سيريانديز- رئيس التحرير
أمامنا اليوم مشروع القانون الذي أقره مجلس الشعب يتعلق بإعفاء المواد الأولية المستوردة للصناعيين من كافة الرسوم وهذا تشجيع كبير للصناعة الوطنية ويندرج ضمن السياسات الحكومية المعلنة وبنفس الوقت أمامنا قرار للجنة الاقتصادية المصدق من السيد رئيس مجلس الوزراء القاضي بالسماح للسورية للتجارة باستيراد كميات من الزيوت النباتية لسد حاجة السوق ولمدة 6 اشهر وللوهلة الأولى يمكن للمواطن أن يعتبر الخبرين منفصلين ولكل قرار ظروفه الخاصة لكن حقيقة هما غير منفصلين .
إذ يقول الخبر « وافق رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس على توصية اللجنة الاقتصادية القاضية بتأييد مقترح وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالموافقة على قيام السورية للتجارة باستيراد زيت نباتي «دوار الشمس» وذلك خلال مدة 6 أشهر من تاريخ هذه التوصية على أن تتم المتابعة مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لمنح المؤسسة اجازات الاستيراد اللازمة ، والتنسيق مع مصرف سورية المركزي لتأمين التمويل اللازم للعقود التي سيتم ابرامها .»
بينما يقول الخبر الآخر من مجلس الشعب : «أقر مجلس الشعب اليوم مشروع القانون المتضمن إعفاء المواد الأولية المستوردة كمدخلات للصناعة المحلية والخاضعة لرسم جمركي 1 بالمئة من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية وإعفاءها أيضاً من الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد.
ووفق مشروع القانون تصدر مديريات الاقتصاد والتجارة الخارجية إجازات وموافقات الاستيراد اللازمة للمواد الأولية المستوردة بما لا يتعارض مع آلية المنح المعتمدة لدى وزارة الاقتصاد بينما تطبق أحكام هذا المشروع لمدة عام واحد اعتباراً من تاريخ نفاذه وتصدر التعليمات التنفيذية بقرار من وزير المالية بالتنسيق مع وزراء الصناعة والاقتصاد والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك.»
وهنا نقول حالياً معظم معامل الزيوت النباتية إما أنها متوقفة أوتعمل بالطاقة الانتاجية الدنيا علماً أنها ثاني أكبر صناعات سورية من ناحية الاستثمار بها وتشغيل اليد العاملة وكانت قادرة على كفاية السوق المحلية والتصدير لأسواق أخرى ، وفجأة توقفت هذه المصانع فبدلاً من إتاحة الفرصة لهذه المصانع بتأمين السوق المحلية من الانتاج وتأمين فرص العمل وتأمين فرص العمل اتجهنا نحوالاستيراد والسؤال هنا كيف تمكنا من تحقيق هذه المعادلة وهي حماية الصناعة الوطنية وبنفس الوقت الاستيراد بشكل قد يؤذي المصانع المحلية أوبوقفها ؟؟
فالمصانع المحلية شبه متوقفة لأسباب تتعلق بموضوع تأمين القطع فأقصى ما يمكن وافقت الحكومة على منح إجازات استيراد بألف طن غير مجدية اقتصادياً إذ لا يمكن استيرادها ولا توجد باخرة تحضر هذه الكميات كون الصناعيين يستوردون كميات تصل لـ 20 أو30 أوحتى 50 ألف طن لتضمن العمل لمدة ليست بطويلة فهذه الكمية كلف شحنها ستكون زائدة وبذات الوقت لا تكفي حاجة السوق والحجة عدم توفر القطع .
أليس ذلك غريباً ويمكن تسميته شيزوفرينيا القرارات الحكومية دون أن نخطئ بالتسمية وتبسيطاً فالحكومة تقول أنها تصدر قوانين لدعم الصناعة الوطنية وهذا صحيح وبنفس الوقت تصدر قرارات لضرب الصناعات الوطنية بحجة فقدان المادة ولماذا المادة المفقودة ؟ لأن الحكومة لا تمولها ....وكيف يرد بمتن قرار اللجنة الاقتصادية بند يقضي بتكليف المركزي بتأمين القطع لاستيراد المادة الجاهزة !!!!!!
