كتب: علاء ابراهيم
ثلاثة مطارات أوروبية اخذتني اليها رحلتي الاخيرة و خلفها خمسة مدن و كان يروق لي ان اقف فاسأل الصرافين في محلات الصرافة عن سعر صرف الروبل الروسي فلا يجيبني احد. فأوروبا تتصرف مع روسيا كزوجة اكتشفت أن لزوجها عشيقة و تأمل ان تقضي عليها بالتجاهل و التصرف كأنها لم تكن.
و العشيقة هنا هي الحرب الروسية في أوكرانيا و هذه عشيقة لا يمكن تجاهلها. لا لأنها تبدو حاملا بولد قد يحمل نهاية العالم كما نعرفه بمعارك نووية او منتهى النظام العالمي الذي خلقته الحرب العالمية الثانية منذ ٨٠ عاما.
و لكن علة الصعوبة في هذا التجاهل هي طَرق العشيقة الباب بوقاحة، فالعمارة و الطبخ و الوجوه تتغير بين المدن التي زرتها و لكن الثابت بينها هو سعار الإسعار الذي يشعر بوطأته الجميع.
ففي ألمانيا يخبرني موظف ان شركته ارسلت له وللعاملين معه في نفس الشركة ان حرارة المكاتب خلال الشتاء لن تتجاوز ال ٢٠ درجة مئوية و نصحهم ايميل مكتوب بلهجة رسمية بالقول ان ادارتهم واثقة " ان الترتيب الجديد لن يكون من الصعب التعايش معه بارتداء مزيد من الثياب"
و في ايطاليا اعتذر الفندق ذي الخمس نجوم عن تشغيل التكييف في الغرف، فقالوا أولا انهم دخلوا الحالة الشتوية و معها لا تكييف و من ثم أفصح الموظف بأن مخصصاتهم من الطاقة لا تكفي.
و في فندق اخر، استبق الفندق وصولنا بالتحذير من ضوابط حرارية ستطبق و اننا ان لم نجدها مناسبة فلا يمكن الفندق ان يفعل شيئاً.
و اخيرا في اسبانيا وجهة التسوق الأوروبية الرخيصة بدت الحرب في كل شيء من سعر الطعام الى البضائع الى النقل و غيرها ، و ربما يعتقد البعض أن النبيذ الاسباني أو الإيطالي سيؤمنان الدفء عوضا عن الغاز الروسي.
و بينما تعلق المباني الحكومية و شركات و شقق خاصة العلم الاوكراني تعاطفا و تعاضدا في الحرب التي بدأت منذ ثماني اشهر بدأت هذه الرايات بفقدان لونها و بدا الاصفر باهتا و الازرق مفتقدا الحيوية ، فاختلط عليي الامر هل هي الوان العلم فحسب ام دعم أوروبا للجارة الشرقية في حربها مع الدب ؟ و قد يكون الإثنان معا أو ولا واحداً منهما.
اثناء زيارتي استقالت رئيسة الوزراء البريطانية و كما نقول في الشام "حسس كثيرون على رأسهم" فالسياسات الإقتصادية التي أطاحت بتراس ربما لن توفر غيرها من قادة أوروبا ، الذين سيغدو موقفهم اصعب مع دخول الشتاء و لا يبدو واضحا ان كان التعاطف مع أوكرانيا سيتغلب على شتاء أوروبا ليبقى الناخب الأوروبي مؤمنا بصوابية ماتقوم به حكوماته.
و مادمنا فتحنا حديث الصوابية فلا بد ان نتذكر سورية كمثال للنزاع الذي كلما طال ازدادت الرؤية ضبابية و تغيرا الروايات و ضعف الزخم.
و كل هذا مرهون بأمر اكبر و هو بوتين و الجيش الروسي فان ربح الحرب و الربح هنا يعني بأقل تقدير استكمال السيطرة على الشرق و حمايته و منع الاوكران من تهديده. فإن فعل هذا دون أن ينهار اقتصاده و لا يتعرض جيشه لهزائم نهائية مذلة يكون قد ربح الحرب.
و في هذا انجاز للمجتمع الدولي فعندما بدأت الحرب لم يكن واضحا إن كان الروس قادرين على ربحها لان شروط الربح و الخسارة لم تكن واضحة و كان الربح الروسي سيتطلب اسقاط كييف و قلب نظام الحكم فيها و ربما اكثر ، اما الان فالمطلوب اقل و ان كان ليس اسهل.
و بين هذا و ذاك لا يبقى أمامنا الا الانتظار و حتى ذلك الحين ربما يكون من الافضل تخفيف مقدار الشاشات التي نتابعها ، فشاشات الصرافين ليست صحيحة فسعر الروبل ليس صفريا و لنأمل ان تكون شاشات الاخبار اكثر صدقا من شاشات الصرافة.