رشاد أنور كامل
هل فعلاً البيان رقم واحد هو الحل السحري للتغيير ، وتغيير ماذا ؟
حسني الزعيم بدأ موجة من الانقلابات وبيانات من نمط رقم (واحد) تصورنا اننا تعافينا منها في العشرين سنة الماضية ، لكن من الواضح اننا الى هذه اللحظة فكرة التغيير في الذهنية السورية تتمحور حول البيان رقم 1 ...
سرما حدث يوم 30 آذار عام 1949 واستمر في الذاكرة السياسية السورية الى اليوم هو البيان السحري ... البيان رقم (واحد) الذي غير فيه حسني الزعيم كل شيء ببيان .... غير الدستور، غير مجلس الامة ، الغى قوانين وفرض قوانين ، وعين نفسه وصياً على الأمة وراعيها ....
وكل ذلك لايهم لأن حسني الزعيم لم يستمر الا أربعة اشهر في الحكم .... ليطاح به ببيان رقم (واحد) جديد اطلقه سامي الحناوي، والذي بدأ بإعدم حسني الزعيم كما يروى بحضور الملحق العسكري البريطاني ان لم يكن بتعليماته...
وتوالت بعدها البيانات تلو البيانات وكلها رقم (واحد) ....
فشكلت تراكميتها العرف الشعبي والسياسي في تحقيق التغيير ... واسس لمفهوم الانتقال السياسي القائم على التغيير الشامل، واطلق المقولة المعروفة لدى كل سوري .... " لو حكمت هذا البلد .... لفعلت كذا وكذا "
مافعله حسني الزعيم انه اعطى مشروعية لحلم الافراد على حساب مشروعية التنمية ...
احد عشر سنة مرت بعد حسني الزعيم الى أن اطلقت سورية خطتها الخمسية التنموية الأولى، ولكن برأيي لم تستقر سورية فعلاً لتحقق قفزة في الرؤى التخطيطية الا مع الخطة الخمسية الرابعة 1976... وتوالت الخطط التنموية وصولا للخطة الخمسية العاشرة الشهيرة الخلافية والتي انتهت افتراضيا عام 2010 ....
مع كل ما يقال .. سورية حققت في خطتها التنموية التاسعة والعاشرة قفزة نوعية بالمقارنة مع ماسبقها منذ بدأنا التفكير بآثار الخطط التنموية على مستقبل سورية وحاضرها ..
ومع كل تلك الإنجازات فشلنا في انجاز رئيسي ، هو التخلص من العرف السائد في عملية التغيير في سورية ، فشلنا من التخلص من آثار حسني الزعيم فينا جميعاً ..
خمس سنوات من الحرب ، افقدت سورية تنمويا حسب الخبراء أربعين عاماً أي اذا سلمنا بتقديراتهم ، نكون اليوم تنموياً في العام 1976 ، أي في عام اطلاق الخطة التنموية الرابعة ، التي اعتبرتها بداية سورية تنموياً..
ومع ذلك هناك من يريد التفاوض على انتقال السلطة واطلاق بيانه رقم (واحد) ، معتبرا وجوده لوحده هو الحل التنموي المنشود لاغلاق 40 سنة تنموية خسرناها ولاغلاق حاجتنا الى تخطيط تنموي جديد يغطي العشرين سنة القادمة على الأقل .
والسؤال الذي يجب ان يطرح بقوة اليوم على كل السوريين هو: "هل فعلاً الانتقال السياسي بشكل البيان رقم (واحد) هو الحل التنموي لسورية ؟".
وعندما نتحدث عن الاستحقاق التنموي المطلوب في سورية، يجب ان ننطلق أساسا من اتفاق على شكل سورية المستقبل، لا بالشعارات ، بل بتوصيف واضح ، غالبا ما يوصف بأنه المبادئ فوق الدستورية ...
لننتقل بعدها الى تفاصيل كثيرة جداً ومعقدة ومترابطة ومتداخلة مجموعها كله ينتج خطة ترسم ملامح وطن يخرج من حرب طاحنة الى استقرارمهزوز ، الى استحقاقات مابعد الحرب ، الى إعادة اعمار، الى استقرار ، الى تمكين الاستقرار، الى تنمية مستدامة .
يمر ضمنها معادلات ، إعادة الاعمار وعودة اللاجئين والمهجرين، وإعادة خدمات الدولة الأساسية لكافة المناطق السورية من بنى تحتية ومياه وصرف صحي وكهرباء واتصالات ، وتأمين المناطق المدنية من مخلفات الحرب، ومعالجة أي تلوث في المياه السطحة او الجوفية، وتأمين مستلزمات البناء والإنتاج لتمكين تلك المجتمعات من العودة تدريجيا الى الحياة المستقرة .
