رشاد أنور كامل
مع انخفاض موجات الطروحات الإعلامية حول المطالبة بالإصلاح الإداري، لابد من اعادة مناقشة متطلبات الاصلاح الاداري بدون ضجيج ...
الاصلاح الاداري له أكثر من طريقة لمقاربته...
وهناك تجارب عالمية، منها اليابانية، ومنها الامريكية، ومنها البريطانية، والكورية، والسنغافورية، والروسية... ولابد من ان نكون منتبهين أي منها أقرب الى امكاناتنا، وإمكانات تنفيذها في بلادنا، ضمن هذا الظرف الاقتصادي والأمني.
وإن تنطح أحدهم وقال اننا في سورية لنا خصوصية، فهذا غير صحيح!
فكما لم نعد اختراع العلوم الأخرى من هندسية وطبية، لا داعي عندما نطرح عملية الإصلاح أن نعيد اختراع آلياته المعتمدة عالمياً...
والمصطلح "الإصلاح الإداري" بالأساس تغير ويستخدم مكانه الآن مصطلح الحوكمة،والحوكمة الالكترونية، ويستخدم ايضاً مصطلح آخر أهم، هو البنيان القطاعي المترابط ”Enterprise architecture " والذي يتجاوز الاصلاح القطاعي الى الإصلاح العابر للقطاعات (وبلغة ابسط : ترابط الإصلاح مابين المؤسسات والوزارات وتداعيات فشل احدها على باقي الإجراءات ، وتأثير التغيير في قطاع ما على باقي القطاعات).
ولنكن واقعيين ... عندما نطرح الان الإصلاح الإداري لابد لنا من أن نراجع أنفسنا حكوميا وشعبيا اننافي ايام الرخاء لم نتمكن من انجاز إصلاح اداري كما تم طلبه لثلاث مرات من القيادة السياسية بدءامن العام الفان واثنان وصولا للعام الفان واحد عشر .
هذه المراجعة ليس هدفها ان نشير الى مواضع الخلل والإعاقات والظروف التي حالت دون التقدم الشامل لعملية الاصلاح الاداري الحكومي، انما نراجع هذه التجارب لنحيد كل ما مورس سابقا من محاولات فشلتأوأفشلت...
ومن أنواع تفشيل الإصلاح الإداري كان محاولةربطه بشروط استباقية، وكمثال عن ذلك من الممكن أن اذكر أنه أثناء عملية الاصلاح الثانية، تم اجهاض تلك العملية عبر ربطها بشرط اعادة تأهيل الموظفين..... وهدرت مليارات الليرات السورية في عمليات تدريب لم تنتج بالواقع إصلاح اداري ولا رفع كفاءات فعلي للموظفين.
لذلك من المفيد ان لا نقع بفخ اعادة التأهيل مرة أخرى... ولا أظن أنه لدينا الرغبة ولا الموارد المالية لهذا...
هذا المثال واحد من أمثلة كثيرة ممكن أن أوردها عن ماحدث في مسيرات الإصلاح المتعثرة، ولكن ما تم هدرهمن وقت ومال عام، تم باسم الاصلاح الاداري كثيرة وتستحق في الواقع أن توثق وتنشر بكتاب مرجعي إرشادي...
بالملخص،اذا تم السير بنفس معادلات الاصلاح الإداري السابقة، فسنصل الى نفس النتائج ... "لا إصلاح"...
لذلك لابد من السير بعملية الاصلاح الحالية بخطوات مافوق اعتيادية ، لاتطال من قبل نفس العوائق التقليدية...
الاصلاح الاداري له عدة أهداف، نستطيع ان نلخصها للمواطن بأربع كلمات وهي:
"خدمات ....حكومية....للمواطنين.....افضل".
اذا لنبدأ من هنا ...
ان الخدمات الحكومية المتعلقة بالمواطنين (وهي معظم اعمال الحكومة عمليا)، هي المنتج وراء كل الهيكليات الحكومية وإجراءاتها ونتائجها...
فاطلاق عملية إصلاح تعتمد في قياسها على جاهزية الخدمات الحكومية الكترونياً وتعتمد عدد الخدمات الجاهزة كمعيار ومسطرةلنجاح او فشل الإصلاح. قد تعيد دفة الاصلاح الاداري الى يد المستفيد الحقيقي من تلك العملية وهو المواطن ...
ولما اخترنا هذا المعيار (عدد الخدمات الحكومية المؤتمتة الجاهزة)؟ ذلك لأن الخدمات الحكومية غير المؤتمتة وغير الجاهزة لأن تقدم عبر منافذ الحكومة الالكترونية ومنافذ مراكز خدمة المواطنين، سيتيح للمواطنين وضمناً الاعلاميين الاطلاع على تلك الخدمات وكيف تم حكومياً فرزها الى مجموعات تحددها أولويات تنفيذها، وأثرها على عدد كبير من المواطنين وقطاع الاعمال.بالإضافة الى جاهزية الادارة او مجموعة الإدارات الحكومية المشتركة بتقديم هذه الخدمة او مجموعة الخدمات...
