متابعة: فادي الشريف- نورهان شحود
حلّ الباحث الاقتصادي والإعلامي السوري أيمن قحف ضيفاً في برنامج "حديث اليوم" على قناة روسيا اليوم في موسكو ليتحدث عن الاوضاع الاقتصادية الراهنة في سورية، وقال القحف الذي يرأس تحرير موقع "سيريانديز" وصحيفة "بورصات واسواق" أن ما يحدث في سورية يشبه الحرب، فهو اقتصاد ازمة ولا أوافق على تسميته باقتصاد حرب كما يقول البعض، لان المشاهد من بعيد يعتقد ان الاقتصاد السوري توقف بالكامل، ولكن اثبتت تجربة 26 شهرا من الازمة أن الاقتصاد السوري اقتصاد حقيقي ولم يعتمد كثيراً على الخارج فبقية لديه عوامل القوة والاستمرارية.
ويدلل القحف على قوة الاقتصاد بأن المواطن السوري ما زال يشتري كيلو الخبز بـ 9 ليرات سورية، وهذا لا يحدث في أي بلد من العالم ، ولا يوجد نية لرفع هذا السعر، كما ان المواد الأساسية متوفرة والمرافئ تعمل، ولا يوجد انهيار في الليرة السورية، ولا اعتقد حدوثه رغم تراجع قيمتها نظرا للظروف، مضيفاً أن هناك وضع اقتصادي صعب نسميه "اقتصاد أزمة"، ولكن من المهم جداً أن نكون متفائلين، على اعتبار أن الحكومة السورية تتعامل مع الأزمة بشكل مقبول يجعل الاقتصاد واقفاً على قدميه رغم كل ما يحدث.
وحول قدرة الدولة على إدارة العجلة الاقتصادية التي خسرت وتضعضع الكثير من أجزاءها ومكوناتها، في ظل فقدان الكثير من المرافق وحقول النفط الذي يشكل المورد الأساسية للموازنة، قال القحف: إن الاقتصاد الحقيقي يحمي البلدان أحياناً، حيث كنت أظن أن النفط يشكل معظم الاقتصاد السوري، والآن أقول أن لدينا زراعة وصناعة في المناطق الآمنة، في الساحل وفي دمشق وفي المناطق الآمنة حول دمشق وفي السويداء وأجزاء كبيرة من حمص، وأجزاء كثيرة من حلب وحماه و الحسكة، فهناك مناطق ما زالت الحياة، والأهم من ذلك أن الحكومة السورية على مدى العقود الماضية استطاعت أن تؤمن احتياطي استراتيجي من القطع يكفي لمثل هذا النوع من الأزمات وبالتالي المرافئ تعمل والمواد يتم استيرادها والمواطن يحصل على احتياجاته بشكل شبه كلي.
وعلقّ القحف فيما يخص وجود مساعدات تحصل عليها الدولة كدعم ايراني لسورية بالمليارات بالقول: أشكك بهذا الكلام فالحكومة السورية تنفق من احتياطيها الذي جنته عبر عقود من الزمن، وهناك حالة انتاجية، ذاكرا ان إيران وروسيا الحليف الكبير لسورية مقصرتان في الجانب الاقتصادي، رغم وجود دعم سياسي، ولم تتحق الوعود الروسية منذ أكثر من عام أو عام ونصف، على صعيد وضع وديعة روسية / 5 مليار دولار/ يتم التفاوض عليها كاستثمارات أو كوديعة، حتى عقود الطيران التي كان متفاوض عليها في النهاية، تم التعاقد مع الجانب الأوكراني، لأن الروس لم يقدموا ما وعدوا به.
ويضيف القحف: أعتب كمواطن سوري على الجانب الإيراني والروسي وكل حلفاء سورية في العالم اتخاذهم مواقف سياسية جيدة وايجابية إلى جانب سورية معتبرينها حليف، ولكن اقتصاديا مقصرون في المطلق ليس بحق الحكومة أو النظام السوري بل بحق المواطن السوري الذي لا يحصل على كل ما يحتاجه في حياته اليومية، وخاصة أن غلاء الأسعار نهش الكثير من موارد وقيمة دخل المواطن السوري.
وفيما يخص وجود شحنات من النفط تأتي من شركات روسيا او غيرها للساحل السوري بغية تغذية احتياجات البلد ، قال رئيس تحرير موقع سيريانديز: كل ما ذكر يدفع ثمنه، ولا شيء يأتي بالمجان، وهناك أمور عليها عقوبات وحظر لا يتم تأمينها إطلاقا، أو يتم تأمينها بصعوبة، أو عبر الطرق البرية، كما هناك أمور مشروعة ولكن لم تفرض عليها الدول الغربية عقوبات، وتأتي بمساعدة روسية أو إيرانية ، ولكن يتم دفع ثمنها، مضيفاً: عندما ترتفع أسعار الوقود عدة مرات في سورية، نتيجته أن النفط غير متوفر لإيصاله إلى المواطن السوري، وهناك أموال تدفع لاستيراد للغاز والمازوت والبنزين، ومن استورد قام بدفع ثمنها لهذه الدولة أو تلك، وبنهاية هذا المحور اقول: لست متأكداً أنه هناك شيء مجاني.
