الثلاثاء 2013-03-12 03:27:42 تحقيقات
الشاطئ السوري ضحية التعديات والتدهور والمناطق الساحلية ملوثة بالمعادن الثقيلة...إدارة الموارد البحرية غائبة.. والمطلوب محميات بحرية
للتنوع الحيوي السوري البحري حكايته مع التدهور لأسباب طبيعية تتعلق بالشاطئ نفسه ولعوامل تتمثل في النشاطات البشرية غير المشروعة التي تمارس على الشاطئ كالصيد الجائر والتلوث بكل أشكاله واستعمال الديناميت والسموم إضافة إلى استخدام شباك الصيد الناعمة دون الحدود المسموح بها.
حسب مركز البحوث البحرية في اللاذقية يمكن تلخيص المشكلات والقضايا الرئيسة التي تواجه المناطق الساحلية بتلوث المياه وتدهور الموارد الطبيعية إذ تعد قضية التنوع الحيوي البحري و مدى ارتباط ذلك مع ظاهرة التغيرات المناخية من أهم القضايا المطروحة بيولوجياً على الشواطئ السورية, فقد لوحظت تغيرات كمية ونوعية للفاونا والفلورا في الشاطئ السوري خلال السنوات الماضية, وأصبح العديد من الأنواع التي كانت نادرة أو قليلة في الماضي أكثر غزارة في الوقت الحالي والعكس صحيح بالنسبة لأنواع أخرى كما يسجل وجود أنواع جديدة باستمرار.
ماذا عن إدارة موارد البحر؟
يشير تقرير حالة البيئة إلى أن السبل الكفيلة بحماية البيئة البحرية وصيانة مواردها من التدهور هي الإدارة الواعية للموارد البحرية التي تصون مصائد الأسماك وتحفظ لها التجدد عن طريق لجان إقليمية أو مواثيق عالمية تعنى بتنظيم الصيد البحري وتضع القوانين الكفيلة بذلك.
ومنع التلوث الناجم عن استغلال البترول حماية لمصائد الأسماك على الأرصفة القارية وكذلك ضبط التلوث الصناعي الذي تتأثر به البيئة البحرية وفي مقدمته التلوث بالمعادن الثقيلة مثل الزئبق والكادميوم وكذلك التلوث الناجم عن الصناعات الكيماوية وخاصة المبيدات الزراعية التي تصل إلى البيئة البحرية إضافة إلى منع التلوث الحراري الناتج عن المياه المستخدمة في عمليات التبريد في معامل الطاقة والمحطات الحرارية وحماية الأراضي الرطبة واستخدامها استخداماً سلمياً يجعلها محميات بحرية, على لكونها من أخصب مناطق البيئة البحرية وأكثرها غنى بالمواد العضوية والكائنات البحرية مع ضرورة إيلاء الاهتمام للمحميات الطبيعية, وإنشاء محميات بحرية على الأجزاء الحساسة من البيئة البحرية مثل مسطحات المد والجزر والخلجان لأنها من أكثر أجزاء البيئة تعرضاً للتلوث والتدمير.
المواقع الساخنة
حسب مركز البحوث البحرية تم تحديد المواقع الساخنة على الشاطئ السوري كمناطق التصريف الصناعي والمنزلي والزراعي ومصبات الأنهار والمناطق الأخرى المعرضة للتلوث الصناعي كمصفاة بانياس وشركة نقل النفط والمحطة الحرارية والمرافئ التجارية.
بالنسبة للهيدروكربونات البترولية التي تصل إلى البيئة البحرية من مصادر متعددة (صرف صحي, مخلفات مصانع, مياه الأمطار, الأنهار والهواء) وبحرية (حوادث ناقلات النفط وغيرها, استخراج النفط من البيئة البحرية, الأعمال الاعتيادية على ظهر السفن, عمليات الشحن والتفريغ). تعد هذه الملوثات من أكثر الملوثات وجوداً في البيئة البحرية, فمن خلال الدراسات التي أجريت على الساحل السوري لوحظ تراكم لهذه الملوثات في البيئة البحرية بكل أطوارها (مياه, رسوبيات, أحياء) فقد كانت التراكيز الإجمالية للفحوم الهيدروجينية الاليفاتية في الرسوبيات البحرية منخفضة إلى حد ما في منطقة الشاطئ الأزرق بينما ارتفعت هذه التراكيز بشكل ملحوظ في منطقة الكورنيش الجنوبي بسبب وجود مصادر تلوث ناتجة عن الصرف الصحي أما بالنسبة للهيدروكربونات البترولية العطرية فقد ظهرت لها تراكيز عالية في منطقة مرفأ اللاذقية بينما كانت هذه التراكيز منخفضة في منطقة الشاطئ الأزرق.
