الجمعة 2025-09-19 13:04:03 ثقافة ومنوعات
باللغة الإنكليزية والكوفية.. فلسطين ما يستحق الحياة
باللغة  الإنكليزية والكوفية.. فلسطين ما يستحق الحياة
سيريانديز ـ نجوى صليبه عندما سُئل الممثّل الإسباني "خافيير بارديم"ـ على هامش حفل توزيع جوائز "الإيمي" بنسخته السّابعة والسّبعين الذي اختتمت فعالياته مؤخراًـ عن موقفه في حال اكتشافه أنّ الشّركة التي يعمل معها "إسرائيلية" أجاب وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية: "الأمر بكلّ بساطة لن أعمل معها.. لا أستطيع العمل مع شخص يبرر أو يدعم الإبادة الجماعية، ولا ينبغي أن نتمكّن من العمل في هذه المؤسسة أو في غيرها.. اليوم في مدريد بإسبانيا، آلاف الأشخاص خرجوا على الشّوارع مطالبين بعدم مشاركة الفريق الإسرائيلي بسباق الدّراجات، ونجحوا في ذلك.. فهل هذا تلميع للصّورة؟ بالطّبع لا.. العالم تغيّر، وما نشهده اليوم إبادة جماعية لابّد لها أن تتوقف"، وطبعاً هذا التّصريح ليس بالغريب عن "بارديم"، وهو المعروف بدعم القضية الفلسطينية ومطالباته بوقف فوري لإطلاق النّار في غزة وإدخال المساعدات بشتى الطّرق.. ومثل "بارديم"، فعل الممثّل البريطاني "بينيديكت كمبرباتش"، إذ ألقى باللغة الإنكليزية، يوم الأربعاء الماضي، قصيدة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" للشّاعر الفلسطيني محمود درويش في فعالية "معاً من أجل فـلسطين" التي أقيمت في قاعة "أوفو أرينا ويمبلي"، وقبله، انضمت الممثلتان "إيما دارسي" و"أوليڤيا كوك" إلى قائمة الممثلين الذين يرفضون العمل مع شركات إسرائيلية في مجال السّينما، ومنذ شهرين تقريباً وخلال حفلها الغنائي، رصدت المغنية الاستعراضية الإيطالية "جايا" فتاة تحمل العلم الفلسطيني، فطلبت منها الاقتراب وأخذ العلم ورفعته عالياً وهي تقول: "شكراً لمن يأتي للاحتفال والغناء، لكنّه يفكّر بالآخر، فهناك في الجانب المظلم أناس يعانون وعلينا أن نفكّر بهم.. كلنا بشر وكلنا مترابطون". مواقف تحسب لأصحابها، ولا يندمون على اتّخاذها، على الرّغم من أنّهم قد يفقدون فرص عمل كثيرة، مثلما حصل في السّنوات الماضيات مع غيرهم من الممثّلين والمطربين والرّياضيين الأحرار الذين أعلنوا عن تأييدهم لفلسطين وحق شعبها في الحياة الحرّة، ولسنا بوارد ذكرها بل بوارد السّؤال عن موقف المثقّف العربي والممثّل العربي من كلّ هذا، لقد قالها منذ بضعة شهور الشّاعر فارس دعدوش: "حين تقرأ العبارة: "غزة تموت جوعاً" لا تقرأها بشكل عابر، ولا تظن أنّها عبارة استعطاف تحمل المبالغة بقصد استجلاب الشّفقة، ففي غزة قلوب قست وتوحشت ولم يعد يعنيها تعاطفك ولم تعد تطمئنها شفقتك.. منذ أكثر من نصف عام والمعابر مغلقة، وسمعنا أنّ المساعدات توقّفت، وكلّ يوم تطالعنا صور لأناس يأكلون أعشاب الأرض، لكن اليوم رأيت الرّجل الذي كان واقفاً بدوره ليملأ إناء الشّرب، حين أخذوا إناءه ليملؤوه له، داخ، ثم سقط، ثم مات.. نعم، مات عطشاناً وجوعاناً، وأعلم أنّ هذا الأمر لم يعد له وقعه كما كان، فما معنى موت رجل عطشاً وجوعاً؟! أهل غزة: يا خَجَلَنا منكم، ويا لهفتَنا عليكم.. سامحونا، شَغلَتْنا أمور أخرى".. أيّام تذهب وتجيء، ولا شي يتغير، بل إنّ المجاعة تتفاقم والعطش يفتك بالكهل والطّفل، لكنّ غزّة اليوم تستغيث وتختبر الضّمير العربي، إنّها كما كتبت منذ أيّام الكاتبة الصّحفية في جريدة "المصري