قبل 18 عاماً أجبرت سلسلة العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الاحتلال الإسرائيلي على الخروج مهزوماً بعد تكبيده خسائر كبيرة لينهي في الـ 12 من أيلول وجود قواته البرية في القطاع، ويخلي 21 مستوطنة كانت تحتل 35 بالمئة من مساحة قطاع غزة في إنجاز كبير للمقاومة حيث لم يسبق لـ “إسرائيل” أن أخلت أرضاً فلسطينية استولت عليها منذ النكبة عام 1948.
صور آليات قوات الاحتلال وهي تخرج تباعاً من أراضي القطاع لا تزال حاضرة في الأذهان تعكس حجم الهزيمة التي تجرعها الاحتلال الذي اعترف لاحقاً بأن وجوده في القطاع لم يكن جنة كما صور بعض الإسرائيليين بل كان جحيماً لا يطاق، حيث إن قواته ومستوطنيه كانوا يعيشون تحت وطأة نيران المقاومة الفلسطينية باستمرار.
الجحيم الذي كان يعيشه الاحتلال في قطاع غزة يتكرر اليوم في المستوطنات المحاذية للقطاع وفي كل المستوطنات والمواقع التي تصلها صواريخ المقاومة مع انطلاق عملية طوفان الأقصى التي شكلت صدمة ومفاجأة للعدو الإسرائيلي، حيث باغتته المقاومة الفلسطينية في الجو والبر والبحر مستخدمة تكتيكات متقدمة وأسلحة جديدة قضت مضجع قواته ومستوطنيه بأكثر من 1000 مقاوم ظهروا كالأشباح فوق رؤوسهم وقتلوا وأسروا أعداداً كبيرة منهم واستولوا على آليات عسكرية للاحتلال وأدخلوها إلى القطاع، بينما لم يجد المستوطنون الذين لم يصلهم المقاومون سبيلاً إلا الاختباء في الملاجئ أو الهروب باتجاه مناطق لم تصلها صواريخ المقاومة.
الحصار الجائر الذي فرضه الاحتلال على القطاع عام 2006 وشدده منتصف عام 2007 لم ينل من قدرات المقاومة التي عملت على تطوير وتصنيع أسلحة وصواريخ أصبحت أكثر قوة وتأثيراً وأبعد مدى، فلم تعد الصواريخ تقتصر على الوصول إلى المستوطنات المحاذية للقطاع بل وصلت إلى عمق الكيان في “تل أبيب” وبئر السبع وحيفا ومكنتها هذه الأسلحة والصواريخ من إفشال ثماني حروب على القطاع منذ عام 2008 ومن بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من الشهر الجاري معلنة حرباً مفتوحة على الاحتلال رداً على جرائمه المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل 1100 جندي ومستوطن، وإصابة أكثر من 2600 في ثاني أكبر خسائر له بعد حرب تشرين التحريرية.
خلال عملية طوفان الأقصى ذهل العالم بإمكانيات المقاومة فقد أعلنت لأول مرة عن “سرب صقر” الذي استخدم المظلات ونفذ إنزالاً جوياً في مواقع العدو، إضافة إلى أنواع جديدة من الطائرات المسيرة من طراز “الزواري” وأنواع أخرى للاستطلاع والهجوم شكلت مفاجأة كبيرة للعدو لكن الجانب المهم هو الصواريخ المصنعة محلياً، حيث تمتلك المقاومة مخزوناً كبيراً من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى التي يبلغ مدى بعضها 200 كم، إضافة إلى تطويرها منظومة دفاع جوي محلية الصنع من طراز “متبر” استخدمتها في التصدي لطيران العدو.
المقاومة الفلسطينية وأبطالها حطموا هيبة جيش الاحتلال الذي يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة بينها أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل محرمة دولياً، كما أجبروا آلاف المستوطنين على التوجه إلى المطارات قاصدين العودة من حيث أتوا لتؤكد المقاومة أن القوة بيد أصحاب الأرض الحقيقيين الذين يضحون بالغالي والنفيس في سبيل حريتهم وكرامتهم، ويقدمون دروساً للعالم في الشجاعة والتمسك بالأرض والدفاع عنها.