تعد منطقة بانياس (مصفاة بانياس) من أكثر المناطق تلوثاً بالهيدروكربونات البترولية إذ كانت قناة الصرف الناجمة عنها تصب بتدفق كبير من دون معالجة إذ لوحظ نفوق الأحياء البحرية كالقشريات (السرطانات) بسبب التلوث الكبير, كما بينت الدراسات دور التيارات البحرية (شمال غرب) في نقل مثل هذه الملوثات إلى الساحل السوري.
فيما يتعلق بالهيدروكربونات الكلورية العضوية كانت تراكيز مركبات المبيدات الكلورية قليلة في رسوبيات وأحياء بعض المناطق من الساحل السوري وبينت الدراسات قدم تراكم هذه المبيدات في رسوبيات الساحل السوري.
بالنسبة لمتعدد الكلور ثنائي الفينيل فقد كانت تراكيزه أيضا قليلة في رسوبيات بعض مناطق الساحل السوري ولكن تبين من خلال الدراسات وجود زيادة في تراكم هذه المركبات في رسوبيات مناطق معينة من الشاطئ السوري ولاسيما نهر الكبير الشمالي, الأمر الذي يشير إلى استمرارية وصول هذه الملوثات إلى البيئة البحرية ولدى دراسة الهيدروكربونات الكلورية بشكل عام في رسوبيات النهر الكبير الشمالي تبين أن المركبات المتراكمة في هذه الرسوبيات مطابقة تماماً لتلك الموجودة في الرسوبيات البحرية الأمر الذي يشير لدور الأنهار في نقل هذه الملوثات إلى البيئة البحرية. كما بينت دراسة أخرى تراكم مركبات متعدد الكلور ثنائي فينيل في الطحالب البحرية التي تعد الناقل الأول لهذه الملوثات إلى السلسلة الغذائية، إذ بينت الدراسة أن تركيز هذه المركبات كان أعلى في فصلي الصيف والربيع مما هو عليه في الفصلين الباقيين.
أما المنظفات (خافضات التوتر السطحي) فتتوزع المادة الفعالة للمنظفات في الرسوبيات المقابلة للصرف الصحي التي تصب في البحر وفي رسوبيات النهر الكبير الشمالي ولدى دراسة مدى استقرار هذه المركبات في النظام البيئي البحري في الساحل السوري لوحظ الإجهاد الكبير الذي تعانيه الأحياء الدقيقة في تفكيك هذه المركبات.
هل مياهنا البحرية ملوثة؟
يشير تقرير حالة البيئة الصادر عن وزارة الدولة لشؤون البيئة إلى أن المياه البحرية السورية تعد حتى الآن غير معرضة بشكل خطير للتلوث بأغلب العناصر المعدنية بسبب انحسار المنشآت الصناعية الوطنية والخاصة والقريبة من الشواطئ السورية. فأغلب العناصر المتأتية إلى المياه السورية ناتجة عن بعض الصناعات مثل مصفاة تكرير النفط في بانياس ومصب النفط والمحطة الحرارية إضافة إلى بعض الصناعات التعدينية الخاصة مثل صناعة الأدوات الكهربائية المنزلية القريبة من مدينة اللاذقية إضافة إلى العناصر المنتقلة من الهواء إلى المياه البحرية بفعل الأمواج وهذا الانتقال يتركز على انتقال الرصاص الناتج عن احتراق وقود السيارات. الجدير ذكره انه تتم من خلال أبحاث المعهد العالي للبحوث البحرية متابعة قياس تراكيز هذه العناصر في مختلف المواقع على الشاطئ السوري, لدراسة وتحديد تراكيز العناصر المعدنية على مواقع متفرقة من الساحل السوري ولاسيما في منطقة مصفاة بانياس والمحطة الحرارية والمصب النفطي لكون هذه المنشآت من أهم النقاط التي تلقي بالمياه المستعملة في البحر مباشرة.. وثمة دراسات أخرى تناولت تأثير الأمواج البحرية في انتشار بعض العناصر المعدنية الثقيلة في هواء المناطق الشاطئية. تناول هذا البحث تحديد كميات الترسبات الغبارية في الهواء تبعاً للتغيرات الفصلية، وتحديد تراكيز بعض العناصر المعدنية الثقيلة فيها وذلك في عدد من القطاعات ذات النشاطات الصناعية والسكنية على امتداد الساحل السوري. أجريت هذه الدراسة في الفترة الممتدة بين 2008-2009 .
أظهرت النتائج أن كميات الترسبات الغبارية وكذلك تراكيز العناصر المعدنية الثقيلة فيها تزداد في فترات الصيف وتنخفض عنها قليلا في الخريف لتأخذ قيما أكثر انخفاضا في الشتاء والربيع. وللحركة المرورية وطبيعة النشاطات البشرية والمنشآت الصناعية دور أساسي في ارتفاع تراكيز بعض العناصر المعدنية، كما في منطقة الشيخ ضاهر وسط مدينة اللاذقية ومصفاة النفط و معمل الإسمنت في مدينتي بانياس وطرطوس، الأمر الذي يؤثر في جودة الهواء هناك. كما لوحظ ازدياد تراكيز هذه العناصر في هواء الشاطىء المجاور في منطقة الشاطىء الأزرق الخالية من النشاطات الصناعية و ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وهذا يدل على أن لأمواج البحر دوراً في تحميل هواء الشاطىء بتلك العناصر.
