الأحد 2025-09-28 20:24:17 |
أخبار المال والمصارف |
ضريبة القيمة المضافة: إصلاح مالي أم مغامرة غير محسوبة؟ |
 |
سيريانديز- خاص
بين من يصفق بحرارة ومن يرفع حاجباً متوجساً، تباينت ردود فعل الاقتصاديين والاختصاصيين السوريين تجاه مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة المطروح حاليا من قبل وزارة المالية للنقاش العام، القانون الجديد، الذي يُفترض أن يحل محل ضريبة الإنفاق الاستهلاكي المعمول بها منذ أكثر من 35 عاماً، جاء محمّلاً بوعود وردية، أبرزها تحقيق العدالة الضريبية وتبسيط الإجراءات ورفع تنافسية الاقتصاد السوري.
وزير المالية الدكتور محمد يسر برنية، لم يدّخر جهداً في الترويج للمشروع، مستخدماً مفردات منتقاة بعناية، فقد وصفه بأنه "تحول جوهري في السياسة الضريبية"، مشيراً إلى أن النسبة المقترحة للضريبة لا تتجاوز 5%، وهي الأدنى في المنطقة، مقارنة بدول مثل المغرب (20%)، الجزائر وتونس (19%)، ومصر والسودان (14%)، والسعودية (15%).
هذه المقارنة، التي بدت وكأنها محاولة لإقناع الجمهور بأننا على أعتاب نهضة ضريبية، لم تمر مرور الكرام، فقد اعتبرها عدد من الباحثين غير واقعية، نظراً لخصوصية الاقتصاد السوري الذي يعاني من تراجع الإنتاج، انهيار البنية التحتية، وعقوبات دولية أنهكته على مدار 14 عاماً من الحرب.
فريق المتفائلين بمشروع القانون الجديد أشادوا به انطلاقا من أنه سيحقق عدالة ضريبية أعلى لأنها تعتمد على الاستهلاك وليس على الدخل أو الأرباح مما يوزّع العبء بشكل أوسع وضمان تحصيل ضريبي أفضل بفضل تتبع الفوترة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع إضافة إلى تعهدات وزير المالية بإعفاء السلع الغذائية والأساسية بالكامل من الضريبة لضمان عدم تحميل المواطنين أعباء إضافية.
وفي المقابل رأى اختصاصيون واقتصاديون أن ضريبة القيمة المضافة ليست مجرد رقم منخفض يُعرض على شاشة العرض التقديمي أو إغراءات ووعود قد لا تصمد أمام التحديات المستقبلية في هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي يوسف شريبا في حديث لشبكة سيريانديز إن ضريبة القيمة المضافة "منظومة متكاملة تتطلب شروطاً صارمة لتنجح، أبرزها ضبط التهرب الضريبي عبر نظام فوترة إلكتروني فعال ومكافحة الفساد في الجباية وتنظيم الاقتصاد غير الرسمي أو ما يسمى "اقتصاد الظل" الذي يُقدّر بأنه يشكل نحو 70% من النشاط الاقتصادي في البلاد معربا عن استغرابه بتبشير وزير المالية بتحصيل ضريبي أفضل مع بقاء سبعين بالمئة من الاقتصاد السوري الرادار الضريبي.
ويضيف شريبا إذا افترضنا أن القانون سيمر كما هو وفي هذه الظروف بالتحديد، فإن نسبة الـ5% قد لا تصمد طويلاً وستتراجع الإيرادات إلى 50% وسيكون الوزير مضطراً، بموجب صلاحياته، إلى رفع النسبة تدريجياً وحذف بعض الإعفاءات التي وعد بها، ما يعني أن المستهلك النهائي سيدفع الثمن عبر ارتفاع الأسعار.
أما البنية التحتية المطلوبة لتطبيق هذا القانون، فهي قصة أخرى بحسب الاقتصادي عامر شهدا الذي كتب على صفحته في الفيسبوك "قبل الحديث عن الضريبة، يجب أن نتحدث عن توازن بين الدخل والأسعار، تثبيت سعر الصرف، وجود منظومة دفع إلكتروني فعالة، مصارف قادرة على إدارة التدفقات المالية، وثقافة ضريبية ومصرفية لدى المواطنين" وكل هذه العناصر غائبة أو في أحسن الأحوال ضعيفة، ما يجعل تطبيق القانون أقرب إلى مغامرة غير محسوبة.
ورغم ذلك، لا يمكن إنكار وجود نوايا إصلاحية لدى بعض الوزراء، لكن السرعة في تنفيذ هذه الإصلاحات دون تمهيد اجتماعي واقتصادي كافٍ قد تؤدي إلى نتائج عكسية فالوضع المعيشي لغالبية السوريين لا يحتمل تجارب ضريبية غير مكتملة ولا وعوداً معلّبة تُقارن بدول لديها اقتصاد مستقر ومؤسسات قوية.
في النهاية، ضريبة القيمة المضافة قد تكون خطوة ضرورية على طريق الإصلاح المالي، لكنها ليست عصا سحرية، فالتحديات كبيرة والسوريون يحتاجون إلى إجراءات واقعية لا إلى مقارنات مع المغرب والسعودية، فقبل أن نحلم بضريبة عادلة علينا أن نضمن اقتصاداً منظماً ومؤسسات فعالة، وقبل كل شيء تعزيز الثقة بين الحكومة والمجتمع.
|
|