السبت 2012-05-19 03:34:27 بورتريه
رحل مفيد عبد الكريم...الرحمة لروحه الطيبة ..وما تبقى بيد "الغفور الرحيم"..
رحل مفيد عبد الكريم...الرحمة لروحه الطيبة ..وما تبقى بيد "الغفور الرحيم"..


كتب أيمن قحف
في حضرة الموت تحضر الذكريات الطيبة ويشرق الخير الذي قام به من رحل ،و تترك الذنوب في عهدة من هو "غفور رحيم"..
تلقيت بالأمس خبراً أحزنني وأشعرني بتقصيري ،لقد توفي الدكتور مفيد عبد الكريم وزير النقل الأسبق(1992-2000)..
كان رجلاً جميلاً محبوباً في كل الأوساط منذ شبابه ،حتى مشكلاته التي مر بها وأودت به إلى السجن عدة سنوات لم تفقده محبة الكثيرين!
مات مفيد عبد الكريم تاركاً وراءه الكثير من القصص الغامضة التي قد يكشف التاريخ النقاب عنها،ونكتفي نحن بالقول أن القضاء حاكم الرجل واتخذ قراره الذي نحترمه..
خرج من السجن منذ سنوات وانزوى في قريته بيت الشيخ يونس قرب صافيتا منهمكاً بعشقه القديم "القراءة" وهي الهواية التي كانت تخفف عنه وحدة السجن بعد أن كان وزيراً وأستاذاً جامعياً "مالئ الدنيا وشاغل الناس"...


بدأت علاقتي بالرجل في النصف الثاني من التسعينات وحاورته مرات عديدة فكان يروق لي في ثقافته وذكائه وفهمه لشؤون وزارته وقيادته القوية لها..
كنا نلتقي كثيراً في المجلس الأعلى للاستثمار حيث كان قطاع النقل الأكثر ازدهاراً هناك..
كلفني بأن أكون مديراً لتحرير مجلة النقل الصادرة عن الوزارة عام 1998 وكان وجود مجلة مكسباً كبيراً قبل الترخيص للإعلام الخاص..
عملت معه قرابة العامين وكان يعتبرني"صديقاً" وكنت أعتز بذلك،تابعت ملف الاتهامات ولم أتدخل به لا من قريب ولا من بعيد ، لكن عملي تطلب مني تغطية وصول طائرات ايرباص الجديدة، وكان هناك احتفالية تجري مع كل طائرة..


هوجم العقد كثيراً و الجميع يعلم بما آلت إليه الأمور من "انتحار" رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي وسجن نائبه الاقتصادي الدكتور سليم ياسين ووزير النقل آنذاك الدكتور مفيد عبد الكريم..
ولكن في لحظة ما ، ونحن نعيشها اليوم، يتساءل كثيرون:ماذا كنا سنفعل لو لم يشتروا تلك الطائرات آنذاك؟!
تشكل طائرات الايرباص أسطول السورية الذي يربطنا بالعالم لا سيما بعد توقف البوينغ لأسباب مختلفة..
بكل الأحوال، لست أنا من يقرر المسؤوليات فيما حصل،ولكن في حضرة الموت لا بد لي أن أترحم على هذا الرجل بأعماله الطيبة،ولعل أهمها على الإطلاق أنه كان يشعر بالفقراء ويخدمهم لوجه الله، لقد وظف آلاف الفقراء دون أن يطلب منهم شيئاً،أناس لا مصدر رزق لهم ولا دعم لهم إلا من عند الله،حضرت له مئات المواقف الإنسانية في خدمة البسطاء والمحتاجين،بل كان يندفع لطلب خدمات لمن يقصدونه من المسؤولين الآخرين..


ولا يمكن تجاهل أن الكثيرين من أصدقائه وخاصة أعضاء مجلس الشعب آنذاك كانوا يوقعون طلبات منه مجاناً ويقبضون ثمنها من "الفقراء" وهي مسؤوليتهم أمام الله ومن قبضوا منهم!
مات مفيد عبد الكريم بعد صراع مرير مع المرض، وما زلت أشعر بتقصيري تجاهه،فقد قصدني بعد خروجه من السجن بخدمة تتعلق بابنته الصيدلانية، وكنت ممتناً لثقته بي وحزيناً لما آلت إليه أموره،حاولت جهدي ولا أدري ما الذي حصل بعدها ،تحادثنا عدة مرات،ووعدته بالزيارة...ومرت الأيام سريعة حتى سمعت الخبر المؤسف..
أذكر اليوم جلساته-خارج أجواء العمل-حيث كان يتألق بحضوره وثقافته العالية وروح النكتة والدعابة و"السوالف والنوادر"التي يحفظها..
الجميع كان يتمنى السهر معه ،بل يروي كثيرون أن محاضراته في الجامعة كانت تحظى بأكبر قدر من المتابعة والحضور..
كنت أتمنى أن ألتقيه ثانية،كنت أتمنى أن تتيح له البلد الفرصة ليقدم ما يكفر عن أخطاء قد يكون ارتكبها من خلال الاستفادة من خبراته وامكاناته الكبيرة..ولكن ذلك لم يتم!
رحم الله الدكتور مفيد عبد الكريم..

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024