الإثنين 2025-10-06 11:20:30 ثقافة ومنوعات
المعهد الموسيقي يتابع تدريباته.. والشّيء بالشّيء يُذكر
المعهد الموسيقي يتابع تدريباته.. والشّيء بالشّيء يُذكر
سيريانديز ـ نجوى صليبه
وأنا أقرأ خبر الاعتداء الذي طال المعهد الموسيقي الوطني في مقرّه بمدرسة جودة الهاشمي، تذكرت زيارتي الأخيرة له منذ أعوام، بهدف إجراء استطلاع حول هذه المعاهد، وتداخلت في ذاكرتي أصوات الأمس وكأنّها اليوم، أصوات تدريب هنا، وملاحظات هناك.. عزف منفرد قادم من قاعة على اليمين، وآخر جماعي قادم من قاعة على اليسار، تذكّرت التّهذيب واللطف الطّافح من عيون الطّلاب وكلماتهم وأجوبتهم عندما كنت أسألهم عن سبب اختيار هذه آلة دون أخرى، وكيفية التّوفيق بين الموهبة والدّراسة، ولا أنسى الأمهات والأجداد والجدّات الذين كانوا ينتظرونهم خارجاً، ولا أنسى أيضاً انتظار الطّلاب الهادئ لمواعيد الدّخول إلى القاعات حسب الوقت المحدد..
يوم الخميس الماضي، أي قبل الحادثة بيوم، كان الأطفال يتدرّبون استعداداً لحفل قريب، يملؤهم الحماس والموسيقى، لكن رسالةً إدارة المعهد التي وصلتهم في اليوم التّالي وأبلغتهم بتوقّف البروفات قلبت حالهم وخيّم الحزن عليهم وعلى أهاليهم، لم تدخل الإدارة بالتّفاصيل فقط قالت لأسباب خاصّة وطارئة، ليتفاجأ الأهل والطّلاب بصور منتشرة على الـ"سوشيال ميديا" تظهر ألواح الخشب المكسّرة في ممرات المعهد والخراب يعمّ المكان.. هي حرب كبار والصّغار لا علاقة لهم فيها، لذلك كان همّهم الوحيد العودة إلى المعهد والاستمرار بموسيقاهم وتدريباتهم،وهذا ما حصل فعلاً، أرسلت الإدارة رسالة أخرى، يوم الأحد، وأخبرت الأهل والطّلاب باستئناف البروفات على الرّغم من كلّ الظّروف.
 لكن ما هي الظّروف؟؟ بحسب المتداول حصل خلاف بين المتعهد والمعهد، أدّى إلى ذلك، مع العلم أنّ التّرميم في المدرسة وليس في المعهد، وبحسب والدة أحد الطّلاب التي رافقت ابنها إلى المعهد، لا يوجد خراب كما نقلت الصّفحات على الـ"فيسبوك" وبالغت بالنّقل، والطّلاب لا يتركون آلاتهم الموسيقية في المعهد، وأنّ البروفات بالأمس، أي يوم الأحد، كانت جيّدة، وأنّ هناك مشكلة وقعت لكن يرفض الجميع الحديث فيها، وتالياً لا أحد يستطيع تأكيد أنّ التّخريب يستهدف الموسيقى بحدّ ذاتها إن لم يصرّح أحد بذلك.   
الخبر الذي انتشر بسرعة النّار في الهشيم، حرّك مشاعر الأدباء والسّينمائيين والدّراميين والتّشكيليين والمخرجين والممثلين والصّحفيين الغيورين على الفنّ والموسيقى في بلدنا، على هويتنا السّورية وثقافتنا السّورية التي صدّرناها عبر آلاف السّنين إلى العالم كلّه، والبعض بعد أن شارك الصّور وكتب عن تحطيم الآلات الموسيقية تراجع عن كلامه وحذف منشوره، لأنّه لم يكن متأكّداً من أنّ الموسيقى هي المستهدفة.
