدة،وثانياً ماذا ينفعني دكتور الجامعة صاحب الخبرة النظرية الذي ترشحه لي في ظرف الأزمة؟أرجو منكم أن لا تطلبوا إعفاء أي مدير ما لم يثبت فساده أو تقصيره الشديد هذه الأيام!!
أصل الآن إلى إعفاءات وتعيينات وقعها رئيس مجلس الوزراء –أو هو في صورتها-لنجد مدى تلاؤمها مع سياسته أو مع مبادئ الإصلاح أو مع ظروف البلد؟!
بعد عشر سنوات أو أكثر في إدارة مؤسسة الخزن والتسويق تم نقل المهندس نادر عبد الله إلى مؤسسة عمران،والسؤال هنا:هل السبب نجاحه السابق أم عدم نجاحه؟نحن نعرف أن الناجح إما أن يبقى مكانه ليواصل نجاحاته أو تتم ترقيته لمنصب أعلى ليعم النجاح أكثر،في حالة المهندس نادر عبد الله نقل لنفس المستوى فما فائدة ذلك إدارياً؟!والسؤال أيضاً:هل ينطبق على المدير العام السابق لمؤسسة عمران أحمد صالح معيار «الفساد أو الفشل »؟بالتأكيد لا فهو مدير ناجح ومحترم بكل المقاييس!
الأمر ينطبق على حالة مدير المخابز الاحتياطية حسن مخلوف الذي أصبح مديراً للخزن والتسويق... كما تم تثبيت السيد هاجم الذيب مديراً للاستهلاكية بعد أشهر من تكليفه بتسيير الأمور،والسؤال هنا:كيف تأكدت الحكومة من كفاءة وقدرة السيد الذيب خلال الفترة السابقة لتتخذ القرار بتثبيته؟!
ولا بد من العودة للسؤال :كيف وعلى أي معيار تم إعفاء المدير السابق محسن عبد الكريم خلال خمس دقائق؟! تم بقرار من مجلس الوزراء بناء على إصرار النائب الاقتصادي إعفاء المهندس علي غانم مدير فرع سادكوب دمشق ،والرجل لم يمض أكثر من سنة ونصف في المنصب وحقق نجاحات يعرفها الجميع وليس عليه أي ملف فساد ومع ذلك رضخت الحكومة والوزير المختص لرغبة النائب وأعفت غانم دون معيار إداري أو رقابي ؟!
تم تعيين مدير للمواد في وزارة التجارة الداخلية اسمه فريد خضور،سرب البعض وثائق لنا وللحكومة أن الرجل مدان تفتيشاً،كتبنا، وطلب رئيس الحكومة إعفاء الرجل وتم ذلك ،تبين لنا فيما بعد أن الرجل حصل على براءة قضائية وأعيد للخدمة بناء على ذلك بقرار من رئيس الحكومة ،نحن اعتذرنا للرجل لكن الحكومة لم تنصفه بناء على وثائق لا لبس فيها!!
ما سبق ذكره هي »إصلاحات »وزير التجارة الداخلية ومكافحته للفساد ونسأل بصدق:على أي معايير استندت الاعفاءات والترشيحات والتعيينات؟
في مكان آخر ،أعفي الدكتور ناصر قيدبان من منصبه كمدير تجاري في مؤسسة الطيران العربية السورية وهو في عز عطائه ونجاحه،كل الأسئلة اصطدمت بإجابات مبهمة،وأكثرها وضوحاً:لا يوجد انسجام مع المدير العام!!!
حاول وزير النقل إنصافه فاختاره مستشاراً لشؤون الموارد البشرية بعد أن عرض عليه »مديرية النقل البحري »وهو دكتور في الاقتصاد بخبرة أكثر من ربع قرن في عالم الطيران!!
في وزارة النفط أعفي مدير عام سادكوب المهندس عبد الله خطاب وسمي مستشاراً للوزير وبعدها صدر مرسوم بتسميته معاوناً للوزير لشؤون التكرير وهو لم يعمل في مصفاة نفط بتاريخه!!بينما يجلس «شيخ صناعة التكرير »المهندس نور الدين مخلوف في مكتب متواضع بمبنى مؤسسة التكرير التي أدارها في السابق لا أحد يستشيره في قطاع نحن أحوج ما نكون إليه فيه ،ولا ندري إن كان تقييمه المهني يأتي من »طبعه النزق »أم من إمكاناته الفنية العالية؟!!
وهناك من لا يفهم سبب إعفاء مدير مميز وليس عليه أية ملفات مثل المهندس عصام ريشة من مصفاة بانياس؟ في وزارة الصناعة يقف السيد حسن أحمد على أبواب المديرين في الوزارة والمؤسسة »يستجدي »شاغراً سبق أن منحه لمئات العاملين على مدى عقدين من الزمن كان فيها مديراً ناجحاً في الصناعة والنقل،حسن أحمد ختم حياته الوظيفية مبكراً مصروفاً من الخدمة بقضية تافهة في حين كان –بنفس الوقت-قد نقل شركة زيوت حلب من خسارة 450 مليون يرة إلى ربح حوالي 350 مليون ليرة في عام واحد بنفس الامكانات،فارق 800 مليون ليرة لم يشفع أمام مفتش حاقد وهيئة لا ترحم وحكومة كانت تفرح بمقترحات الصرف من الخدمة!!
المهم أن الرجل حصل بعد سنوات من النضال على حكم مبرم بالبراءة،وتمت الموافقة على إعادته لوظيفته من اللجنة المختصة،ولكن كلمة »يجوز إعادة استخدام »في قرار رئيس مجلس الوزراء تترك العامل في مهب الريح!!
لا يوجد بين يدي رئاسة الحكومة أو وزير الصناعة أية إدانة للرجل بل شهادات التقدير و مع ذلك أستغرب كل هذه العدوانية في التعامل معه نتيجة »الدس »بدل من التأمل في وثائقه ونتائج عمله؟!!!وكل ما يريده الرجل رد اعتباره أمام أسرته ومحيطه الاجتماعي بعد الظلم الفادح الذي وقع به...
هي أمثلة حية على واقع إداري،قد يقول قائل:إنه يتحدث عن أصدقائه؟!!
وأقول نعم هم أصدقائي،سواء أكانوا في المناصب أو في بيوتهم،ولم أجد في تفاصيل حياة أي منهم ما يوحي بالفساد والترف،وأنا على يقين أنهم لو كانوا فاسدين لربما بقوا مدة أطول في مناصبهم وترقوا!!
لست أنا من أبرئ الناس أو أدينهم لكنني تحدثت في إطار معرفتي وما بين يدي من وثائق..
أملي كبير بالدكتور وائل الحلقي أن يراجع شخصياً الأمثلة المذكورة وغيرها،فقد تساعده في وضع أسس جديدة ومعايير لتقويم وتقييم المسؤولين لاختيار الأفضل وعدم الوقوع في الظلم الذي تعرض له بعض من ذكرتهم..
ألا هل بلغت؟!