دمشق- سيريانديز
تركزت مناقشات المشاركين في المؤتمر الوطني الأول الذي تنظمه وزارة الإعلام في مكتبة الأسد الوطنية تحت عنوان “حق المواطن في الإعلام” خلال جلسته الثالثة على المصالحات الوطنية ودورها في إعادة البناء الثقافي للمواطن والعمل على توسيع مشروع المصالحات المحلية للوصول إلى مشروع مصالحة وطنية متكامل قائم على مبدأ العدل والمساواة بين الجميع.
ودعا المشاركون إلى ضرورة إحداث تحول نوعي في الخطاب الإعلامي السوري وأن يكون الأول في إيصال المعلومة والعمل على شرح مفهوم المصالحة وإقامة دورات للإعلاميين تمكنهم من إيصال هذا المفهوم لمختلف شرائح المجتمع وتوضيح تفاصيل العمل الذي يتم العمل عليه لإتمام المصالحات والتركيز على الصورة الصحفية ومن ثم المعلومة وإيجاد ممثلين عن الوزارة في مختلف المؤسسات والوزارات.
وشدد المشاركون على ضرورة تعميق الذات والوجود للمواطن السوري والارتقاء بالمصالحات المحلية والتركيز على الأطفال والشباب في الخطاب الإعلامي وزيادة البرامج التي تعزز ثقافة المصالحة والسعي لإيجاد تسويات للمواطنين الذي هاجروا خارج سورية وتشجيعهم على العودة.
وأشار الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية بسام أبو عبد الله إلى أهمية العمل على تفادي ومعالجة “التراكمات” التي تواجه عملية المصالحات فيما أكدت الدكتورة نهلة عيسى في كلية الإعلام أهمية “التركيز على الأخطاء التي حصلت في عملية المصالحات لمعالجتها وتعزيز مواقع النجاح والابتعاد عن المصطلحات غير الوطنية” بينما دعت المخرجة سهير سرميني ضرورة إعداد برامج خاصة للمهجرين السوريين في الخارج ولا سيما في لبنان “كونهم يحتاجون إلى احتضان من نوع آخر وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطن”.
وفي رده على التساؤلات أوضح وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية الدكتور علي حيدر أن بعض المصالحات “لا يمكن أن نطلق عليها مصالحة وطنية إلا بعد إنجاز جميع مراحلها وعودة الأهالي إلى المناطق لهذا يجب التمييز بين المراحل التي تؤدي إلى المصالحة” مشيرا إلى أن “ما أنجز في أغلب المناطق هو بداية مشروع مصالحة يهيئ للقيام بمشروع مصالحة وطنية يركز على إعادة التأهيل”.
وبين حيدر أن الدولة تنظر إلى المصالحة بما يخدم المصلحة العليا للدولة والمجتمع وأن توحيد جهود مشروع المصالحة يسهم في إتمامها بطريقة صحيحة وفعالة مضيفا إن “نبض وإيقاع مشروع المصالحة يختلف عن نبض وإيقاع المسلحين وإجرامهم”.
وأشار حيدر إلى أن ملف المخطوفين غير مرتبط بمنطقة واحدة بل تتم معالجته على مستوى سورية “لأن عددهم يتعدى 30 ألفا بين مخطوف ومفقود” موضحا أنه “حتى الآن لم نتوصل إلى نتائج نهائية في هذا الإطار كون بعض الملفات تحولت إلى إقليمية بغية الابتزاز”.
وأعرب حيدر عن أمله بأن تتمكن الوزارة من إيصال مختلف المعلومات التي تخص المصالحات بالسرعة المطلوبة لجميع وسائل الإعلام خلال الفترة المقبلة مشددا على ضرورة “بناء الإنسان السوري بالشكل الصحيح وإصلاح عيوبنا التي كشفتها سنوات الأزمة”.
وأكد حيدر أن أي مواطن سوري في الخارج يرغب في تسوية وضعه ليتمكن من العودة يمكنه التواصل معه شخصيا للحصول على “الجواب الشافي عن وضعه خلال 15 يوما”.
وأشار حيدر إلى أن “تجربة المصالحة في سورية فريدة ومميزة وهذا ما أكده خبراء دوليون لأن سورية بدأت بها أثناء الحرب ولم تنتظر حتى انتهائها كباقي الدول التي تعرضت لأحداث مشابهة” مستعرضا عددا من المصالحات في ريف دمشق والقنيطرة وحمص والإجراءات التي تمت وفق خصوصية كل منطقة.