اليوم" فاطمة ناعوت: "غزّة لم تعد مجرد شريط أرضي محاصر، بل صارت المحك الذي تُختبر فيه القيم والأخلاق ويقظة الضّمير.. كلّ رصاصة تسقط هناك تُسجَّل نقطة سوداء في دفتر الضّمير الإنساني، وكلّ صمت أمام جرائم الصّهاينة في فلسطين يفتح الطّريق لتكرارها في عواصم أخرى.. تحوّلت غزة إلى امتحان عالمي، لا يخصّ الفلسطينيين وحدهم، بل يخصّ مستقبل العدالة على الكوكب بأسره". وعلى مدار السّنوات السّابقة، سمعنا نداءات كثيرة، وحملات أكثر، وبيانات "على عدد شعر الراس" كما يقال في العامية، وكلّها قوبلت بآذان صمّاء، ربّما كان آخرها البيان الذي نشره الشّاعر محمد معتوق، دعماً للأدباء والفنّانين في غزّة، وفيه دعا كلّ الكتّاب والفنّانين التّشكيلين والموسيقيين والممثّلين والمخرجين إلى التّوقيع عليه "لعلّنا نلقي حجراً في هذا الماء الرّاكد"، ونقتطف من البيان "في الوقت الذي تتعرّض فيه غزّة لحرب إبادة ممنهجة، وتعيش تحت حصار خانق وتجويع متعمّد، نجد أنفسنا كمثقّفين ومبدعين مهمَّشين، منسيّين، بل متروكين للموت البطيء. لم يعد المثقّف في غزّة يُعامل كصوت المجتمع وضميره.. نحن لا نبحث عن امتيازات، بل عن الحدّ الأدنى من الكرامة والاعتراف.. لقد بلغ بنا الحال أن نتساءل بمرارة: هل علينا أن نسرق لكي نأكل؟ أن نصبح لصوصاً لكي نحافظ على وجودنا؟.. إنّ الواقع المرّ الذي نعيشه اليوم يكشف زيف كثير من المؤسسات الثّقافية التي ادّعت اهتمامها بالمثقّفين والفنانين، لكنّها سرعان ما انسحبت وتركتنا فريسة للجوع واليأس، واكتفت بالتّغني بغزّة كأنّ الحرب كانت مجرد "حدث عابر" انتهى.. نسوا أن غزّة تعيش مليون حرب في وقتٍ واحد: حرب الاحتلال، حرب التّجويع، وحرب الإهمال الدّاخلي"، محمّلاً المؤسّسات العامّة والخاصّة، المحلية والدّولية، المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه صمتها وعجزها عن دعم المثقّفين في غزّة، الذين شكّلوا عبر سنوات طويلة خطّ الدّفاع الأوّل عن الوعي، وعن هوية الشّعب، وعن الذّاكرة الجمعية الفلسطينية، مضيفاً: "لقد تعبنا من الأنا المريضة، من فنون التّطبيل، من صعود الانتهازيين على أكتافنا.. تعبنا من تحويل الثّقافة إلى مظلّة للمصالح والصّفقات، بينما يُترك المثقّف الحقيقي بلا دواء ولا رغيف ولا صوت"، معلناً بالصّوت العالي عن الحاجة إلى رؤية ثقافيّة عادلة وشاملة لا تبرعات موسمية، وسياسات تحمي الفنان التشكيلي والكاتب والفنان والمسرحي والمخرج، لا شعارات وجوائز وهمية، بل فرص عمل وإنتاج وإبداع تحفظ كرامتهم. بيان لم يوقّع عليه إلّا عدد قليل حينها، وربّما مصيره معروف كمصير البيانات السّابقة، فغزّة خصوصاً والأراضي المحتلّة عموماً ما تزال تنزف وتصرخ وتستغيث، ولسان حالنا يقول: إلى متى؟ هل يؤثّر رأي المثقف العربي في قضية مركزية ومصيرية كالقضية الفلسطينية عموماً وقضية المثقّف الفلسطيني خصوصاً؟ أسئلة نطرحها على الجميع، لكي يفكّر كلّ منّا فيها ويجيب عليها بصدق حتّى لو بينه وبين نفسه، ولأنّ الأمل بغد أفضل للجميع وهو ما يبرّد القلوب أستشهد، ختاماً، بقول الشّاعرة صبا بعّاج: يا سمرة قلبِج من صبر قلبج أصيلْ وْ مُمتحنْ يالرّاضية بضيم القضا مهما الحزِن روحج سحَن أُخت الرِّجال إنتِ الرمزْ علمينا من قُوتج خَشَنْ ليل إلا يوم و ينتهي لو طال أو قِصر الزمن
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2025