2020-02-13 16:14:13 صحافة وإعلام
«الدولار» يعكرُ صفو المواطن مرةً أخرى..!! فاتورةُ التهريبِ البالغة ربع مليار دولار شهرياً تضغطُ على سوق القطع السوداء..!
لوبي ضاغطٌ باتجاه المشاريع الإنتاجية بعد أن استمرأ الريعية المدرة للمال..!.

• حسن النابلسي
يعاود سعر الصرف مجدداً ليعكر صفو المواطن ولكن بحدة غير مسبوقة هذه المرة انعكست مباشرة على ارتفاع الأسعار بنسبة 100% تقريباً، ما جعل من "الدولار" محوراً لحديث الشارع السوري برمته، وفي خضم هذا المشهد المتلاطم بمفارقاته برزت مبادرات مجتمعية مثل "زكاتك خفض أسعارك"، و "كل سلعة بليرة" و"قيام بعض الأشخاص بتسديد ديون مستحقة على بعض الأسر في المحلات والدكاكين الصغيرة"، وتزامن مع هذه المبادرات تدخلٌ حكومي عبر صدور المرسومين التشريعيين "3" و"4" اللذان غلظا من عقوبة التداول بالدولار والترويج للأخبار والشائعات التي تؤثر على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، إضافةً إلى إعلان مصرف سورية المركزي بشرائه من المواطنين والحائزين على مبالغ بالعملات الأجنبية أية مبالغ بالدولار الأمريكي أو اليورو دون أية وثائق وبسعر الصرف التفضيلي والبالغ حالياً 700 ليرة سورية لكل دولار أمريكي والذي يتم تحديده يومياً من قبل مصرف سورية المركزي، وأمام هذه الإجراءات والمبادرات انخفض سعر الصرف بمقدار 200 ليرة تقريباً في السوق السوداء..!.

ليسَ بمستوى السوء ولكن..!.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن الاقتصاد السوري ليس بمستوى السوء الذي يروج له، فوضعنا الاقتصادي مقارنة مع الأزمة لا يزال بحدود المقبول على أقل تقدير، بدليل أن رواتب وأجور الموظفين لم تتوقف إلى الآن، إضافةً إلى أن السلع والخدمات لا تزال متوفرة بالأسواق، وما مؤشر سعر الصرف إلا وهمٌ صنعناه بأيدينا، وذلك لعدم وجود إستراتيجية واضحة للتدخل والحفاظ على استقرار سعر الصرف، يرى آخرون أن تدهور الواقع الاقتصادي غير مرتبطٍ بالظرف الموضوعي فحسب، بل بنظيره الذاتي، بمعنى أنه مهما كان الظرف الموضوعي صعباً ومهما تأثر بالعقوبات الاقتصادية، إلا أن الظرف الذاتي المتعلق بالأداء الحكومي وعجزه عن اجتثاث العقبات وتجاوز التحديات هو من زاد من التدهور الاقتصادي، فإذا ما علمنا أن فاتورة التهريب تصل إلى 250 مليون دولار شهرياً –وفقاً لما أكدته بعض المصادر- فهذا يظهر أحد مطارح الخلل المؤثرة سلباً على سعر الصرف، كونه يشكل ضغطاً بالطلب على القطع الأجنبي وبالتالي ارتفاع سعر الأخير، فهو بالنهاية يخضع لمبدأ العرض والطلب مثل أية سلعة، مع الإشارة إلى أن أغلب المهربات تندرج ضمن خانة الكماليات ويتصدرها الدخان بنحو 1.5 مليون دولار يومياً..!.

لوبي ضاغط !!
كما ويرى البعض الآخر أن ثمة لوبي من رجال الأعمال يضغط باتجاه الحيلولة دون دخول الاستثمارات الحقيقية إلى شرايين الاقتصاد الوطني، سواءً تلك السورية المهاجرة أم الأجنبية الراغبة بالاستثمار في بلدٍ يتمتع بالعديد من المزايا الاستثمارية الجاذبة، وذلك لاستمراء هؤلاء المشاريع الريعية المدرة سريعاً للثروة كالمولات التجارية والمنشآت السياحية وغيرها، لنصل إلى حقيقة مفادها أن جهود الجهات المعنية لتخفيض سعر الصرف تبقى مرهونة بتفعيل الإنتاج الحقيقي، وهذا الأمر يقتضي بالضرورة النأي عن المشاريع الريعية – على الأقل في الوقت الحالي- والاشتغال على نظيرتها الإنتاجية واعتبارها من الأولويات.

ضحايا !!

ساهم تفاقم الأوضاع الأمنية بتغيير ثقة المواطن بالوضع الاقتصادي بشكلٍ عام وبالليرة بشكلٍ خاص، وسارع الكثيرون إلى استبدال المدخرات بالدولار والذهب والعقار خشية انحدار سعر الصرف إلى أدنى درجاته، غير أن الذي حصل أن العديد منهم كانوا ضحايا لتجار الأزمات من المضاربين بسوق العملات، ولا نستغرب هذا الأمر على اعتبار أن هذه الفئة من التجار هي بالأساس انتهازية ولم تخف وجودها يوماً في مفاصل اقتصادنا الوطني، ما يجعلنا نطرح تساؤلاً حول إمساك السلطة النقدية في مرحلة من المراحل بسعر الصرف، وتركه في مراحل أخرى، والأدهى من ذلك هو أنها لا تتدخل عند ظهور بوادر للارتفاع، وتتأخر بالتدخل لحين حصول هذا الارتفاع، مع الإشارة هنا إلى أن السلطة النقدية تعرف أن الحل بالتدخل كف يد المضاربين عن السوق..!.

