الأربعاء 2024-10-23 16:43:02 **المرصد**
د. خليل عجمي يكتب عن (ولاد الكار وثقافة الاستسهال)
د. خليل عجمي يكتب عن (ولاد الكار وثقافة الاستسهال)
في سبعينات القرن الماضي، لم تكن العكاز تمنع رجلاً عجوزاً -مثل جَدي- مصاباً إصابة مزمنة في رجله اليسرى، أن يقطع مسافاتٍ طويلةٍ في دمشق لشراء حاجياته مستغنياً عن المحلات التي كانت في منطقته الحديثة نسبياً، كان يردد مبرراً: "أنا أشتري من ولاد الكار، تجار حارتنا أصحاب كار جدد يحتاجون للوقت حتى يبرعوا في عملهم". والحقيقة، لم أفهم هذا الإصرار إلا بعد عقودٍ من وفاته واكتشافي أني أكرر نفس الفعل لكن في زمنٍ مختلف.
للأسف، تبدو تقاليد المهن في اضمحلال كلما تقدم الوقت، وهو أمرٌ لا علاقة له بمقدار ما تدره المهنة من مال. حتى المهن الفكرية أو العلمية أو الإدارية، تبدو اليوم بلا تقاليد وبلا روح، يشغلها في الكثير من الأحيان أشخاصٌ لا يهتمون بالمهنة ولا يملكون أي صبرٍ أو شغفٍ لتعلمها، يركزون على الشكل دون المضمون، ويرفضون التدرج، ويرغبون بالوصول إلى القمة واكتساب المرجعية المعنوية بسرعةٍ ودون انتظار.
لسوء الحظ، ينسى هؤلاء أن العمل والإنجاز وتحقيق الأهداف واكتساب المرجعية، هو طريقٌ طويلٌ مملوءٌ بالمحطات الصعبة والإحباطات المتكررة، يحتاج للاجتهاد والإصرار والصبر لأعوامٍ طويلة. لكن، يبدو الاستسهال مرضاً وسمةً ترافق مجتمعاتنا، ولا تقتصر على مهنٍ محددة. وأسوأ ما في الأمر أن المرض انتقل إلى النخب والمرجعيات ممن صاروا يعتبرون أن مسؤوليتهم تقتصر على التذاكي والحصول على الدعم والسند والمال للترقي الاجتماعي والمهني دون أن يكلفوا أنفسهم عناء ممارسة عملهم بطريقةٍ جدية.
يقول الصحفي والروائي اللاتيني إدواردو غاليانو: "نحن نعيش في عالمٍ يهتم بالجنازة أكثر من اهتمامه بالموت، يهتم بالعرس أكثر من اهتمامه بالحب، ويهتم بالجسد أكثر من اهتمامه بالعقل. نحن ببساطة نعيش في ثقافة الحاويات التي تحتقر المحتوى". 
لذا يبدو أن فشل بعض المجتمعات يكمن في فقدانها لمعايير الكفاءة والنجاح واهتمامها بالحاوية أكثر من المحتوى..  فنجاح (أيٍ كان) في إقناع الآخرين بأنه بارع وكفؤ يتلخص في تأمين السند أو الدعم أو المال والإكثار من الكلام دون تكبد عناء تطوير أي محتوى أو عناء تحقيق أي إنجاز.
 و دقوا المهابيج !
 
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024