|
كتب حبيب سلمان
صباح الخميس 26 كانون الثاني، كان لقاؤنا سياسياً مع الرئيس بشار الأسد. أكثر من ثلاثين إعلامياً من الإعلام الرسمي مذيعين ومعدّين وكتّابٌ رأي ورؤساء فترات نشرات من قناة السورية والإخبارية وصحيفتي تشرين والثورة وإذاعتي دمشق وسوريانا.
من قال إن السياسة اليوم ليست في مقدمة أولويات السوريين، نحن شعب يعيش السياسةَ في كل لحظة حتى لو غلبته ظروف الحياة أحياناً، تسيطر في شجونها وتقلباتها على وجداننا وأذهاننا. لكن الأهم من ذلك أنها تؤثر في كل تفاصيل حياتنا وتنعكس في يومياتنا وأحوالنا ومصيرنا ومستقبلنا، وتبقى السياسة تنعكس على الاقتصاد والخدمات والطاقة والأحوال المعيشية، لأنها محرّكُ حياة الشعوب.
ربما لم يعد جديداً القولُ إن الرئيس الأسد تحاور معنا بأعلى تقنيات الحوار، والحوار عند الرئيس الأسد ليس سؤالاً وجواباً بل هو شرح وتحليل وتوضيح للمبادئ والرؤى والمنطلقات التي تتحرك منها سياسة سورية وسيادتُها، الحوار أيضاً عند الرئيس الأسد لا يقبل الإخفاء والغموض بل الوضوح َالساطع المُستَنِد إلى وضوح الرؤية والتوجُّه.
حسابات السياسة دقيقة جداً، ومعادلاتُها لا تُبنى على مجاهيل أو تكهناتٍ أو تمنيّات، وحده العقل التحليلي والعواطف المضبوطة والتقديرات المُحكَمة تُعطي البيدرَ حصاداً وفيراً في الوقت المناسب وبالكيفيّة المناسبة.. ولأن السياسةَ هكذا، يحتاج الإعلاميون العاملون في الحقل السياسي لحوار من هذا العيارِ مع الرئيس الأسد.
يفصِل الرئيس الأسد بين الملفات السياسية المتشابكة والمعقدة بطريقة تسمح له برؤية كل مِلف على حدى دون أي تشويش أو تداخُل، ثم يجمعُها كلُّها في لحظة ما، فـيرى المشهدَ كاملاً دون نقصان أو غموض.. تراه يرى الحرب الروسية الأوكرانية بأسبابها وظروفها وموازينها ومآلاتها، ويُعطيك في الوقت ذاته انعكاساتها حتى على لُعبة طفل مع أقرانه في الحي أو الشارع. يرى الرئيسُ أن الحرب الروسية الأوكرانية والتي هي في الأصل بين روسيا والغرب، حرب الغالب والمغلوب حصراً،
طرح الإعلاميون كل الملفات السياسية الرئيسية، الحل السياسي والحرب كأداة من أدوات هذا الحل، السيادة واستقلالية القرار، العلاقة مع الدول العربية، التطبيع وقواعد الاشتباك مع العدو، تركيا والطريق الشائك معها يضيء لنا الرئيس أيضاً عن المبدئية ة والبراغماتية في حركة السياسة السورية، الحصار والعقوبات، إدلب والشرق السوري المحتلَّين، العرب والجامعة العربية، الحلفاءُ والعلاقة معهم، الفرق بين السيادة والدبلوماسية.
ليس المهم اقتناصَ إجابة محددةٍ من الرئيس الأسد على سؤال ما، فالتفاصيل السياسية تتغير بشكل دائم، المهم أن يحصل الإعلامي على الرؤية وطريقة تقدير الموقف، على المبدأ الذي يحكُم هذا المِلَفّ أو ذاك، على عوامل القوة والتوازن في حركة السياسة السورية، على الهدف الذي تنشده السياسة السورية في هذا القرار أو ذاك. المهم أيضاً أن يُدرك الإعلاميّ الذهنية السياسية لدى الرئيس الأسد، كيف يقارب الملفات وبأي سياقٍ يضعُها، كيف ينظر إلى كل ملف، وكيف يتعامل معها مجتمعةً... كل ذلك أعطانا إياه الرئيسُ الأسد بوافرٍ من سعة الصدر والأفق، وبلغة ليس فيها إلا كبرياءُ أصحابِ المبدأ والموقف.
ثلاث ساعات من الحوار الغني دون قيود مع رئيس الدولة، فلا يستعجلُ توضيحاً ولا يُغفِل إشارةً أو فكرة، ولا يتجاهل استفساراً أو يحيّدُ سؤالاً.. يتواضع فيقول: "أن هذا الحوار مفيدٌ لي كما هو مفيدٌ لكم، لكن الأهم أن يستفيد منه المواطن السوري عبركم ومن خلال نتاجكم الإعلامي".
يُنهي حوارُنا أجندتَه مع السيد الرئيس، وفوق كل حصادِنا من ذاك الحوار، غادرنا قاعة اللقاء ونفسُنا تحدثنا أن بلادنا سورية تمشي إلى هدفها تحت ضوء الشمس.