ودعا الوزير حيدر إلى ضرورة إيجاد استراتيجية إعلامية متكاملة ومواكبة تسير بالتوازي مع مشروع المصالحة انطلاقا من الفهم الواضح بين المؤسستين “الإعلام والمصالحة” مبينا أهمية الانتقال لقراءة مختلفة لعرض تلك الإجراءات وأهداف وأبعاد المصالحة والتركيز في البرامج التلفزيونية على القصص الإنسانية والنتائج الإيجابية التي تحدث في المنطقة ما بعد إجراء المصالحة وقال.. “لماذا لا نتحدث عن خروج 30 ألف موقوف من السجن وعودة 3 ملايين سوري بين موقوف ومشرد ولاجئ للحياة الطبيعية والإنتاج ضمن مسار مشروع المصالحة” مضيفا .. “أنه لا يمكن التحدث عن المصالحة دون ربطها بقضايا الهوية والانتماء والمواطنة والوحدة الوطنية وملازمة مفهوم القضاء على الإرهاب مع مشروع إنجاز المصالحة”.
وركز الوزير حيدر على ضرورة اتجاه الإعلام السوري أثناء مساهمته بنشر مشروع المصالحة على الحوار والعلاقة التفاعلية بين أطراف المصالحة وعلى المعلومة الموثوقة والصحيحة والتوجه للإعلام الخارجي والداخلي على حد سواء و”تغطية الحرب كأحداث والمصالحة كمسار” لشد المواطن السوري لمتابعة مسار المصالحة من خلال تعزيز لغة العقل والمصداقية.
مشاركون في المؤتمر: إعادة رسم استراتيجيات الإعلام السوري للوصول بشكل أكبر إلى قضايا المواطنين الخدمية والمعيشية
وكانت مداخلات المشاركين ركزت في الجلسة الأولى للمؤتمر على ضرورة ضمان حق المواطن فى الحصول على المعلومة الصحيحة ومنح وسائل الإعلام المساحة الكاملة للعمل بعيدا عن أي قيود ووجود نصوص قانونية واضحة وصريحة لمعرفة حقوق وواجبات هذه الوسائل.
ودعا المشاركون إلى إعادة رسم الاستراتيجيات والأهداف للإعلام السوري للوصول بشكل أكبر إلى قضايا المواطنين الخدمية والمعيشية حيث من حقهم أن يلامس الإعلام مشاكلهم وهمومهم اليومية مؤكدين ضرورة إيلاء الإعلاميين اهتماما كبيرا وإيجاد صيغ قانونية تضمن لهم ممارسة عملهم والتطرق بمهنية وشفافية لمختلف القضايا التي يواجهونها.
وفي مستهل أعمال المؤتمر أكد الإعلامي نضال زغبور المنسق العام له أن الإعلام السوري “أثبت حضوره بخبراته الوطنية وهي خبرات مشهود لها بالكفاءة والصدق والإخلاص فكان المصدر الأول للخبر وصاحب الحقيقة”.
وأشار زغبور إلى أن ما روجه الإعلام المعادي لسورية الذي تم تسخير تقنيات مذهلة وأموال خرافية لخدمته كان “مجرد هراء وأكاذيب راهنت على الوقت والاحتيال والخديعة والإيهام” وأن الأيام والوقائع أثبتت انحيازه وكذبه.
وفي جلسة بعنوان حق المواطن في الإعلام بين الإعلامي الدكتور فايز الصايغ أن قوة الاعلام السوري تكمن في امتلاكه الحقيقة ووجودها على أرض الواقع وقد استطاع خلال سنوات الحرب اختراق الجدران والحواجز والوصول إلى الرأي العام العالمي رغم أنه لم تبق وسيلة إعلام تملكها دولة عظمى إلا وشاركت بالحرب الإعلامية على سورية.
ورأى الصايغ أن الإعلامي بحاجة اليوم إلى تدريب ما بعد الجامعى وتوعية قانونية لمعرفة حقوقه وواجباته معتبرا أن الرقابة في عالم الفضاء المفتوح لم تعد مجدية.
