التضخم النقدي وأثره على الديون من وجهة النظر الاقتصادية والقانونية والتشريعية كان محور نقاش الندوة العلمية التي أقامتها جامعة دمشق.
ووصف رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بالجامعة الدكتور علي كنعان أن التضخم النقدي الذي تشهده سورية اليوم بالتضخم الجامح غير القابل للضبط حيث لا تستطيع الحكومة السيطرة عليه لكونه يقفز بمعدلات كبيرة حيث تجاوز معدله الآن 1200% نتيجة خلل بين العرض والطلب.
وأشار كنعان إلى وجود عدة قوانين لقياس التضخم وأهمها قانون الرقم القياسي حيث يتم أخذ أسعار السلع في العام الحالي ويتم تقسيمها على أسعار السنة التي بدأ فيه حدوث التضخم.. مثلاً كيلو اللحم اليوم 5000 ليرة وقبل الأزمة كان 650 ليرة فيكون ناتج القسمة 846% هو معدل التضخم لهذه السلعة وكذلك مادة الخبز فقد وصل معدل التضخم فيها إلى 333% وكذلك هناك طريقة أخرى للقياس وهي حساب فجوة الطلب بين العرض والطلب وبين استخدامات الموارد ومصادر الموارد لافتا إلى أن معدل التضخم في أكثر دول العالم لا يتجاوز حالياً 5% سنويا وأما في سورية فقد وصل المعدل التراكمي إلى 1200%.
وفند كنعان أسباب التضخم في سورية بزيادة حجم الإصدار النقدي لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة الكبير منذ عام 2011 حيث سحبت وزارة المالية من البنك المركزي بحدود 3.5 تريليون ليرة إصدار من دون تغطية وهذا الأمر ضغط على سعر الصرف وساهم بتخفيضه كما تراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي حيث كان قبل الأزمة 2791 ملياراً وأما اليوم فهو 1116 ملياراً ما يعني أنه بقي فقط 40% من ناتج عام 2010 وكذلك توقف التصدير وزيادة حجم الاستيراد حيث نستورد اليوم 2.5 مليار دولار والتصدير متدن ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية إلى سعر الصرف الذي نشهده الآن وهو أقل بكثير من السعر الحقيقي.
وأوضح كنعان أن التضخم أثر على الديون المستحقة فهناك ديون منتجة للأرباح وديون غير منتجة للأرباح (مداينة بين الأفراد) وقد تبين أنه في حال أقرض البنك مبلغاً بمرابحة أو مع الفائدة فإن أصل الدين لا يرجع فإذا أقرض على سبيل المثال خمسين مليون ليرة وأخذ مرابحة أو فائدة من المواطن فالخسارة تكون 10 ملايين ليرة سورية وبالنسبة للديون غير المنتجة للأرباح أو القرض الحسن أو القروض بين التجار فهي ديون تخسر قيمة التضخم.
واعتبر كنعان أن أثر التضخم على توزيع الثروة لدى الأغنياء يكون بتضاعف ثرواتهم حسب معدل التضخم وأما الفقراء فهم المتضررون من ذلك حيث ارتفعت الأسعار 1200% والأجور زادت بحدود 50% أو 60% فقط وهذا أدى إلى تردي أوضاع العاملين لدرجة لا يوجد عامل في الدولة راتبه يتعدى 100 دولار.
وأشار كنعان إلى أن التضخم له آثار اجتماعية سلبية تتمثل بانهيار الوضع الاجتماعي للمثقفين والشريحة التي كانت على الدوام حاملة التطور الاقتصادي والاجتماعي في سورية.. نتيجة انحدار مستواها الاقتصادي الأمر الذي يضطرها إلى اللجوء إلى الفساد والرشوة كما يساهم التضخم بظهور الاستهلاك الترفي وظهور أحياء خاصة بالأغنياء يمارسون فيها طقوس الرفاهية مقابل أحياء للفقراء.
ورأى كنعان أن مشكلة التضخم والأجور والديون يمكن معالجتها من خلال ربطها بالرقم القياسي للأسعار وأن يتم تقسيم التضخم بين المدين والدائن حيث قامت بعض الدول بربط الأجور بالرقم القياسي للأسعار من خلال زيادة الأجر بمعدل التضخم مثل الأرجنتين والبرازيل وتركيا وقد أثبتت جدواها.