وبخصوص موضوع تحمل الدولة القسط الاكبر من العبء الاقتصادي ، في ظل هروب رجل الأعمال أو صاحب المصلحة أو التاجر من الازمة، وبعضهم أخرج أمواله، ويبحثون عن فرص في لبنان أو مصر أو في تركيا وفي المستقبل، والحديث عن استوطانهم في تلك البلاد إذا ما سارت ودارت أعمالهم كما يرغبون، ما يدفعهم لعدم المسارعة في العودة إلى اقتصاد ما بعد حرب أو أزمة طويلة، يقول الباحث الاقتصادي: أولاً: هم سيعودون لأنهم أصحاب أموال والسوري مرتبط بوطنه كثيراً، ثانيا:ً هناك جدل في سورية، فالبعض يعتبرهم خونة أو ناكرين للجميل لأنهم استفادوا بمليارات الدولارات والليرات من الاقتصاد السوري، وهربوا عندما حدثت الازمة.
كما يوجد حسب القحف كثير من الاشخاص استفادة فعلا ما قبل الأزمة،وهربوا في اول يوم من حدوثها، وهؤلاء تصرفاتهم غير مقبولة، لكن من بقي بسورية في المناطق الآمنة يعيش ويعمل وينتج ، أما الموجودين في المناطق الأخرى الغير أمنة بعضهم ُقتل وبعضهم تعرض للخطف والابتزاز بمبالغ كبيرة، والباقي هرب من أجل لقمة عيشه وأولاده، ومنهم ما زالت فعالياتهم الاقتصادية مستمرة.
ويسأل القحف في مضمون حديثه: ما هي العبرة من قتل رجل أعمال يشغل مئات العمال أو اختطافه ، وما هي العبرة من سرقة 1500 معمل وربما أكثر من حلب التي هي عماد الصناعة السورية لتباع في تركيا بسعر بخس، وما العبرة من سرقة معامل كانت تشغل مئات العمال من سكان حلب، وبعضهم "معارضون من ريف حلب"، ويعمل في هذه المصانع عشرات الآلاف التي نهبت وذهب بها إلى تركيا، هل سيذهبون الان إلى تركيا ليعملوا؟ وهل ستستقبلهم تركيا ليعملوا هناك ؟؟؟.
وبالنسبة لمصدر تعويض حجم الدمار الذي أصاب سورية في البنية التحتية، وإمكانية قدوم شركات وأموال تعيد ما تم تدميره لعودة تعافي الاقتصاد ودفع عجلة الاقتصاد ما بعد الازمة، أكد الإعلامي القحف أن المشكلة كبيرة جدا مشيراً لجهود تبذل من فريق الأمم المتحدة لغرب أسيا "الاسكوا" برئاسة عبد الله الدردري كبير الاقتصاديين في الأسكوا ونائب رئيس الوزراء السابق في سورية، على صعيد دراسة وإجراء تحضيرات لسورية ما بعد الأزمة ،وبحث ما سيتم فعله في كافة القطاعات في اليوم الثاني عقب انتهاء الازمة ، عبر وجود فريق عمل محترف من الخبراء والشباب السوريين، يضع دراسات تكون كدليل استرشادي لما سيتم القيام به.
وختم الإعلامي السوري أيمن قحف: "متفائل جداً أنه في اليوم التالي من الأزمة سيظهر معدن الشعب السوري الذي يحب الحياة ويتجاوز الأزمة، ولا أعتقد أننا سنحتاج وقت طويل وربما أقل من وقت الأزمة التي عشناها لكي تعود العجلة إلى الإنتاج ويتم بناء ما تم تدميره، وعندما يكون هناك تفجير في وسط دمشق ويموت العديد من الأبرياء، نجد المواطنين بعد ساعة في الشوارع وتجد المطاعم والمحال فتحت ويعود الناس إلى حياتهم الطبيعية، رغم كل هذا الخطر، لذلك أنا متفائل وأنقل هذا التفاؤل إلى الجميع في اليوم التالي من نهاية الأزمة الذي أتمنى أن يكون قريب وأدعو الله أن يحمي جميع السوريين بكل أطيافهم وفئاتهم وانتماءاتهم السياسية، وكل يوم ستتحول سورية إلى ورشة عمل ولن يمضي وقت طويل حتى تعود قبلة للاستثمارات وقبلة للعمل والإنتاج أكثر من كل دول المنطقة.