وهنا نسأل لماذا لا يتم تأمين القطع لاستيراد المادة الأولية وتشغيل المصانع واليد العاملة وتحقيق قيمة مضافة وتوفير عشرات ملايين الدولارات ؟!
وحسب ما أوضحه أحد أهم الصناعيين في مجال عصر وتصنيع الزيوت فقبل الأزمة حقق معامل الزيوت المحلية في الأسواق السورية تنافسية عالية وللإنصاف والحق قدمت هذه المصانع زيوت ممتازة وبمواصفات عالمية واجتهدت لتقدم عبوات جميلة ومتنوعة ضاهت الأجنبية وتفوقت عليها وبأسعار تتراوح بين 46 لـ 50 ليرة سورية ، مع تحقيق وفرة من زيوت الصويا، دوار الشمس ،القطن، النخيل، والذرة بالعبوات المعدنية والبلاستيكية ،ولكن الآن أصبح حديث الناس لتر الزيت وسعره وتأمينه لتتوالى الاقتراحات من الجميع بما فيها تضليل للرأي العام وإبعاد عن الواقع الحقيقي ..
فالمعامل المنتجة قبل الأزمة وبطاقات كبيرة جداً والتي كانت تعتبر من المصانع الأضخم في المنطقة لا بل بالشرق الأوسط عامةً لا يزال معظمها يعمل وينتج والبعض منهم قام حتى بالتوسع وزيادة الإستثمار والمنافسة لا تزال على أشدها بينهم .. فماذا جرى ولماذا هناك شح في المواد وإرتفاع في الأسعار ؟ الجواب الصحيح الوحيد هوالصعوبة الكبيرة في تأمين المواد الأولية للصناعة من بذور زيتية وزيوت خامة وتأمين القطع اللازم لتسديد قيم هذه المواد الأولية والحصول على حوامل الطاقة اللازمة للتشغيل بشكل مستمر واقتصادي من فيول ومازوت وكهرباء .. بالإضافة إلى التغير المستمر في آلية الحصول على إجازات الإستيراد والقرارات التي تضع عراقيل مالية كبيرة مثل المؤونة المالية المطلوبة عند الحصول على الإجازات وتخليص المواد وتذبذب سعر الصرف والإنعكاسات المباشرة على سير الإنتاج ومتابعة العمل علماً أن هذه المعامل تعتبر القطاع الصناعي الثاني بعد القطاع النسيجي بحجم الإستثمارات وتأمين فرص العمل وهي من الصناعات الإستراتيجية بإمتياز لما تقدمه من زيوت وسمون وأعلاف تغطي أضعاف حاجة سورية ..
مؤكداً ان الأسعار المحلية للزيوت ليست أعلى من أسعارها في الدول المجاورة وبسبر بسيط يمكن إثبات ذلك ،لكنه لم ينفي وجود أسعار زيوت في بعض الدول هنا وهناك أقل من أسعار الزيوت في سورية وذلك حسب قوانين كل دولة وتواجد الدعم للأسعار أوتقديم حوامل طاقة بسعر مدعوم وكذلك إنخفاض كلف رأس المال اللازم للإنتاج ، ضارباً المثل بأوكرانيا والأرجنتين وأميركا كدول منتجة ومصدرة بشكل كبير فلا يمكن لأي دولة أن تنافسها ،وكذلك السعودية مثلاً تقدم دعم مالي كبير وحوامل طاقة بسعر بسيط جداً فهل نستطيع منافستها ؟؟ .
داعياً إلى تفهم هذه الأمور قبل أن نهاجم منتجينا اللذين يتعرضون لضغوطات داخلية وخارجية قد تجعلهم يتوقفوا عن الإنتاج بشكل كامل وتسريح العمال ووقتها «لا سمح الله سنرى ماذا يجري للأسعار» و«علينا أن نرجع إلى كلام سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لنعرف ماذا سيكون مصير أمتنا حين قال (الويل لأمة تأكل ما لا تنتج و تلبس ما لا تصنع ) » حسب قوله .