وطرح الصايغ عددا من الأمثلة حول العقبات القانونية التي تواجه الإعلاميين وأكد أهمية “توعية الإعلاميين بشأن النصوص القانونية التي تحد من عملهم و إزالة العقبات القانونية التي تعترض طريقهم” مشيرا إلى أن إحدى المهام الموكلة للإعلام في أي دولة تتمثل باستطلاع آراء مختلف الشرائح المجتمعية بشأن أي قضية ما يحتم عدم التضييق على الإعلام.
وبين الصايغ أن كيفية التعامل مع مجتمع ما بعد الأزمة وماهية الأسس الإعلامية التي ينبغي التشاور لوضعها للتعامل مع هذا الواقع غير المسبوق سيتم التعامل معها والإجابة عنها من خلال محاور المؤتمر.
بدوره أشار عضو المحكمة الدستورية العليا الدكتور سعيد نحيلى إلى أن الإعلام حق لكل مواطن منح له بموجب الدستور ويجب أن يكون مصونا قضائيا مؤكدا ضرورة منح هذا الحق للمواطنين والعاملين فى مجال الإعلام على حد سواء والدفاع عنه فلا يحق لأحد أن يسلبهم هذا الأمر.
ورأى نحيلي أن “التقيد فيما يتعلق بالإعلام أمر مطلوب وكذلك الحيادية والشفافية” موضحا أن “الحق في الإعلام للمواطنين يجب أن يكون صادرا بنص قانوني فيما يكون الحق الإعلامي منظما من خلال إطار تنظيمي تسنه السلطة التشريعية في الدولة”.
وبين نحيلي أن القانون “يراعي حق الإعلامي وكذلك حق المتلقي أي المواطن الذي لا يجوز إيذاؤه بفكرة لا تناسب كيانه كإنسان” وقال.. إن “الحرية الإعلامية يجب ألا تمس المراكز القانونية للشخصيات العامة أو الاعتبارية التي يحق لها الدفاع عن نفسها بل يجب أن يكون هناك حدود للحرية الإعلامية حتى لا يكون هناك مساس بشكل شخصي بأحد ما”.
وفي مداخلة له دعا وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية الدكتور علي حيدر إلى إضافة كلمة الواجب إلى ثنائية الحق والحرية بحيث يكون هناك فضاء يحلق فيه الجميع لتحقيق مصلحة الوطن العليا فقط.
من جهته أكد المدير العام للوكالة العربية السورية للأنباء “سانا” أحمد ضوا في مداخلته ضرورة وضع أسس قانونية واضحة تعالج مختلف القضايا والمسائل المتعلقة بالإعلام مشيرا إلى أهمية أن يركز الإعلام الاهتمام على قضايا المواطنين اليومية لكونهم الغاية والهدف من الرسالة الإعلامية.
ودعا ضوا إلى إتاحة المعلومات بشكل أكبر للإعلاميين وخاصة في الوقت الحالي لكون المواطن السوري واعيا وقادرا على التمييز بين ما هو جيد وسيىء.
ورأى ضوا أن هناك افتقادا للتواصل أحيانا بين الجهات المسؤولة والإعلاميين مشددا على أهمية عقد اللقاءات الدورية بين هذه الجهات والصحفيين في المؤسسات الرسمية والخاصة لوضعهم في صورة التطورات الجديدة حتى يتمكنوا من نقل المعلومة بشكل صحيح للمواطن.
بدوره أشار مسؤول الإعلام في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة أنور رجا إلى أهمية حق المواطن في الحصول على المعرفة والمعلومة والحقيقة وليس أن يقوم هو بالبحث عنها موضحا أن الإعلام معني بالتعبير عن هموم المواطنين التي تبدأ من القضايا المعيشية والمعرفية والتربوية وكل ما يتصل بشأن الفرد إلى جانب القضايا ذات البعد الوطني والقومي.
ورأى رجا أن أخطر ما يؤثر في الرأي والموقف في الفضاء الإعلامي المفتوح يتمثل بـ “الإعلام الديني” مطالبا بالتصدي للفضائيات التي تبث افكارا تحريضية مذهبية وطائفية تهدف إلى إثارة الفتن.
كما لفتت المدرسة في كلية الإعلام بجامعة دمشق الدكتورة نهلة عيسى إلى أنه لا يمكن الحديث عن حق المواطن في الإعلام إذا كان الإعلامي غير قادر على صنع المعلومة خوفا من الممارسات التي قد تطاله معتبرة أن “مشكلة الإعلام السوري تكمن في غياب الاستراتيجيات والأهداف”.