لكن.. لماذا اعتقدنا أنّ المستهدف هو الموسيقى وأزحنا فكرة المشكلة الشّخصية من القضية؟ سؤال نجيب عليه بالقول، الأحداث السّابقة التي لم يمرّ عليها أيّام وبعضها أسبوعان لا أكثر هي التي دفعت البعض إلى الاعتقاد بأنّ الموسيقى مستهدفة، آخرها إلغاء وزارة الثّقافة ـ مديرية الثقافة في دمشق ـ حفل توقيع المجموعة القصصية "التوق إلى الفردوس" للقاص عبدالله النّفاخ التي كانت محددة في يوم الأحد الخامس من الشّهر الحالي، وكان من المقرر أنّ يقدّم القراءات النّقدية فيها كلّ من الأساتذة عماد نداف ومحمد الحفري وديمة داووي.. الأديب محمد الحفري عبّر عن استغرابه وانزعاجه وغضبه بالقول: "هل هذه وزارة ثقافة حقاً أم وزارة تطفيش وتهميش؟ للمرة الثّانية تلغي الوزارة فعالية أدبية في العاصمة دمشق، الأولى لشاعرات سوريات اجتمعن على المحبة وحبّ الكلمة، والثّانية قراءة في مجموعة قصصية صادرة حديثاً ولا نعرف إذا كانت قد فعلت ذلك في بقية المحافظات.. تتباهى الدّول والحكومات المتحضّرة عادة بعدد كتّابها ومن يبدعون في مجال الأدب والفنّ وتفتخر بإنجازاتهم وبما حققوه من حضور داخل البلاد وخارجها كما تسجّل وتؤرشف النّدوات والأمسيات والنّشاطات، لكنّها في بلادنا وعلى الرّغم من عدم تقديم أي مقابل مادي تتشاطر في إلغاء هذه النّشاطات من دون أن توضح الأسباب الموجبة لذلك والموقف الحقيقي لأصحاب الكلمة واحتراماً للنفس قبل كل شيء يفترض أن يكون بمقاطعة مثل هذه الفعاليات مستقبلاً، وبعد هذه المدّة يحقّ لنا أن نسألهم ماذا حققتم خلال الشّهور الماضية؟".
وأمّا الأمسية الأولى التي ألغيت فكانت بعنوان: "نفحات من قصائدهن" وكانت مقررة بتاريخ 29 أيلول الماضي، طبعاً من دون ذكر الأسباب أيضاً، مع العلم أنّ الموافقة على أيّ نشاط في المراكز الثّقافية تكون قبل شهر من إقامة النّشاط تقريباً، حينها عبّرت الشّاعرات عن انزعاجهن من الإلغاء، وعددن التّصرف غير لائق بالفعل الثّقافي، وحينها قالت الشّاعرة خلود كريمو التي كانت ستشارك في الأمسية: "إنّ هذا التّصرّف، الذي يفتقر إلى أدنى درجات الشّفافية والاحترام، لا يليق بمقام الفعل الثّقافي ولا بمنظومة يُفترض بها أن ترعى الكلمة الحرّة وتُكرم المبدعين.. إنّ تجاهل التّوضيح يُعدّ استخفافًاً بالجهود المبذولة وبالحضور الكريم، ويطرح تساؤلات مؤلمة حول جدّية الالتزام الأدبيّ والمؤسسي، لقد كان الأولى بوزارة الثّقافة أن تنهض بمسؤوليّتها تجاه الأدباء والمبدعين، لا أن تتركهم يواجهون التّهميش والإهمال.. إنّ استمرار تجاهل حقوق الشّعراء والأدباء، الذين يبذلون من أرواحهم وجهدهم من دون أي مقابل مادّي، يُعد تقصيراً فادحاً لا يليق بمؤسسة يُفترض بها أن تكون حاضنة للثّقافة وحامية للكلمة الحرّة... كنّا نأمل أن يتحسّن الوضع الثّقافي، لا أن نشهد هذا الانحدار المؤسف الذي يطعن في كرامة الإبداع ويُطفئ وهج الحرف".
وقبل ذلك بأيّام، حُطّمت تماثيل أنجزها طلّاب كلية الفنون الجميلة والتّطبيقية في جامعة حلب، ويومها نفت إدارة الجامعة تدمير التّماثيل من قبل مجهولين، بل بينت أنّ التّماثيل أزيلت لأنّها أعمال لدورات سابقة ؟؟!!..
إذاً.. وأمام هذه الحوادث التي نشاهدها، والتي قد لا نسمع بكثير منها في المحافظات الأخرى، ليس ذنباً أن يعتقد أهالي طلّاب المعهد الموسيقي الوطني أنّ الموسيقى هي الهدف، وليس ذنب المثقفين والأدباء والموسيقيين والسينمائيين والمسرحيين أن يخافوا ويرتعدوا من هذه الصّور، وليس ذنب الصّحفي أيضاً عندما يسأل عن معلومة ويرفض البعض التّصريح..
إذاً.. ذنبنا يكون عندما لا نخاف على هويتنا الثّقافية والحضارية والتّاريخية.. ذنبنا عندما لا نقرأ، ولا نرسم، ولا نغنّي، ولا نرقص.. ذنبنا عندما لا نخاف على الهوية السّورية من ثقافة وفنّ وتاريخ وأدب وعلم وعمل وأخلاق.. ذنبنا الكبير أن يُقال يوماً ما: "لقد دمّر السّوريون حضارتهم بمعاولهم"..
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2025