بدوره أشار الدكتور فواز الصالح من كلية الحقوق بجامعة دمشق أن القانون كرس مسألة تقسيم التضخم المدين والدائن من خلال نظرية الظروف الطارئة ففي حال توافرت شروط هذه النظرية فالإرهاق الذي يحدث نتيجة هذه التضخم يمكن للقاضي أن يتدخل ويوزع الخسارة بين الدائن والمدين مشيراً إلى أنه في العقد المدني فإن الديون ومجمل العلاقات التعاقدية تقوم على جملة من المبادئ يجب مراعاتها من أهمها العقد شريعة المتعاقدين ولكن نادراً ما تكون هناك مبادئ مطلقة بالقانون فهناك ظروف طارئة واستثناءات ومنها نظرية الظروف الطارئة بمعنى أنه إذا توافرت شروط النظرية فإن القاضي رغماً عن إرادة المتعاقدين يعدل أحكام العقد وفقا للظروف التي حدثت.
وبيّن أن المشرع في تنظيمه للعلاقات بين الأفراد يهدف إلى تحقيق توازن قانوني ولا يهدف إلى تحقيق توازن اقتصادي فإذا كان المتعاقدون كاملي الأهلية وكانت إرادة المتعاقدين خالية من العيوب وعقدهما صحيح فهذا عقد صحيح ورغم ذلك هناك مبدأ فيه استثناءات في بعض الحالات الخاصة يكون فيها التفاوت المادي في أداء الطرفين سبباً إما لإبطال العقد أو إعادة التوازن بين المتعاقدين.
ولفت إلى نظرية الظروف الطارئة في المادة 148 من القانون المدني التي تقول إن العقد شريعة المتعاقدين ومع ذلك إذا طرأت ظروف استثنائية عامة غير متوقعة أدت إلى تنفيذ الالتزام على المدين وإن لم يصبح مستحيلاً وإنما أصبح مرهقاً بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي بناء على طلب من المدين أن يتدخل ويعيد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول الذي يتحمله المدين وما زاد عن الحد المعقول يتقاسمه الطرفان في هذا الأمر مشيراً إلى أنه وفق اجتهادات محكمة النقض فإن ارتفاع الأسعار لا يعد ظرفاً استثنائياً ولكن يعد استثنائياً في بعض الحالات وإذا توافرت شروط الظروف الطارئة في أي حالة من هذه الحالات يمكن أن يعد الارتفاع أو الانخفاض في قيمة النقد ظرفاً طارئاً يؤدي إلى تطبيق نظرية الظروف الطارئة بمعنى توزيع الخسارة الحاصلة بين الدائن والمدين.
وبما يخص مهر المرأة رأى القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي أن المرآة تضررت نتيجة التضخم النقدي الحاصل حالياً لافتاً إلى أن المحكمة الشرعية قدمت عدة مقترحات من أجل رفع قيمة مهر المرأة منذ الثمانينيات من القرن الماضي إلا أن المحكمة رفضت هذه المقترحات وأبقت المهر على حاله وكذلك فإن دراسات عدة قدمت للمجمع الفقهي الإسلامي بأن يكون قيمة المهر بالذهب ولكنه تم رفضها أيضاً.
وبيّن المعراوي وجود بعض النصوص الشرعية التي تبيح رفع قيمة مهر المرأة وخاصة في المذهب الحنفي لدى الإمام أبو يوسف وهو الرأي الأرجح في هذه المسألة بمعادلة مهر المرأة واعتبار النقود الورقة قيمية وليست مثلية مشيراً إلى أن هذا الرأي يمكن أن يعد حلاً بأن تأخذ المحاكم الشرعية برأيه في هذه المسألة باعتبار أن قانون الأحوال الشخصية لا توجد فيه مادة تنص على رفع قيمة المهر نتيجة انخفاض قيمة النقد بل ينص على أن المهر يجب أن يدفع كما هو مسمى بالعقد.
وأشار المعراوي إلى أن لدى المحكمة حالياً ثلاث دعاوي من سيدات يطالبن برفع قيمة المهر وأن المحكمة تعقد اجتماعات بشكل أسبوعي لمناقشة هذه المسألة وإلى الآن لم يتم الخروج بنتيجة بما يخص هذه المسألة.