ان الكشف عن الخدمات الحكومية التي لم يتم اتمتتها، ولا اتاحتها عبر منافذ الحكومة الالكترونية ومراكز خدمة المواطنين، سيرسم خريطة فشل ونجاح الحكومات المتعاقبة في عملية الاصلاح الإداري وتقديم خدماتها للمواطن بأقل عمليات بيروقراطية.، وضمن استراتيجية حكومية تتمحور حول اقتصاد أفضل وأسرع بالنمو. والأهم مواطن يشعر ان الحكومة تعمل له، لا عليه..
الخبراء بقطاع الحوكمة سيبنون خططهم في التطوير الاداري ضمن خطط مربوطة بأهداف تنفيذية..
اي ان التطوير الاداري لن يتم بالطرق التقليدية اي الانطلاق من دراسة حاجات المؤسسات الحكومية وتطوير إجراءاتها من القاعدة الى القمة ... بل سينطلقون من عملية الاصلاح الاداري عبر النتيجة والنتيجة هنا كما اتفقنا هي الخدمة المؤتمتة والمقدمة عبر النوافذ المعتمدة الكترونيا او غيرها ..
وحوكمة عمل سلسلة الإجراءات لتقديم كل خدمة مستهدفة، مما يكشف الخلل في تلك السلسلة التي منعت هذه الخدمة ان تقدم رقميا وبسرعة او استحالة تقديمها الكترونيا...
ان معظم الخدمات الحكومية ترتبط بخدمات حكومية تسبقها من وثائق مرفقة وبراءات ذمة ....
واي خلل في سلاسل إجراءات الخدمة سيكشف فورا.. ويكشف معه سبب تأخر جاهزيته...
لذلك كانت أهم الخطوات المطلوبة من الحكومة الان هي إصدار نتائج مسح الخدمات الحكومية، الذي بدأ منذ العام 2010 .... ولم ينتهي الى الان ....
ونشرها..ونشر إجراءات الخدمة (اي الخطوات المطلوبة لتنفيذها) ونشر الوثائق المطلوبة لإنجاز هذه الخدمة، ونشر المدد الزمنية لإنجاز كل خدمة، وبالطبع مكان الحصول عليها...
وهناك طبعاسيناريو (راجعنا بكره) ... وهو أن معظم الموظفين الحكوميين لا يتقنون تماما إجراءات العمل في مؤسساتهم ويعتمدون على العرف والتلقين والسوابق وبعض الخبراء من الموظفين القدامى، ولايعلمون تماما كيف تنجز الخدمات في مؤسستهم، وهذا ليس اختراع من عندي وجميعكم واجه مثل هذه الحالة عندما راجع موظف ما في دائرة وطلب منه أوراق معينة لإتمام معاملة ليكتشف وهو يقدم المعاملة انها ليست مطلوبة، او اساسا هو لايحق له التقدم لهذه المعاملة مثلا... وجملة "روح جيب صاحب العلاقة" ربينا عليها...
في الإصلاح الإداري عموماً، يصعب بالعادة القياس، قياس نجاحه من فشله، فهل نقيس الإصلاح الإداري بزمن انجاز الخدمة، أم بعدد الخطوات المطلوبة لإنجاز الخدمة، أم بعدد الخدمات التي تقدمها كل مؤسسة حكومية للقطاعات المختلفة، أم تقليص الانفاق العام، أو كلفة تقديم الخدمة على الدولة، وصولاً الى عدم قياسها بهذه الطرق ليتم ترحيل نتائج القياس الى مؤشرات، مثل مؤشر رضا المواطن وغيره.
وفي حالتنا السورية اعتماد أتمتة الخدمات وإتاحتها الكترونيا كمسطرة ومدخللقياس الإصلاح الإداري من الممكن أن يكون أحد أهم المعايير الممكنة لقياس أداء الإصلاح في زمن أزمة، وخاصة أن هذا معيار غير معقد... إما ان تكون الخدمة متاحة الكترونيا ومؤتمتة أو لا تكون .... وماهي الخطة لإتاحتها.
واعداد فريق متابعة مع الحكومة يرتبط بمجلس الشعب هو من أهم شروط نجاحه، لأنه برأيي لا يمكن تسليم الاشراف على الإصلاح الإداري الى نفس الجهة التي فشلت مرارا فيتنفيذ قرارات ومتطلبات الإصلاح.
بعد اول ١٠٠ يوم على مشروع الاصلاح الحكومي النسخة ٢٠١٧
يحق لنا أن نسأل
والاسهل أن نسأل عن خطة الإصلاح ...
وعن وحدة القياس فيها
لنعود بعد سنة ونسأل كم أنجزنا من تلك الخطة ؟
وهل أنجزنا ؟!
وهل نريد .... اساسا الإنجاز ..؟!!