ولا ننسى اليات طي آثار اقتصاد الحرب ، وإعادة تأهيل من تعاطى بها ، ليتمكن من العمل وفق اقتصاد السلم .
والعملية التنموية القادمة يجب ان تلحظ أهمية تجاوز ثغرة التعليم والتي طالت مدتها لتتجاز خمس سنوات ، وخاصة مع فقداننا لكم كبير من كادرنا التربوي ، والجهد الكبير المطلوب في إعادة انجاز مناهج تربوية مخصصة تساعد في طي سنوات الانقطاع.
وماذكرته هو أجزاء من الاحتياجات التنموية ، ولم اسرد لكم كل التفاصيل وتعقيداتها لانها كثيرة ، ولكنها لم تكن غائبة ولكن مهملة في الادارج الرسمية.
اذا ... لماذا ومنذ اللحظة الأولى كان الإصرار على الانتقال السياسي أو التمترس السياسي؟! السبب واضح ، هو العودة الى العرف السائد في التغيير ، الانقلاب ..
فلم يكن هناك خطاب تنموي لدي أي طرف في مواجهة خطاب المواجهة الشاملة
فالمؤسسات الرسمية السورية تمترست حول اليات عملها تنمويا بشكل مطابق لما قبل الحرب ايمانا منها بأن هذا الفعل هو جزء من رسالة لابد من توجيها الى العالم حول تماسكها وتمسكها بالاطرالقانونية والدستورالمحدث، وهذا عمليا نجح جزئياً، وسعدوا به لأنه أتاح لهم ممارسة سلفيتهم الحكومية في مواجهة الاستحقاقات التنموية، وطرد الدعوات التنموية مرة أخرى بحجة لايعلو صوت فوق صوت المعركة ...
ولكن عندما حان وقت التفاوض وجلسوا على طاولة مفاوضات جلسوا مع من يطالبهم بالانتقال السياسي، والاجدى بهم كان ان يجلسوا مع من يطالبهم بالانتقال التنموي.
فالانتقال السياسي هو نتيجة للحرب ومكافأة له ، اما الانتقال التنموي هو تجاوز لمسببات الحرب وتأكيد عدم تكرارها .
التفاوض حول الانتقال السياسي هو التفاوض على من سيحكم ، والتفاوض على الانتقال التنموي هو التفاوض كيف سنحكم .
كيف سنحكم ...وبأي أدوات .... وضمن أي اطار زمني. هو المطلوب من أي مفاوض، يفاوض على مستقبل سورية .. نناقش خطط ونتفاوض على بنودها، نناقش أدوات ، نناقش اطر تنفيذية ومؤشرات، نضع معايير للمحاسبة ولتحمل المسؤولية ، نضع نقاط علام تنموية ونتائج تأشيرية تدل المواطن السوري على من احسن التنفيذ ومن لم يتمكن من انجاز ما هو مطلوب منه.
التفاوض بين الدولة السورية بمؤسساتها والخبراء السوريين لم يتوقف فعلاً ، انما اهملت نتائجه، واليوم نحتاج الى تفعليها ورفعها الى مستوى التفاوض، لا التشاور، ولا استمذاج الرأي ، فالتفاوض نتائجه حاسمة إما اتفاق أو فشل...
والفشل في التفاوض السياسي قد يطيل أمد الحرب ، اما الفشل في التفاوض التنموي فهو أمر غير وارد لأنه ان بدأ هو ناجح حتماً .
المفاوضات من اجل الانتقال التنموي ، إن بدأت ، ستطوي انقلاب 30 اذار 1949 ، وتنقل السوريين من انتظار البيان رقم (واحد) والحلم بدولة يقودها كل فرد لوحده، الى انتظار السوري لدوره في منظومة دستورية قانونية تنموية اجتماعية ، يعلم فيها ان لا انقلابات تحقق التنمية ، بل التخطيط السليم والمؤشرات والشفافية ، وتحمل المسؤولية ... وسيادة القانون
نعم هؤلاء الخبراء ليس لهم القدرة على إيقاف السلاح اليوم ، أي كما يقال لا تأثير لهم على أرض المعركة ... لكنهم هم ومن شاركهم في التفاوض يستطيعون ضمان السلام .... وبدون بيان له رقم .... بل بخطة عمل ...
تقدمنا نحوكم خطوات .... فهل ننتظر من حكومتنا الجديدة ومجلس شعبنا الجديد ... خطوة