يستغربُ الشارع الجامعي “أساتذة وطلبة” سرّ التبديل المتكرر لوزراء التعليم العالي، على عكس ما يحدث في وزارة التربية، إذ تمّ تغيير ستة وزراء خلال ثماني سنوات مضت، بينما في التربية تمّ تغيير وزيرين فقط بمن فيهما الوزير الحالي!.
هذا التغيير أو التبديل الملفت له تفسير واحد بنظر الكثيرين من أهل الكار، فإما أن التعليم العالي لا أهمية له، أو أن الشخص المكلف غير مؤهل لذلك، أي لا يملك الخلفية الإدارية ولا الأكاديمية المطلوبة.
بالتأكيد الاحتمال الأول غير وارد، لأن التعليم هو عصب التنمية في أي بلد ولا مصلحة في تهميشه أو إهماله، إذن المشكلة تكمن في آلية الاختيار التي ينتج عنها وزير لا يملك الخبرة الكافية في إدارة ملفات التعليم العالي الشائكة، والتي أصبحت متشابكة لدرجة التعقيد في ظل مفرزات الحرب، وحتى في ظرف جائحة كورونا.
إن المتابع ليوميات عمل وزارة التعليم العالي وما صدر عنها من قرارات خلال السنوات التسع الماضية “رغم حسنات بعضها” لا يجد صعوبة في العثور على “فرمانات”، كما يصفها الطلبة، لم تكن في مصلحتهم ولا مصلحة منظومة التعليم العالي ككل، في إشارة لمفعولها السلبي الذي “كركب” الحياة الجامعية للطلبة، لتتراجع عنها الوزارة فيما بعد، بعد أن تسبّبت في إيذاء الكثير من الطلبة وضيّعت مستقبلهم!.
أحد أساتذة الجامعة علّق على تبديل وزراء التعليم العالي بالقول: “يبدو أنهم يعيّنون بعقود سنوية”، لافتاً إلى ضرورة الدقة في الاختيار على أساس الكفاءة العلمية والإدارية بعيداً عن أي محسوبيات تجعل منظومة التعليم حقل تجارب نحن بغنى عنها.
وأسف العديد من الأساتذة على التدخل في التعليم العالي “وكأنه شغلة يلي مالو شغلة”، متسائلين: أين مجلس التعليم العالي، كيف يتخذ قراراته، هل هناك من يتحكّم به؟!.
هذه الأسئلة شرعنها بعض الأساتذة والطلبة، مشيرين إلى قرارات خرجت من مطبخ المجلس وكأنها “مسلوقة”، بمعنى كانت سلبية أكثر مما هي إيجابية. ولعلّ أبرزها العودة مجدداً لاعتماد النظام الفصلي –بعد نسيانه أكثر من عقدين- والذي لاقى رفضاً واضحاً من الطلبة لتضطر الوزارة لإلغائه منذ أشهر، بعد اعتماده لأقل من عامين!، ومن الأمثلة أيضاً الإصرار على الامتحان الوطني كشرط للتخرج، رغم أنه قرار غير عادل وبحاجة لتصويب، وهاهو حتى اليوم ما زال بين أخد ورد!!.
بالمختصر.. هذه هواجس مخيفة لجناحي المنظومة التعليمية (الأساتذة والطلبة)، من الضروري الإشارة إليها والوقوف عندها مطولاً، لعلّ وعسى تصل الرسالة، وخاصة لجهة الخوف من تدهور “سمعة” ومكانة جامعاتنا ومراكزنا البحثية التي تراجع ترتيبها إلى ذيل القائمة عربياً وإقليمياً وعالمياً، لذا بات لزاماً أن يتمّ التأني في اختيار أصحاب الخبرات العلمية والقدرات الإدارية العالية في كل المفاصل الإدارية بوزارة التعليم وحتى الجامعات الحكومية والخاصة، بهدف إحداث أو إعطاء القيمة المضافة في العمل والإنتاج، لتكون تلك الإدارات على اختلاف مستوياتها ومسؤولياتها قادرة بمجهودها الجماعي على تشخيص الداء، بدءاً من لحظة القبول في الجامعة حتى التخرج، من أجل أن تكون المخرجات من طراز القرن الـ21 الذي لم يعد يقبل بشهادات تقليدية لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به.
ونختم بكلام بليغ لأحد عمداء كليات جامعة دمشق: “لا قيمة لتغيير الأشخاص من غير تغيير استراتيجيات وثقافة العمل وتغيير منظومة البيئة الحاضنة”.