كتب الإعلامي أمجد طعمة

وكم من موهوب رفضه المعهد العالي للفنون المسرحية يحلُم بدخولها أملاً بأن تعوّض خيبتَه بفرصةٍ تصنع منه نجماً جميلاً مثل عابد فهد.
وكم من مخرج بحكم الخبرة والممارسة قدّم ما يستحق التقدير ينتظر أمام لجانها كل سنة لعلّه يدخلها لكي يحظى بفرص عمل فيكون مخرجاً قادراً أن يقبض على المشاهد بمشهد مثل بسّام المّلا.
وكم مطرب جميل الصوت من بيئة فقيرة تعلّم الموسيقى بنفسه ليغني وليعيش موهبته والحلم بالاحتماء تحت ظل الطوبى في النقابة ويكون يوماً ما سلطاناً مثل جورج وسوف.
وكم من فنيي اضاءة وصوت وديكور وغيرهم
وكم من موسيقيي طبلة وعود وناي وغيرهم
وكم من فنان أو فنانة استعراض و Show وغيرهم
وكم من راقص كلاسيك و راقصة شرقي وصنّاع بهجة حلموا بالدخول إليها فقط ليحموا في نهاية العمر شيبتهم براتب تقاعدي أو رعاية صحية بعد خيانات الجسد أو ربما أملاً بالحصول على جنازة أو عزاء محترم يجعل موتهم لائقاً أكثر مما هي حياتهم.
وكم ستطول قائمة ال "وكم" هذه إذا أردت أن أعدد لكم المشتهين هذه الجنة.
...
جنّة الفنانين نقابتهم ولم يكن دخولي لهذه الجنّة بالأمر السهل، عرفتها عن قرب منذ كان صباح فخري نقيباً وقُبلتُ عضواً فيها يوم كان صباح عبيد رحمه الله نقيباً، قرأت عن تاريخها وقوانينها واختبرت تعاملها ومشاكلها.
فرأيت فنانين كباراً حضروا شخصياً ليوقّعوا على استلام راتبهم التقاعدي بيدهم المرتجفة بعد زمان كانوا فيه نجوماً نحلم بأن نلمحهم صدفة في الطريق وفي زمن أسهل ما يكون فيه تحويل المبلغ الشحيح لحسابهم المصرفي أو ايجاد موظف يذهب اليهم حيث كانوا ليقدم لهم استحقاقهم دون فضل وبما يليق بتاريخهم.
رأيت ورثة فنان كبير أضحك العالم العربي يحضرون والحزن يقتلهم للغوص في ورقيات تعطيهم ما يغطّي ولو جزءً بسيطاً من عزاء فقيدهم في زمن يكفي أن تُدخل برنامجاً للكومبيوتر يُغنيكَ عن تلال الأوراق وسلال وصول الدفع.
اختبرت واختبر العمليات الحسابية لما يترتب علي من مدفوعات كل شهر واشتراكات كل سنة مع رسوم إصدار بطاقة النقابة التي تذكّرني أني لا زلت متمسكاً بحلمي في التمثيل وسأحققه في عهدٍ نقابيٍّ ما.
...
بعد كل هذا وهو غيض من فيض ومع اقتراب انتخابات نقابة الفنانين يوم الأحد القادم 23 شباط، يكون السؤال المُلحّ:
هل نحتاج لنقابة فنانين؟
الجواب وبثقة بعد الضغط بقوّة على الأحرف التي أكتبها الآن؛ نعم نحتاج، ونحتاج أكثر لتقدير كل جهد مؤسس أو عابر فيها
وكل فكر مطوّر أو فاهمٍ فيها
وكل رأي سديد أو مُلِهمٍ فيها.
نحتاج أن نرى المحبّة في كواليس الوسط الفني وإلى رقيّ تعامُلٍ واحترامٍ في الواقع و على صفحات السوشل ميديا Social Media ومواقع العالم الافتراضي بين الفنانين بغض النظر عن نظرية "أعجبني ولم يعجبني".
نحتاج لعقولٍ إداريةٍ وحداثيةٍ معطاءةٍ منفتحة بصلاحياتٍ و إمكانياتٍ حقيقيةٍ مستقلّةٍ تجعل من نقابة الفنانين فردوساً على الأرض يليق بحُلم الموهوبين المجتهدين الصابرين المؤمنين بالفن القارئين تلاوةً وخشوعاً شطراً جميلاً بهيجاً لدرويشٍ يقول: "هزمتك يا موت الفنون جميعها".

#أمجد_طعمة
www.amjad.ovh