دمشق- سيريانديز
لا تزال تبعات حملة إزالة إشغالات الأرصفة والبسطات التي شنتها المحافظة على جميع المحاور في دمشق تظهر تدريجياً على المستهلكين من ذوي الدخل المحدود، ولعل من أكثر البسطات التي تمت إزالتها هي بسطات بيع ألبسة البالة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير ووصلت إلى حد الإزعاج وعرقلة السير.. لكن انعكاسات إزالة هذه البسطات على المواطنين من ذوي الدخل المحدود كانت كبيرة فقد شهدت أسعار البالة التي تباع ضمن المحال ارتفاعاً كبيراً إذ وصلت إلى أسعار تكاد تكون خيالية وتضاهي أسعار الألبسة الجديدة حيث انتهز أصحاب المحال هذه الفرصة نتيجة الإقبال على شراء البالة مع تردي أحوال الطقس خلال الأسبوع الماضي وعمدوا إلى رفع أسعار ألبسة البالة إلى الضعفين فالقطعة التي كانت تباع قبل إزالة البسطات بـ500 ليرة أصبحت تباع بألف ليرة والقطعة التي كانت تباع بألف ليرة أصبح سعرها يتجاوز 3000 ليرة. تقول السيدة وفيقة العلي إن قرار محافظة دمشق جمّل مدينة دمشق لكنه أضر بمصلحة المواطنين من الفقراء وذوي الدخل المحدود وأضافت: لم نعد قادرين على شراء حتى ألبسه البالة بعد أن كنا نعتمد عليها، لرخص أسعارها، في شراء كسوة الأولاد الصيفية والشتوية، بينما تساءل المواطن عرفان الرشيد عن سبب تجاهل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ما يجري في الأسواق من ارتفاع للأسعار وخاصة البالة.
قدرة تنافسية
أشار التاجر عيسى فليون إلى أن البالة تمتلك مقدرة تنافسية من خلال قدرتها على تحقيق فارق مالي، حيث يستطيع رب العائلة شراء عدد كبير من القطع بسعر اقتصادي قد يوازي قطعة واحدة أو قطعتين من الألبسة المحلية الجديدة أو المستوردة. هذا الفارق يسهم في تحقيق وفر مالي يوجه في أمور حياتية أخرى. ولم ينكر فليون أن إزالة البسطات فسحت المجال أمام أصحاب محلات البالة لرفع أسعارهم نتيجة وجود طلب متزايد على الألبسة الشتوية المستعملة وقلة وجود محال مرخصة لبيعها.
يقول صاحب أحد محلات البالة: مع دخول أي فصل من فصول السنة يتسابق بعض التجار لعرض ما لديهم من ملابس مستعملة وبعض هؤلاء التجار يذهبون إلى أبعد من ذلك وهو إحضار هذه الملابس من دول عدة من الصين والهند وأوروبا واليابان حيث تشترى هذه الملابس المستعملة أو الملابس المخزنة بأسعار تكاد تكون بسيطة ويتم طرحها في الأسواق عن طريق بيعها في محلات أو عرضها عن طريق الباعة المتجولين على البسطات وأكثر هذه الملابس تجد رواجاً حيث إن أغلب من يشتري هذه الملابس هم ذوو الدخل المحدود نظراً لسعرها المنخفض جداً.
من جانبه ماجد خليل أحد تجار الجملة للبالة قال: إننا نحضر الملابس المستعملة من تجار في الإمارات العربية وهم بدورهم يحضرونها من دول مختلفة ويتم تقسيم هذه الملابس إلى أنواع عدة على أساس الجودة فهناك الفئة الأولى وهي ذات الاستخدام القليل ويتم غسلها وتباع في المحلات وهناك الفئة الثانية ذات القيمة الأقل والجودة الأقل وتباع على البسطات مع الفئة الثالثة ذات القيمة والجودة المتدنيتين وهي الأكثر بيعاً لدى الجميع. وأضاف: إننا نحضر البضاعة ونبيعها بالوزن أحياناً وبالقطعة أحياناً أخرى.
ضحية الاستغلال
وعزا رئيس جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها عدنان دخاخني ارتفاع أسعار البالة إلى زيادة الإقبال على الشراء وخاصة مع قدوم فصل الشتاء وقيام المحافظة بإزالة جميع البسطات، ما جعل أصحاب المحال يرفعون أسعارها إلى الضعفين بسبب كثرة الطلب وقلة العرض وطبعا المواطن هو الضحية والمتضرر في النهاية، لافتاً إلى أن ميول المستهلكين نحو السلع الأرخص ثمناً شكل مناخاً ملائماً للعديد من الباعة والتجار لطرح مواد وسلع رخيصة نوعاً ما لكنها رديئة ومنخفضة المواصفات، بل هناك مواد تطرح في الأسواق غير صالحة للاستخدام البشري وخاصة في مجال المواد الغذائية.
اقتصاد غير رسمي
الدكتور فراس عبد الحق خبير اقتصادي قال: يندرج باعة البسطات والباعة الجوالون تحت مظلة الاقتصاد غير الرسمي الذي يقدر حجمه بنحو ٢٠٪ من الناتج القومي وبقدر ما يشكل هذا النوع من التجارة بشكل عام أو الباعة الجوالون بصورة محددة مشكلات اقتصادية تنتج عن عدم الخضوع للضرائب أو الرقابة من جانب الأجهزة المعنية على المنتجات التي يتم تداولها في السوق لكنه يعد واقعاً تشهده جميع دول العالم حيث يوجد أصحاب البسطات في معظم الدول وعلى الأخص في الدول النامية وينظر بعض الاقتصاديين للقطاع غير الرسمي نظرة إيجابية بسبب استيعابه للعمالة التي لا تستطيع الحصول على فرص توظيف في القطاع الرسمي. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة عن عدد باعة البسطات وخلفياتهم التعليمية والاجتماعية والاقتصادية لكن يلاحظ ازدياد أعدادهم بشكل كبير خلال السنوات الماضية وتحديداً خلال سنوات الحرب على سورية وهو ما يدعونا للاعتراف بأن هذا النشاط الاقتصادي بات يساهم بقوة فى توفير فرص عمل تساعد فى الحد من الفقر فضلاً عن خلق سوق للعديد من السلع بأسعار منخفضة يقبل عليها المواطنون من مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية فى ضوء تراجع القدرة الشرائية وخاصة الألبسة والأحذية.
مناطق مجانية
بدورها محافظة دمشق على لسان المحامي فيصل سرور عضو المكتب التنفيذي لقطاع الموازنة بينت أنها تقوم بدراسة أربع مناطق لتموضع البسطات فيها علماً أنه حالياً يوجد خمس مناطق للبسطات مجانية وكلفت دوائر الخدمات بإعداد دراسة تجميلية لسوقي باب سريجة والميدان وتجدر الإشارة إلى أن حملة المحافظة شملت إزالة أكثر من أربعة آلاف بسطة ومتجر في الأسواق الشعبية والشوارع الرئيسة في العاصمة.
ومن المفيد القول إننا لسنا ضد إزالة البسطات، وتجميل الشوارع والأرصفة، من أجل إعادة الألق لدمشق بما يظهر جمالها وعراقتها، وحضارتها العمرانية ورغم المطالب الكثيرة الداعية إلى تنظيم عمل أصحاب البسطات، والحدّ من إشغالات الأرصفة وإيفاء المحافظة بوعدها بتخصيص سوق منظمة لباعة البسطات من أجل فسح المجال أمام الباعة وصغار الكسبة للعمل والكسب وتأمين حاجاتهم.