الإجراءُ الواجبُ!!

لعل الإجراء الاقتصادي الواجب اعتماده في هذه المرحلة يتمثل بتحديد الفرص الذهبية والفضية والبرونزية لتشغيل الدولارات وضخها في شرايين الاقتصاد السوري، والتمييز بين المستثمرين الحقيقيين لها لإعادة تسييلها وتحقيق القيم المضافة والمتوخاة منها، عبر تشغيل المصانع المتوقفة وإحداث المشاريع الكفيلة بإمداد السوق المحلية بما يلزم من مواد وسلع، وبين المضاربين الساعين لانتهاز الفرص على حساب المصلحة الوطنية وقوت المستهلك، فقرار الضخ الصحيح إلى القنوات السليمة سينعكس إيجابياً على سعر الصرف من ناحيتين الأولى تعزيز الثقة بالليرة السورية والتي تتولد لدى المستثمر الحقيقي عندما يدرك تماماً أن لدى السلطة النقدية ما يكفي من القطع لتمده بما يحتاج منه لكي يدير أعماله، وعندما يلمس المواطن السوري بأن هذا المستثمر قد استطاع توفير ما يلزمه من احتياجات سوف تعود ثقته بالليرة السورية وبأن الحكومة قادرة على القيام بالتزاماتها الاقتصادية.

وتتعلق الناحية الثانية بتمويل المستوردات في حال دخولها إلى السوق وأصبحت بمتناول يد المستهلك الذي سيجد أن السوق لم تتغير وأن السلع بدأت تعود إليه بأسعار مقبولة، وبالتالي لا خشية لديه من أن الدولة ليس لديها موارد لتأمين احتياجات مواطنيها.
أدواتٌ غيرُ تقليدية

نعتقد في هذا السياق أن على مصرف سورية المركزي استخدام أدوات وأساليب غير معهودة لدى تعاطيه مع سوق القطع والحد من المضاربة، بحيث تحاكي الأساليب غير المنضبطة بالقوانين والقرارات، والتي يلجأ إليها المضاربين والمتعاملين في السوق السوداء لتحقيق مكاسبهم، على عكس التقليدية التي يعتمدها المركزي للتدخل من خلال المصارف وشركات الصرافة وسوق العملات المفتوحة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطرف المقابل في السوق (المضاربين) يغير من طريقة عمله وأدواته لتحقيق الربح بأي شكل كان، فهو لا يعمل وفق سلوك نمطي يمكن من خلاله معرفة كيفية اتجاهاته، مستفيداً بذلك من الظرف الراهن من جهة، والاستفادة من جميع القرارات الصادرة سواءً عن المركزي، أم عن وزارات الدولة من جهة ثانية، فنحن أمام أزمة متداخلة ومركبة يتدخل بها المعلوم مع غير المعلوم، والأطراف التي لها تأثير في السوق مع أطراف قد لا تكون واضحة الأهداف بشكل دقيق، أزمة كل شيء فيها مباح، وأية أداة فيها مباحة من أجل الوصول لتحقيق الأهداف، ويجب الاعتراف بأن ليس لدى الجميع أهدافاً مشتركة، فهدف الدولة تؤمن الاحتياجات الأساسية للمواطن، وتؤمن استقرار الأسعار، بينما هدف الأطراف الأخرى هو تحقيق الربح بأية أداة ممكنة.

بيد المركزي

إن استقرار سعر الصرف وضبطه ليبقى تحت السيطرة يتعلق بالدرجة الأولى بأن لا يدخر المصرف المركزي أية أداة تمكنه من ضبط تذبذب سعر الصرف، ومحاولاته المستمرة لدارسة صورة السوق بشكلٍ دقيق لمعرفة الأداة المناسبة للتدخل، إضافةً إلى ضرورة وجود سعيٍّ حكومي لتنمية النشاط الاقتصادي لتأمين البيئة المناسبة لعمل قطاعاتنا الاقتصادية القائمة حالياً ونظيراتها الراغبة بالعودة واستئناف نشاطاتها داخل البلاد، لاسيما وأن الظروف الحالية لا تزال عرضةً لأية متغيرات قد تحصل، وتستوجب دراسة دقيقة للسوق وتقلباته، مع الإشارة إلى أن المشكلة لا تكمن بتجاوز سعر الصرف حاجز الـ1000 ليرة في السوق السوداء وحسب، وإنما بالتذبذب المستمر وعدم استقراره، الذي يتنافى معه وجود البيئة المناسبة لاتخاذ القرار الاقتصادي السليم، فأيةُ جهةٍ اقتصاديةٍ تجارية أو صناعية، بحاجة لأن يكون لديها القدرة على التنبوأ بتغيرات سعر الصرف، حتى تستطيع بناء قرار سليم، بينما البيئة الحالية والتغيرات الكبيرة لتذبذب سعر الصرف قد تدفع هذه الجهة أو تلك، لخيارات قد تكون أحياناً بعيدةً عن القرارات الرشيدة.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024