الحد من التدهور
يعد الشاطئ السوري فقيراً بالتنوع الحيوي وهذا يقتضي ضرورة اتخاذ كل السبل لحماية هذا التنوع بدءاً من حماية الموئل الطبيعي من التخريب الفيزيائي والتلوث مروراً بمنع التعديات وحتى إقامة المحميات البحرية لإفساح المجال أمام ازدهار الأنواع والمنع الفعال والقاطع لعمليات الصيد الجائر وردع مستخدمي السموم والمتفجرات في صيد الأسماك, ومحاسبة المخالفين بشدة لأن هذه الطرق لا تؤثر في الأسماك فقط بل تدمر البيئة البحرية بشكل عام إضافة إلى دعم مشروعات إقامة مزارع بحرية أو شاطئية للأحياء البحرية (العائمة بشكل خاص), إذ يتوفر العديد من المواقع على الشاطئ السوري لاحتضان مزارع لإنتاج الأحياء البحرية أو تفريخها ودعم الأبحاث العلمية الخاصة بإنتاج وتربية الأحياء المائية البحرية ولاسيما محاولات أقلمة أنواع جديدة من الأسماك والأحياء المائية الأخرى وتربيتها في الأسر وتعليفها بالأغذية الحية أو الصناعية ومحاولات تفريخها وضرورة تضافر جميع الجهود والتنسيق بين الجهات الحكومية المعنية بقطاع الأسماك للقيام بالدراسات والأبحاث العلمية, بغية الاعتماد على أساس علمي وعملي في وضع قوانين الصيد ووسائله بهدف حماية ثروتنا السمكية على المدى الطويل وضرورة التعاون مع الجهات الدولية أو الإقليمية المختصة والاستفادة القصوى من خبراتها التي تخدم تنمية وتطوير القطاع السمكي.
منطقة بانياس.... نفوق للأحياء البحرية وتلوث بالهيدروكربونات البترولية

من الإجراءات المتخذة للحد من تدهور المناطق الساحلية والبحرية مشروع التخفيض الفعال للملوثات من خلال وضع برنامج فعال لتحقيق هذا الهدف بالتنسيق مع الجهات المعنية لمعالجة مصادر التلوث والتقليل من وصولها إلى البيئة البحرية إضافة إلى إجراء دراسة متكاملة للساحل السوري تشمل رصد الملوثات للوقوف على واقع جودة مياه الساحل السوري وبيان التغيرات الحاصلة بشكل دوري و رصد تراكم الملوثات في الأحياء البحرية و دراسة أثرها في نمو وتكاثر الأحياء البحرية وأثرها في السلسلة الغذائية إضافة إلى رصد الأحياء البحرية من ابسطها إلى أعلاها في السلسلة الغذائية البحرية وبيان أثر التغيرات البيئية المناخية في هذه الأحياء، ودراسة تغير مكونات الرسوبيات مع الزمن نتيجة الأنشطة البشرية المختلفة على طول الساحل السوري وأثرها في البيئة البحرية ووضع منهجية تحليلية لمتابعة دراسة سلوك العناصر، المعدنية الثقيلة في البيئة البحرية من خلال تحديد التركيز الكلي لهذه العناصر وكذلك تحديد التوزع الشكلي لها بما أن سمية هذه العناصر تتعلق بالتركيز الشكلي لها وليس فقط بالتركيز الكلي.
كيف نحمي البيئة البحرية؟
من المقترحات لحماية البيئة البحرية والتنوع الحيوي ضرورة إنشاء شبكة رصد بحرية مؤلفة من خمس محطات تقيس المواصفات الهيدرولوجية والمغذيات والكلوروفيل والطحالب والمد والجزر والتيارات البحرية وقياس الأعماق لما لها من أهمية كبيرة في تخزين هذه المعطيات والاستفادة منها بشكل دوري لتقييم التغيرات البيئية الحاصلة وأثرها في الأحياء البحرية والبيئة البحرية بشكل عام يضاف إلى ذلك الرصد الدوري لمختلف أنواع الملوثات في البيئة البحرية ودراسة تأثيرها في التنوع الحيوي وتحديد مصادر التلوث والعمل مع الجهات المعنية للحد من وصول الملوثات إلى البيئة البحرية ونشر الوعي البيئي بشكل فعال ابتداءً من إدخال المفاهيم البيئية في المناهج التربوية ومن خلال المعارض البيئية ووسائل الإعلام. وكذلك السعي لإحداث اختصاصات جديدة بما يتوافق مع تطورات التكنولوجيا العلمية في مجال رصد وتحديد الملوثات الكيميائية على اختلاف أنواعها وسلوكها في مختلف الأوساط البيئية.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024