سيريانديز ـ نجوى صليبه
لا تفرح ملكة البلاد بعودة زوجها الملك "أوزوالد"، منتصراً، بعد حروب طويلة خاضها، ونياشين علّقها على بذته، ذاك أنّها كانت تخوض معاركها الخاصّة في حبّ وهيام وعشق أحد الجنود الذي حلّ محلّ زوجها في غيابه، فتفكّر وعشيقها بقتله، معوّلة بذلك على أنّ الشّعب يحفظ بذّة الملك ونياشينه وأوسمته أكثر من ملامح وجهه، وهذا ما كان فعلاً، قتلوا الملك، وأقاموا حفلاً ترأسه وزير البلاط، قدّم خلاله الوزراء فروض الطّاعة، وهم يوجّهون رؤوسهم ووجهوهم إلى النّياشين والأوسمة ويهتفون بالحياة المديدة له، ويستمر الحال كذلك إلى أن يكتشف المؤامرة ابنة وابن الملك الذي يحاول الانتقام لوالده، لكنّ أدوات ذاتها اتّهمته بالجنون وتخلّصت منه.
كان ما سبق ملّخص بسيط لعرض تخرّج طلّاب الدّفعة الرّابعة من معهد "دراما رود" الذي عرض على خشبة مسرح العمّال في دمشق، وحمل عنوان "الحياة المديدة للملك أوزوالد"، وهو نصّ للكاتب اليوغوسلافي "فيلمير لوكيتش"، إعداد وإشراف المسرحي كفاح الخوص، دراما تورج بيترا جومر، وبمساعدة الأساتذة يزن كيالي وأيهم أبو الشامات ورماح أبو عرب.
ويعدّ هذا النّص من النّصوص المحببة لدى كثير من المسرحيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدّم في مصر أربع مرّات بين عامي 2015 و2022، وحصل على المركز الرّابع في مهرجان القاهرة للعروض المسرحية الطّويلة في عام 2015، ربّما لكثرة التّشابه بين النّص والواقع العربي، وتالياً كثرة الإسقاطات السّياسية والاجتماعية والفكرية التي يمكن الإضاءة عليها.
ويحيك الخوص في هذا العرض، المؤامرة مرّتين، الأولى ضمن النّصّ ذاته، والثّانية عندما يقدّم المؤامرة الأولى ضمن بروفات طلّاب يحضرون لعرضهم المسرحين ويعانون مشكلات مع المخرج الذي اعتمد في العرض على بعض أقربائه ممّن لا موهبة لديهم، وتالياً اندلاع المعارك بين أصحاب الكفاءة وأصحاب الواسطة، وفي الوقت الذي يقتل فيه الملك، يقتل أحد الطّلاب المخرج المتسلّط والخائن ويستلم مكانه، ويستمر في ممارساته اللاإنسانية واللاأخلاقية مع الممثّلين، لدرجة أنّ أحدهم مات قهراً عندما عيّره بوالدته التي ركعت أمام قدميه لكي يشارك في العمل، لكن المفاجأة الأكبر هو أنّه وفور الإعلان عن الوفاة، طلب من الجميع العودة إلى البروفات وكأن شيئاً لم يكن، مهدداً المتخلّف بالعقد الموقّع بينهما.
وكعادته، يشتغل الخوص على شخصية الطّالب من الدّاخل، وتحريضه على إخراج أفضل ما لديه، وتطوير أدواته وتحضيره للخروج إلى سوق العمل، وفي هذا العمل تحديداً، اشتغل مع خمسة عشر طالباً مدّة شهر ونصف، ليقدّم عرضاً مدّته ساعة ونصف السّاعة، موزّعاً الأدوار باهتمام، وربّما بعدالة ومساواة لم تُظهر أو تلمّع ممثلاً على حساب آخر،
على هامش العرض..
وبعيداً عمّا كان على خشبة المسرح، نتحدّث الآن عمّا كان على المقاعد، من تدخين وصراخ طفل رضيع في حضن والدته، وامتداد الكتلة البشرية لبعض المتفرجين خارج حدود مقاعدهم، وكأنّ لا احد يجلس أمامهم.. ربّما أصبحنا بحاجة ملحّة إلى طباعة التّعليمات الخاصّة بحضور العروض المسرحية وإلصاقها على لوحة إعلانات نضعها على باب المسرح وإجبار الجميع على قراءتها قبيل الدّخول إلى المسرح.