ودعت عيسى إلى “إقامة دورات تدريبية للإعلاميين تتيح لهم اكتساب المزيد من المهارات والخبرات” واصفة الإعلام بأنه “صانع للحقيقة والمحدد الأول لأجندات الجماهير”.
بدوره نوه عضو مجلس الشعب عارف الطويل بـ “دور الوكالة العربية السورية للأنباء سانا وسرعة نقلها للخبر لحظة وقوعه ليتم نشره فورا على مواقع التواصل الاجتماعي” ورأى أن الصفحات الوطنية على مواقع التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في نشر حقيقة الأحداث في سورية بمواجهة الإعلام المضاد.
ولفت الطويل إلى أهمية “عقد حلقات وندوات تعريفية بحق المواطن في الإعلام وواجبه وحمايته قانونيا”.
كما رأت الإعلامية فاديا جبريل أن الإعلام الرسمي وحتى الخاص يجب أن يجسد المصالح العليا للوطن لافتة إلى ضرورة إعطاء المزيد من الحرية والتسهيلات للإعلاميين بينما رأى الإعلامي محمد قطان أن “العمل الميداني للإعلاميين هو أفضل مجال للتدريب المناسب”.
وحملت الجلسة الثانية عنوان “النخب والإعلام” وتركزت محاورها حول العلاقة بين الإعلام والنخب المثقفة والكوادر الإعلامية والأكاديمية ومدى تمسكها بالأهداف الوطنية لتحقيق إعلام وطني متميز يصل لكل فئات الجمهور إضافة إلى موضوع ماهية الإشكالية بين الإعلام والمثقفين.
وتحدث الباحث الدكتور عماد فوزي الشعيبي عن “النخب المنسية” ورأى أن هذه النخب تقدم للإعلام والمجتمع تصورات لمستقبل أي بلد معتبرا أن المطلوب هو عودة هذه النخب إلى الإعلام وضمان حضورها بما يتوافق مع نسبتها الواقعية بالمجتمع.
من ناحيته لفت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق الدكتور بسام أبو عبد الله إلى ضرورة عودة البرامج ذات الطبيعة الثقافية العالية حيث أن المثقف أو النخبوي لديه دور جماهيري وتنويري ومطلوب منه أن يصنع واقعا جديدا يمثل ضمير الناس ويقدم أفكاره خدمة لهم مؤكداً أن المرحلة الحالية في سورية تتطلب من أصحاب القرار والرؤى بالإعلام أخذ الدروس والعبر للتطلع إلى المستقبل وواقع إعلامي أفضل.
وأشارت مديرة قناة سورية دراما رائدة وقاف في مداخلتها إلى أن “قناعات النخب تبنى بشكل تراكمي ولا يمكن أن تتغير مع تغير المصالح إلا إذ كان ذلك من ضمن قناعاتها” منوهة بدور الإعلام السوري في تشكيل النخب السياسية والثقافية والشبابية في حين رأى المهندس مضر ابراهيم من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن “مسؤولية النخبة تكمن في إيصال رأيها دون أستذة أو تنظير” بينما أكد الباحث الدكتور ماهر العطار أهمية دور النخب في نقل حقيقة الواقع السوري إلى الخارج معتبرا أن المغتربين السوريين أدوا دورا نموذجياً متميزاً بالدفاع عن وطنهم في الخارج.
الإعلامية ربى الحجلي اعتبرت أن “إشكالية العلاقة بين الإعلام والنخب المثقفة عموماً ارتبطت بالدور الوظيفي للإعلام” مبينة أن “ظهور المثقفين على الإعلام وعلاقتهم معه كانت تحمل الطابع الرسمي فقط”.
وكانت انطلقت صباح اليوم أعمال المؤتمر الوطني الأول بعنوان حق المواطن في الإعلام تحت شعار نحو استراتيجية إعلامية سورية ويستمر ثلاثة أيام بمشاركة وزراء وباحثين وإعلاميين ويتضمن ندوات وحوارات مفتوحة حول الحرية والإعلام والمرجعيات والرؤى ودور المؤسسات في صناعة الرأي العام والإعلام الوطني والخاص والنخب والمرأة والثقافة والبعد الديني.